في خطوة جاءت مكملة للإجراءات التي أعلن عنها، بخصوص تنويع مصادر الغاز في العراق، أعلنت وزارة الكهرباء، في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وصول وفد حكومي برئاسة وزيرها زياد علي إلى تركمانستان لاستكمال إجراءات استيراد الغاز إلى العراق.
تحدث عضو في لجنة الطاقة عن سهولة استيراد الغاز من تركمانستان ورخصه وذلك على عكس الغاز الإيراني الصعب
وتحدث عضو لجنة الكهرباء والطاقة النيابية، النائب كامل عنيد العكيلي، عن أهمية الخطوة الجدية للعراق بالاتجاه نحو استيراد الغاز من تركمانستان، لتوليد محطات الكهرباء وسد الحاجة المحلية، مبينًا أنّ "الاستيراد سيكون مريحًا مقارنة بالمتعلقات والصعوبات باستيراد الغاز الإيراني".
وقال العكيلي في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "الفرق الأبرز بالتعاقد مع تركمانستان لاستيراد الغاز يتمثل بسهولة تسديد المستحقات المالية مقارنة بصعوبات تسديد إيران بالنظر للعقوبات الأمريكية المفروضة التي تمنع دفع أي مبالغ بالدولار"، مبينًا أنّ "الغاز التركمانستاني يمتاز بالكفاءة وهو بأسعار أقل بقليل من الغاز الإيراني وهذه نقطة إيجابية تحسب للعقد العراقي".
ومن ناحية الجودة، فإنّ العكيلي يصف الغاز التركمانستاني بـ"الممتاز ولا يقل عن الغاز الإيراني، لأن إيران تستورد منه أيضًا وهو يعمل في محطات الكهرباء بشكل جيد وليس فيه أية مشكلة"، مؤكدًا أنّ "المستورد من تركمانستان أيضًا يخضع لمعالجات، وبهذا فهو يمثل الخيار الأنسب للعراق ومحطاته الكهربائية".
وبحسب العكيلي، فإنّ "العراق سيستورد 10 مليارات متر مكعب سنويًا من غاز تركمانستان"، داعيًا إلى "ضرورة الإسراع بتنفيذ الاتفاق لسد الحاجة المحلية من الغاز والمباشرة بإدخاله للمنظومة التشغيلية للكهرباء".
بدوره، رأى الخبير في مجال الطاقة، بلال خليفة، أنّ الجدوى الاقتصادية لاستيراد الغاز من تركمانستان إلى العراق ستكون "فاشلة"، مؤكدًا أنّ "المشروع تكلفته كبيرة جدًا ومخطط له منذ سنوات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية".
وقال خليفة، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "70 % من الغاز المنتج في العراق هو غاز مصاحب وليس حرًا، ويبلغ إجمالي الإنتاج بحدود 2800 مقمق"، مشيرًا إلى أنّ "ما يتم استغلاله من الغاز العراقي لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية أو محطات توليد الطاقة بالحقول النفطية، هو بحدود 1500 مقمق فقط، أما المتبقي 1300 مقمق يتم حرقه للأسف".
ولدى العراق مشاريع الآن وفقًا لخليفة الذي كشف عن أبرزها، وهي "مع شركة توتل لاستثمار 300 مقمق غاز، وربما تصل إلى 600 مقمق، فضلًا عن استثمارات في حقلي عكاز والمنصورية"، مبينًا أنّ "الغاز الإيراني المصدر للعراق يصل في أقصى حالاته إلى 1200 مقمق، وبالتالي فاستغلال المحروق من الغاز العراقي والذي يبلغ 1300 مقمق سيجعل البلاد بغنى عن الاستيراد من أي جهة كانت".
ويبلغ العجز في الطاقة الكهربائية لدى العراق ـ بحسب خليفة ـ "بحدود 13 ألف ميكاواط وكل 4 ميكاواط يحتاج توليدها بين 2500 إلى 3000 مقمق، وهذا يعني أنه حتى لو لم نحرق أي شي من الغاز المحلي المنتج مع استيراد 1200 مقمق غاز إيراني، فلن تكفي جميعها لسد العجز بتوليد الطاقة"، موضحًا أنّ "الحكومة بحثت عن بدائل للغاز الإيراني فوجدت القطري والتركمانستاني".
وقال خليفة إنّ "الغاز يستورد أما عن طريق الأنابيب وهي مكلفة جدًا، أو عن طريق التسييل التي يطلق عليها المليون وحدة حرارية MMBTW بسعر 6 دولارات للواحدة، بينما سعر الغاز القطري يصل 27 دولار للمليون وحدة حرارية، وهذه الأسعار قبل الحرب الروسية - الأوكرانية والآن قد ازدادت بشكل أكبر".
وأشار إلى أنّ "العراق من الأفضل له الاستيراد عبر الأنابيب، لأن المسال لن ينفعه من حيث الأسعار، وبالنسبة لقطر فهي تحلم بمد أنبوب إلى العراق كي يصل غازها إلى أوروبا وهو ضمن المخطط الأوروبي والأمريكي لإيجاد بديل للغاز الروسي بالقطري".
واعتبر أنّ "أنبوب الغاز التركمانستاني إلى العراق أيضًا يمثل مشروعًا قديمًا خططت له أوروبا وأمريكا لأنه سيمر بعدة بلدان، وكلها ستستفيد من أجور الترانزيت، وكلفة مد الأنبوب بآلاف الكيلومترات سيكلف البلد الذي يقع على عاتقه تنفيذه سواء العراق أو تركمانستان، ما يسؤدي بالنتيجة إلى وصول الغاز للعراق بسعر مضاعف، حيث كلما طالت المسافة سيزداد السعر".
وأوضح أنه "إذا كان العراق يستورد المليون وحدة حرارية من إيران بسعر 8 دولارات فستصل إلى 10 أو 15 دولارًا، وحتى الاتجاه للغاز القطري سيكون بسعر أكبر لأن الأنبوب سيكون بحريًا وليس بريًا، وهو بكلفة عالية جدًا، ولهذا فالجدوى الاقتصادية من الأنبوب التركمانستاني فاشلة، لعدة أسباب أبرزها المسافة والترانزيت وغيرها مما قد يطرأ في أي وقت".
رأى مختصون أن استغلال المحروق من الغاز العراقي والذي يبلغ 1300 مقمق سيجعل البلاد بغنى عن الاستيراد من أي جهة كانت
وفي الأثناء، اعتبر الخبير النفطي، نبيل المرسومي، أنّ العراق يبدو قد اختار تركمانستان كمنفذ ثاني للحصول على الغاز الطبيعي بدلًا عن قطر.
وقال المرسومي في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "العراق أمام طريقين لإيصال الغاز التركمانستاني، أولهما عبر بحر قزوين ثم أذربيجان وتركيا وصولًا إلى العراق بمد أنبوب بطول 1559 كيلومتر، وهذا يمثل عملية مكلفة بحاجة إلى تفاهمات مع الدول المذكورة، خصوصًا عبر المناطق التي يمر بها هذا الأنبوب، وعدم تعرضه للهجوم من قبل جماعات حزب العمال، أما الثاني وهو الأسهل يكون عبر إيران حيث من المؤمل حجم الغاز التركمانستاني الذي سيصل العراق يقدر بحدود 10 مليار متر مكعب سنويًا، أي بحدود 30 مليون متر مكعب يوميًا، حيث يسلم في شمال إيران وتقوم السلطات الإيرانية بتسليمه للعراق".
وقال إنّ "الطريق الإيراني لا يعني لعب الإيرانيين هنا لدور الوسيط أو المقايضة، بل سيشترون الغاز التركمانستاني ويعيدون بيعه للعراق أو يضيفون رسومًا مقابل النقل"، معتبرًا أنّ "الموضوع حساس بما يخص الطريق الثاني وأيضًا لا يمكن اعتبار الغاز التركمانستاني فيه بديلًا عن الإيراني، لأن ايران ستستمر بتصدير غازها الطبيعي إلى العراق بل سيضاف لتعزيز الاحتياج".
وبحسب المرسومي، فإنّ "قدوم غاز تركمانستان للعراق عبر إيران سيكون ضمن العقوبات الأمريكية على طهران، وبالتالي سيعطي مزايا مالية لإيران جراء خط الأنبوب هذا، وبالتالي سيتعرض للرفض الأمريكي"، مؤكدًا "حاجة العراق للتفاهم مع الجانب الأمريكي أولًا قبل الإقدام على الخوض بتفاصيل هذا الطريق".
بدأ العراق باختيار تركمانستان كمنفذ ثاني للحصول على الغاز الطبيعي بدلًا عن قطر
وعدّ الباحث في مجال الطاقة، مرتضى العزاوي، الغاز الإيراني هو "الأرخص والأكثر اعتمادية بالنسبة للعراق بالمقارنة مع كل مصادر الاستيراد الأخرى، مبينًا أنّ "توجه العراق نحو الاستيراد من تركمانستان لم يأت بفعل دراسة جدوى، بل بالإجبار نتيجة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وصعوبة تحويل الأموال".
وقال العزاوي، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "إيران قامت بقطع تصدير الغاز للعراق لأنها لا تحصل على مستحقاتها المالية، وهذا يسبب معرقلات كثيرة في محطات الكهرباء العراقية ولهذا تم اللجوء لتركمانستان"، مؤكدًا أنّ "الغاز التركمانستاني سيأتي عبر الأراضي الإيرانية وسيدخل منظومتها وخطوطها، ثم يتم تحويله للعراق، وسيكون بسعر أغلى من الإيراني لأن كلفة نقله أكبر وسيتحملها الجانب العراقي".
وأشار إلى أنّ "محافظات شرق إيران من الأساس تستورد الغاز من تركمانستان بفصل الشتاء، وهو ما يعني أن العراق سيشتري الغاز التركمانستاني عبر الأنابيب الإيرانية وبالمقابل سيدفع لتركمانستان مستحقات تصدير الغاز لصالح إيران أو مستحقات تجارتها بشكل عام".