حين ارتجفتا جوعًا وخوفًا، كان جيبا البنطال الجينز، بقماشه القاسي والمشدود، ملاذًا للتفادي، فغرزتهما هناك، كممتُ أصابعي، وقلت ليكن الجيب لجامًا، ولتنم الجيادُ في الإسطبل يوماً آخر أو إلى الأبد. لكن شفتيك في وجهك، أسفل عينيك ببوصتين فقط، لا يمكن تفاديهما، ولا تفادي الضحكة حين ينفتحان وينغلقان كيدٍ تأمرني بالقدوم.
كانت قوة الجذب تنتزع الدم، فاتعرقه، امسحه بمناديل بيضاء فلا أراه، وأنظر بكاميرا المحمول إلى جبيني فأرى المسيح نازفًا دون طوق شوك، وراحتي يديَّ نازفتين دون مسامير، فأمنح الصدَّ خدي الأيسر، وانتظر حكم بيلاطس عليَّ حين أصل البيت.
في البيت حاربت فكرة الفراشة التي تشبهك، الفراشة السوداء المذهبة، الفراشة التي إن مرت في حلم يركع الزمن تحت رفِّ أجنحتها، فتتغير عصور بين كل صعود ونزول لأجنحتها، ويمكن للحالم أن يرى الحبر الأسود يتطاير، يكتب سيرتها القصيرة في الهواء المتمدد، ويراوغ حبات الغبار العائمة. حاربت الفكرة بذاتها، وحفظت السواد على الذهب، ألا أتجاوز ذلك الخط، حيث يصبح الأمس فيه منقوشًا بما تهيَّأ للزوال.
لكنَّها.. ثم أقول اصمتْ، لكنَّ شاماتها.. وأصفع المخيلة عسى تنقلب، وتستحضر أي مطمور غير ذلك. لكنَّ شاماتها خارطةٌ فلكية، رأيتُ فيها برجَ الجدي وقرأت طالعي، وكانت تخرج من الطالع ملفوفة بمنشفة كحلية، تسقطها حين تتعثر بعتبة الغرفة، وآن ذلك يكور ثدياها كل شيء حولي، تذوب الزوايا في أطراف غرفتي، وتتقوس أذرع المروحة، وأطلق مثل ذئب كوّر الجوع ظهره عواءً يفطر سطح القمر، يطفئ القمر، حينها فقط تضيء شاماتها على برجي، ويتعمد طالعي بما يقطر من جسدها على جسدي بعد سقوط المنشفة.
أنام.. ثمَّ قدمان ناعمتان على صدري، ربلتا الساقين تكادا تنفلتان، وفخذان حلزونيان يصعدان ولا ينتهيان، لم تكن نظارتي الطبية في رأسي، أنا نائم، ونصف الرؤية هذه تصيبني بالدوار.
أفتح النافذة صباحًا، برد هامس يقرص كتفيَّ المتكورين حديثًا بفعل الرياضة، لا شيء يبدو غريبًا هذا الصباح، لكنني خائف، وقلبي ينبئني أن أمرًا ما قد حدث، أغسل أمام مرآة الحمام وجهي، وأجد البيتَ، كل البيت، منقوشًا بما تهيأ للزوال.. هذا ليس عدلاً يا إلهي.
اقرأ/ي أيضًا: