على غير عادتها في الدورات السابقة، ذهبت رئاسة مجلس النواب إلى سابقة تقديم مسألة حسم توزيع اللجان البرلمانية على حسم رئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء، حيث دأبت الكتل السياسية في الدورات السابقة على إسقاط توافقاتها حول الرئاسات الثلاث على آلية توزيع اللجان البرلمانية وسحبها على تشكيلة اللجان لتأتي مخرجاتها متطابقة مع أعراف تحاصص الرئاسات.
لم يعد بالإمكان تقسيم اللجان البرلمانية بحسب الآليات المتبعة في الدورات البرلمانية السابقة بعد دخول العناصر المستقلة إلى المجلس
وتأتي هذه السابقة في سياق الصراع بين تحالفي "الإطار التنسيقي" و"الثلاثي"، إذ يسعى الأخير من خلاله لإظهار هيمنته على مجلس النواب والتأكيد على أخذه زمام المبادرة داخل قبته، وفقًا لمراقبين للشأن السياسي.
اقرأ/ي أيضًا: خارطة طائفية لتوزيع اللجان.. المستقلون يعولون على "اتفاقات ضمنية"
وترى قوى الإطار التنسيقي أن تشكيل اللجان البرلمانية لا يجب أن يسبق عملية انتخاب رئيس الحمهورية وتشكيل الحكومة، وهو ما أكده النائب عن ائتلاف دولة القانون أحمد الصوفي بقوله إن "قوى (الثبات) لم تكن جزءًا من اجتماع الكتل الأول الذي عقد قبيل جلسة البرلمان الأخيرة"، معتبرًا في تصريح سابق لـ"ألترا عراق" أن الاجتماع جرى حينها "برعاية التحالف الثلاثي".
ويضم تحالف (الثبات) كما يُفترض قوى الإطار التنسيقي وحلفائهم من الكرد والسُنة بحسب التصريحات الإعلامية، لكن دون أن يُعلن عن التحالف رسميًا.
فيما يرى عضو المجلس عدنان الجابري أن "اتجاه مجلس النواب نحو واجب تشكيل اللجان أفضل من انتظار الاتفاق على تسمية رئيس الجمهورية، إذ إن مجلس النواب لديه مهام ينبغي أن لا تتعطل".
وكانت رئاسة البرلمان قد أوعزت في 22 شباط/فبراير المنصرم إلى النائب الأول لرئيس البرلمان حاكم الزاملي، بتشكيل لجنة برئاسته وعضوية النائب حسن الكعبي والنائب محمد تميم والنائبة فيان صبري لتولي مهام عقد اجتماع موسع يضم الكتل البرلمانية لمناقشة آلية توزيع اللجان البرلمانية، حيث أفضت سلسلة اجتماعات بين قادة الكتل وممثليها الى تفاهمات مبدئية حول وضع آلية جديدة لتوزيع اللجان البرلمانية تختلف عن الآليات المتبعة في الدورات السابقة.
شطر اللجان ودمج الفئات
وتنقسم اللجان البرلمانية بحسب الآليات المتبعة في الدورات البرلمانية السابقة إلى ثلاث فئات هي "أ، ب، ج" تتدرج من حيث الأهمية بحسب اختصاص اللجان وارتباطها بالوزارات المعنية، وهو الأمر الذي لم يعد من الممكن تطبيقه بعد دخول العناصر المستقلة إلى البرلمان، بتقديرات محللين سياسيين.
يمكن للكتلة التي تضم أربعة نواب أن تقسم الى نائبين في لجان من الفئة (أ) ونائبين من لجان الفئة (ب) وفق اتفاق جرى بين الكتل
في الدورة الحالية، "تم إلغاء آلية تقسيم اللجان الى ثلاث فئات (أ، ب، ج) وتم تقسيم اللجان الى فئتين هما (أ،ب)، حيث تنقسم الفئة (أ) إلى 11 لجنة بينما تنقسم الفئة (ب) إلى 14 لجنة" بحسب النائب عن دولة القانون محمد حسن، الذي قال لـ"ألترا عراق" إن "بعض اللجان تم شطرها بحسب التخصص، حيث تم فصل لجنة النفط والطاقة إلى لجنتين هما لجنة النفط ولجنة الكهرباء، وتم شطر لجنة الاستثمار إلى لجنة الاستثمار ولجنة الصناعة والزراعة، وهكذا مع عدد آخر من اللجان".
وكانت عضوة مجلس النواب عالية نصيف قالت إن "بعض اللجان النيابية سيتم فكُّ ارتباطها، منها لجنة النفط والطاقة والصحة والبيئة والعمل والهجرة وغيرها، لتكون كل لجنة على حدة، إضافة الى إلغاء بعض اللجان النيابية أو دمجها"، مشيرة إلى أن "لجنتي المصالحة الوطنية والعشائر سيتم دمجهما".
أما عن آلية توزيع النواب على اللجان من الفئتين (أ،ب)، كشف النائب محمد حسن عن "اتفاق تم بين الكتل على توزيع الأعضاء وفق آلية معينة، حيث يمكن للكتلة التي تضم أربعة نواب أن تقسم الى نائبين في لجان من الفئة (أ) ونائبين من لجان الفئة (ب)".
وأكد النائب عن دولة القانون لـ"ألترا عراق" أن "الجلسة المقبلة قد تشهد حسم ملف تشكيل اللجان البرلمانية لعدم وجود أمور شائكة قد تعرقل طرحها للتصويت"، مبينًا أن "سبب تأخير تشكيل اللجان هو عدم إكمال لجنة تعديلات النظام الداخلي للتعديلات المطلوبة".
لجان غير شرعية
وكان مجلس النواب قد صوّت في بدء الجلسة الثانية التي عقدها يوم الإثنين 28 شباط/فبراير 2022 على تسمية 25 لجنة نيابية دائمة مع تأجيل عرض النظام الداخلي لمجلس النواب للتصويت، الأمر الذي خلق جدلًا حول مدى قانونية القفز على التراتبية المتسلسلة التي يحددها النظام الداخلي للدورة السابقة.
قد يكون هناك خرق صريح للمادة 74 من النظام الداخلي والذي ينص على انتخاب رئيس اللجنة ونائبه والمقرر بعد ثلاث أيام من تشكيلها
وبحسب خبراء قانونيين، فأن الأولوية تكون للتصويت على النظام الداخلي أولًا ومن ثم عرض موضوعة تشكيل اللجان للتصويت، والذي يعني أن تصويت البرلمان على عدد اللجان والتعديل على مسمياتها ومهامها مطعون في شرعيته استنادًا إلى المادة 51 من الدستور.
مدير المرصد النيابي مزهر الساعدي يرى في حديث لـ"ألترا عراق" أن "هناك نصًا صريحًا في المادة 69 من النظام الداخلي يلزم بتشكيل اللجان بعد إقرار النظام الداخلي".
ويضيف: "إذا كان النظام الداخلي قد صوت عليه في دورات سابقة فعلى الدورة البرلمانية الحالية أن تصوت عليه نفسه أو تمضي بتعديلات معينة، أي أن التسلسل المنطقي هو أن يضع مجلس النواب نظامًا داخليًا لنفسه، فإذا أقر النظام الداخلي القديم فيجب أن يصوت عليه ومن ثم المضي بتشكيل اللجان".
ولكن القفز على هذه التراتبية التي يحددها النظام الداخلي قد تخلق إشكالات قانونية أخرى لناحية آلية توزيع رئاسات اللجان البرلمانية خصوصًا مع تقديم ملف تشكيل اللجان على ملف تشكيل الحكومة.
ويوضح مدير المرصد النيابي أن "العرف السياسي جرى على انتخاب رئيس اللجنة من كتلة تختلف عن كتلة الوزير المعني، وهنا من دون تشكيل حكومة فأنه سيمضى باختيار أكبر الأعضاء سنًا لرئاسة اللجنة"، وهو خرق صريح للمادة 74 من النظام الداخلي والذي ينص على انتخاب رئيس اللجنة ونائبه والمقرر بعد ثلاث أيام من تشكيلها.
التصويت على تغيير مسميات اللجان ومهامها يستلزم المضي بالتصويت على النظام الداخلي أولًا
ويتفق خبراء قانونيون مع وجهة النظر التي يطرحها الساعدي، إذ يقول الخبير القانوني جمال الأسدي إنه "لا توجد آثار قانونية على عدم التصويت على نظام داخلي جديد، لكن هناك آثارًا قانونية إنْ تمت مخالفة النصوص السابقة للنظام الداخلي قبل المضي على تعديلها بالتصويت في النظام الداخلي"، مؤكدًا في حديث لـ"ألترا عراق" أن "التصويت على تغيير مسميات اللجان ومهامها يستلزم المضي بالتصويت على النظام الداخلي أولًا".
الآليات الدستورية
بينما يرى خبراء آخرون أن الآليات الدستورية لا تلزم مجلس النواب بالتصويت على النظام الداخلي مع بداية كل دورة نيابية؛ بل تتيح تعديله وفقًا لآليات معينة.
ويرى الخبير القانوني حيان الخياط أن "النظام الداخلي لمجلس النواب سنة ٢٠٠٧، والذي خضع لتعديلين في 2016 و2018، ساري المفعول إلى يومنا هذا، ولا حاجة لإقرار نظام داخلي جديد مع كل دورة برلمانية".
ويشير الخياط في حديث لـ"ألترا عراق" إلى "إمكانية تعديل النظام الداخلي الموجود وفق الآلية التي رسمها النظام ذاته، وهي جواز إجراء تعديلات على النظام الداخلي بناء على اقتراح من هيئة الرئاسة، أو خمسين عضوًا من أعضاء المجلس وبموافقة أغلبية عدد الأعضاء".
وصوّت البرلمان في وقت سابق على تشكيل لجنة لتعديل مهام اللجان في النظام الداخلي برئاسة النائب الأول وعضوية كل من: النائب حسن الكعبي، النائب فالح الساري، والنائب محمد تميم.
اقرأ/ي أيضًا:
بلا اتفاق.. جلسة برلمانية "ساخنة" لتشكيل اللجان ومناقشة الدولار
علاء الركابي يرد على منتقدي التصويت لصالح الحلبوسي: ذهابنا للبرلمان ليس للنزهة