ألترا عراق ـ فريق التحرير
لا تقتصر تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على المناطق الواقعة شرق أوروبا بل ستمتد آثارها سياسيًا واقتصاديًا "بأثر أكبر" إلى معظم دول العالم، فضلًا عن وجود عدّة عناصر في هاتين الدولتين تجعل الحرب مؤثرة نوعًا ما في العراق بشكل مباشر.
يرى خبراء اقتصاديون أنّ العقوبات ستؤدي لحرمان أوروبا من 4 ملايين برميل نفط خام ومنتجاته يوميًا
وتتمثّل هذه العناصر بما يحتاج العراق استيراده من مواد تعتبر هاتين الدولتين الأكثر تصديرًا لها، فضلًا عما يمتلكه العراق من مواد من الممكن أن يقوم بتصديرها لسد النقص المحتمل في السوق العالمي من المعروض الروسي أو الأوكراني.
اقرأ/ي أيضًا: بوتين يبدأ الحرب الأوكرانية وبايدن يندد
وبينما تتمتع روسيا وأوكرانيا بقدرة إنتاجية وتصديرية لقائمة طويلة من منتجات الطاقة والغذاء والمعادن، إلا أنّ ما يهم العراق بشكل مباشر هو التراجع المحتمل لإمدادات الحنطة والغاز والنفط.
ومن المتوقع أن تفرض عقوبات اقتصادية واسعة على روسيا جرّاء دخولها إلى أوكرانيا، ووفقًا لهذه العقوبات يشير خبير الطاقة والباحث الاقتصادي بلال خليفة في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أنّ "العقوبات ستؤدي لحرمان أوروبا من 4 ملايين برميل نفط خام ومنتجاته يوميًا، وحرمانها أيضًا من 104 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا وهو تقريبًا ثلث احتياج أوروبا من الغاز، فضلًا عن حرمان العالم من 100 مليون طن قمح وهو ما يعادل نحو 13% من احتياج العالم".
أسعار الخبز والدواجن واللحوم قد ترتفع في العراق
في عام 2019 كان 25% من القمح المصدر عالميًا مصدره كل من روسيا وأوكرانيا، وتحتل روسيا المركز الثالث عالميًا بإنتاج الحنطة فيما تحتل أوكرانيا المركز الثامن، ومعظم إمدادات الحنطة في بعض دول الشرق الأوسط تأتي من روسيا وأوكرانيا.
هذه المعطيات تتزامن مع قرب انتهاء مخزون القمح في العراق وانتظار الموسم التسويقي الجديد الذي ينطلق في شهر نيسان/أبريل من كل عام، وشهد الموسم الجاري عجزًا بنحو نصف مليون طن من الحنطة بسبب تراجع الإنتاج بفعل شح المياه والأمطار خلال الموسم المنصرم.
وخفض العراق المساحات المزروعة ضمن الخطة الشتوية الحالية بـ50%، ما يعني أن المساحة التي تم توفير المياه لها تبلغ 2.5 مليون دونم فقط، وقد لا ينتج العراق منها سوى مليوني طن أو أقل من الحنطة، إذ يشير هذا إلى احتياجه لاستيراد 2.5 مليون طن حيث يستهلك العراق 4.5 مليون طن من الحنطة سنويًا.
وما زالت آثار الأمطار والسيول التي شهدها العراق في الأشهر الماضية غير واضحة، وما إذا كانت الأمطار سترفع إنتاج الحنطة في المساحات "الديمية" وهي التي تزرع دون توفير المياه لها وتبقى رهينة سقوط الأمطار، ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج مليون طن إضافي من الزراعة الديمية، لينتج العراق هذا الموسم نحو 3 ملايين طن فقط، ليبقى بحاجة لاستيراد 1.5 مليون طن إضافي.
وبفعل الحرب بين روسيا وأوكرانيا من المتوقع أن يشهد العالم أزمة قمح كبيرة، بفعل تعطل الإمدادات أو تأثر روسيا بعقوبات أمريكية أوروبية تمنعها من تصدير القمح، وبالفعل ارتفعت أسعار القمح لأعلى مستوى منذ 9 سنوات.
ارتفاع أسعار القمح سيجعل العراق مضطرًا للضغط على ميزانيته القادمة لتوفير الأموال الكافية لاستيراد القمح، فضلًا عن ذلك، فإنّ ارتفاع الأسعار سيطال الخبز والصمون في المخابز والأفران نتيجة اعتمادها على الطحين المستورد، بل وقد يمتد هذا الارتفاع ليشمل جميع المواد التي يحتاج العراق لاستيرادها من قبيل الذرة والصويا كأعلاف للدواجن والحيوانات، ما سيؤدي لارتفاع أسعار الدواجن في الأسواق العراقية أيضًا.
ضغط عالمي على الغاز.. كهرباء العراق في خطر
من المعروف أن العراق لديه عجز يصل لأكثر لنحو 60% بين إنتاجه الغازي وبين حاجته الاستهلاكية، حيث يستثمر العراق 1500 مقمق يوميًا من الغاز لتشغيل محطاته الكهربائية، فيما يستورد من إيران 1700 مقمق يوميًا، وتم تخفيضها بشكل كبير خلال الأشهر الماضية.
وبينما بدأت أسعار الغاز في أوروبا بالارتفاع بالفعل بنسبة 41% مع بدء الحرب، من المتوقع أن يتزايد الطلب على الغاز من مصادر أخرى، ما قد يؤدي لارتفاع الأسعار عالميًا بسبب زيادة الطلب، وقد تقوم إيران بتصدير الغاز إلى أوروبا لتعويض النقص الروسي، وفقًا لخبراء في الاقتصاد أكدوا أن إيران إذا استمرت بالتصدير إلى العراق، فإنّ الأسعار ستكون مضاعفة، وبالتالي المزيد من الضغط على الموازنة العراقية القادمة، وفي حال لم يتمكن العراق من توفير الغاز فهذا يعني أن التجهيز الكهربائي خلال الصيف القادم سيكون في أسوأ حالاته، حيث أنّ إنتاج العراق من الكهرباء حاليًا تبلغ 14 ألف ميغا واط فقط، في الوقت الذي يحتاج لأكثر من 22 ألف ميغا واط لجعل التجهيز متوسط، فيما تقدر الحاجة الحقيقية في العراق نحو 35 ألف ميغا واط، بحسب وزارة الكهرباء العراقية.
النفط.. هل يستفيد العراق؟
يعد النفط هو المادة الوحيدة التي من المتوقع أن تتأثر إمداداتها عالميًا بفعل الحرب ولا يمتلك العراق عجزًا بها، الأمر الذي يطرح تساؤلات عما إذا كان العراق سيستفيد على الأقل بتعويض النقص الحاصل في الإمدادات النفطية المحتملة عالميًا عبر رفع إنتاجه.
إذا رفع العراق إنتاجه النفطي بـ300 ألف برميل يوميًا وتصديرها وفق الأسعار الحالية فهذا يعني حصوله على نحو 27 مليون دولار يوميًا
ويقول خبير الطاقة بلال خليفة في حديث لـ"ألترا عراق"، إنه "في حال فرض العقوبات على روسيا فإنّ نقص الإمدادات سيكون بنحو 4 مليون برميل نفط يوميًا، وهذا يمكن أن يحل عبر الضغط على أوبك وغيرها بزيادة الإنتاج الحالي لتعويض حصة روسيا، إلا أنه سيكون سلبيًا على أوروبا بكل الأحوال، معللًا ذلك لأن "النفط القادم لأوروبا من أي جزء من العالم عدا روسيا سيكون مكلفًا بشكل أكبر بسبب النقل ولأن أوروبا تأخذ النفط الروسي عبر أنابيب".
اقرأ/ي أيضًا: الخارجية توجه باتخاذ الإجراءات الممكنة لحماية الجالية العراقية في أوكرانيا
وفي حال رفعت أوبك إنتاجها النفطي بواقع 3 ملايين برميل يوميًا على الأقل لسد النقص من النفط الروسي، فمن المحتمل أن تكون حصة العراق قرابة 300 ألف برميل يوميًا، وهو ارتفاع كبير في الإنتاج، حيث أن حصة العراق الحالية من رفع الإنتاج تعادل 10% من الإنتاج الكلي لدول "أوبك+"، ففي الوقت الذي ترفع أوبك+ إنتاجها حاليًا بـ400 ألف برميل يوميًا، تبلغ حصة العراق قرابة 44 ألف برميل يوميًا.
ووفق الأسعار الحالية، فإنّ رفع العراق إنتاجه بـ300 ألف برميل يوميًا وتصديرها يعني حصوله على نحو 27 مليون دولار يوميًا، أو قرابة مليار دولار شهريًا.
اقرأ/ي أيضًا:
مستذكرين عواقب الحروب والاستبداد: تفاعل عراقي مع الحرب الروسية - الأوكرانية
الخطوط الجوية: عدد العراقيين في أوكرانيا مجهول ولم نتلق طلبًا للإجلاء