حملوا الفوانيس وهم يرتدون ما يسمى بـ"الكلابيات البيضاء". أطفال صغار من الموصل تجمعوا خارج المسجد النوري، خلال فعالية دعت إليها مؤسسة بيتنا للثقافة والفنون، بمناسبة شهر رمضان.
كان الأطفال فرحين يحملون الفوانيس قرب المسجد الذي دمر من قبل تنظيم "داعش"، هو والمئذنة التاريخية المجاورة الملقبة بالمنارة الحدباء، والتي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر.تحاول الموصل أن تستعيد صور الحياة التي تلاشت إثر اجتياح تنظيم "داعش" لها
صقر آل زكريا، وهو مؤسس "بيتنا"، يقول إنّ "لحظات الاحتفال الجميلة ستبقى راسخة في ذاكرة الأطفال وذاكرة المدينة، مشيرًا إلى أنّ "رمضان القادم ستحتفل الموصل فيه ببناء المنارة".
ويقول آل زكريا لـ"ألترا عراق": "هكذا نصنع الانتماء لدى الأطفال ونربط ذاكرتهم منذ الصغر برمز المدينة لكي يعرفوا عنها وينقلونها للأجيال القادمة كما فعل أجدادانا".
وتبدو المدينة ـ وفقًا لناشطيها ـ أكثر ابتهاجًا وهي تفسر قصة العنقاء التي تنهض من بين الركام في كل مرة، فالقادم إلى الموصل من الخارج وحتى السكان الذين يقيمون فيها سيرون ما صنعه الشباب بها من خلال حملاتهم.
الناشط المدني والشاب الموصلي الذي يروج لمدينته دومًا في الملتقيات والتجمعات سعد عامر، يقول إنّ "الموصل اعتمدت على الشباب ووعيهم في الكثير من أعمال إعادة الإعمار"، مضيفًا أنّ "للشباب في المدينة دور تقويمي كبير منذ تحريرها وحتى الآن، والشعور بالمواطنة والانتماء أصبح أكبر".
عادات لا تختفيويبدأ الزحام الشديد قبل آذان المغرب عند المحال التي تبيع العصير، في شارع سوق النبي بشرق الموصل، حيث تتزاحم الناس للحصول على كيس لعصير "التمر هندي" أو "الزبيب" الذي يزين مائدة رمضان في المنازل.
آخرون يتجمعون قرب محال بيع المخللات المنتشرة بمناطق عدة في الموصل، لشراء الخيار المخلل والثوم العجم والزيتون.
وما أن يرتفع الأذان من مساجد الموصل، حتى تخلو الشوارع من المارة، وكأن المدينة التي يقطنها زهاء 2 مليون نسمة قد دخلت بحظر للتجوال.
في الجانب الأيمن أو الغربي تقع حارة صغيرة تضم مقهى صمم بشكل تراثي مميز وضعت فيه طرابيش "بشوات المدينة" وصور لمشاهيرها وقطع تراثية، سمي الشارع بجادة المنقوشة.
لا تتوقف حركة الناس في الموصل، حيث يزدحم الناس على نهر دجلة قرب ما يعرف بقلعة باشطابيا الأثرية، حيث تم افتتاح متحف داخل منزل فخم فيه قطع نادرة وجلسات مميزة وعروض فنية وسينمائية أسبوعية مختلفة على حافة دجلة.
في ليل رمضان وقبل السحور بقليل ستسمع صوت "ريان الخالدي" لإيقاظ سكان الموصل على وجبة السحور في رمضان، مستخدمًا الدف والطبل، وبضربات متناسقة، في حي البكر شرق المدينة.
ويؤكد ريان الذي يرتدي جلابية تقليدية محلية، أنّ "عملهم كان ممنوعًا خلال سيطرة تنظيم داعش على الموصل، مستدركًا "لكن الآن أصبحت المدينة آمنة ومستقرة ونحن نعمل بكل أمل وحب لعودة الحياة إلى المدينة دون مقابل".
قبل استعادة القوات الأمنية للمدينة من تنظيم "داعش" الذي اجتاح العراق في العام 2014 وسيطر على ما يقارب ثلث مساحته، كانت غالبية التقاليد الرمضانية "بدعة" في شريعة المسلحين، كما أن الكثير من إرث الموصل دمر بدعوى البدعة.
ضيّق التنظيم الحياة على الناس، وزاد من تشدده خلال شهري رمضان في العامين 2015 و2016 قبيل بدء عمليات استعادة المدينة، حتى منع رفع الأذان وحد من حركة المواطنين، ما اضطر العديد من أصحاب المحلات والمطاعم إلى إغلاقها، وتوقف الاحتفالات الدينية وجلسات المديح النبوي.
لا يزال تقليد الحكواتي الذي يُسمع الناس القصص موجودًا في رمضان الموصل
في الجانب الشرقي تكثر المطاعم التي تغلق في النهار وتقتح في ساعات ما قبل المغرب، ويقول محمد، وهو عامل موصلي في أحد المطاعم، إن "الناس تفضل تناول الإفطار في المنازل سابقًا، مستدركًا "لكن حاليًا الكثير منهم يأخذ الطعام من المطعم ويذهب به إلى البيت ويأتينا للسهر ولعب الدومنة والطاولي وتناول الحلويات بعد الإفطار".
خسرت عائلات كثيرة منازلها ومصادر رزقها بفعل المعارك والضربات الجوية، ولهذا، تنشط منظمات إنسانية وخيرية لتوزيع المساعدات على الأهالي مع حلول شهر رمضان، لكن الأكثر شيوعًا، تنظيم خيرين لموائد إفطار جماعية في المنطقة القديمة المنكوبة، وهو تقليد كان سائدًا في المدينة منذ سنوات، وتوقف مع دخول "داعش" وتدهور الوضع الأمني، حيث تمتد الطاولة لأمتار وتوزع عليها صحون الطعام وكاسات العصائر الشهيرة في الموصل عند حلول الغروب.
في "حي باب لكش" ومناطق أخرى من المدينة القديمة، التي لا تزال بعض مبانيها واضح فيها دمار الحرب، تزداد التجماعات الرمضاينة في الموصل ويلفها الجمال، خصوصًا مع الحكواتي الذي عاد في بعض الجلسات لرواية القصص، رغم تطور أسلوب الحياة.
يشكو شباب الموصل من إهمال الحكومتين المحلية والاتحادية لوضع المحافظة العام
أمنية محمد وهي شابة موصلية أخذت حيزًا بين الرجال لسماع قصص الحكواتي، تقول إنّ "الوضع السابق لم يكن سهلًا فيه أن أجلس إلى جانب الرجال حتى قبل "داعش" لأسمع للحكواتي، أما الآن لأصبحت الموصل أكثر انفتاحًا وتطورًا وتمسكًا بالحياة والأمن والمساواة".
وأضافت محمد لـ"ألترا عراق"، أنّ "الظرف العام في الموصل جيد ووجود الحكواتي هنا مهم، فهو يذكرنا بإرث لا نريد أن نغادره، مستدركة "ولكن الدمار الذي نحاول محوه وحدنا، يبدو أن حكومتنا في الموصل والحكومة العراقية لا يوافقون الرأي في محوة بشكل كامل، وهم يتعاملون معنا ببطء حيث لا يوجد لدينا مطار حتى الآن وجسورنا مقطعة إلا القليل".
تستذكر محمد أن أحد جسور المدينة عمر قبل فترة بعد أن دمر بالحرب، مستدركة "لكن لم تعمر الشوارع التي تصل إليه، وتبين أنه قبل أيام أقدم مجموعة من الشباب على لعبة كرة القدم على الجسر لإيصال رسالة بأن الجسر سالم ولكنه مغلق بسبب بطء الإعمار الحكومي لعموم الموصل".