ألترا عراق ـ فريق التحرير
مصيرُ مجهول وغامض مثل "ظرف اختطافهم" ينتظر نشطاء الاحتجاجات الذين غيبوا قسرًا في السنوات الثلاث الماضية، ومنذ لحظة تغييبهم، لا يعرف ذويهم معالمًا واضحة لطبيعة اختفائهم ومكانهم، إن سجنوا أو اختطفوا أو اختفوا إلى الأبد، ولكونهم لا يعولون على دور الأجهزة الأمنية في كشف مصير أبنائهم التي وعدت بالتحقيق والمتابعة دونما تنفيذ، يتفقون على أن الجهة المختطفة غير حكومية ويعلقون عليها آمالهم بالأفراج عنهم.
لا يعرف ذوو النشطاء معالمًا واضحة لطبيعة اختفاء أولادهم إن سجنوا أو اختفوا إلى الأبد فيما لا يعولون بالوقت نفسه على الأجهزة الأمنية
لم تتبنَ أي جهة حتى الآن مسؤولية اختفاء ثلاثة من أبرز النشطاء "جلال الشحماني، واعي المنصوري، فرج البدري"، الذين عرف عن مساهمتهم وقيادتهم للتظاهرات والوقفات الاحتجاجية، اختفى هؤلاء في ظروف غامضة، ويتفق أفراد أسرهم بحسب شهادات لـ"الترا عراق" أن "سبب اختطافهم كان انتقامًا لنشاطاتهم ودعواتهم وتنظيمهم للتظاهرات التي شهدها العراق في أوقات مختلفة طيلة السنوات الماضية".
اقرأ/ي أيضًا: اختطاف في بغداد..صحفية تدفع ثمن "استهتار السلاح"
ووفقًا لمصدر حقوقي من البصرة، فأن حالات الاختفاء لم تقتصر على النشطاء الثلاث، مبينًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "اثنين من نشطاء التظاهرات في البصرة اختفوا العام الماضي كما اختفى ناشط آخر من ذي قار، ولم تعرف أسرهم أي معلومات عنهم حتى الآن".
ويقول المصدر الحقوقي مشترطا إخفاء هويته لأسباب أمنية، إن "عوائل النشطاء جميعهم يعلمون بهوية الجهة المختطفة لأبنائهم "فصيل مسلح متنفذ"، لكنهم لا يجرؤون الإفصاح عن اسمه، كما لا يستطيعون حتى إبلاغ الشرطة، مبينًا أنهم "يفضلون عدم الإفصاح بالمعلومات في أمل عودة مفقودهم على أن يٌقتل أو يغّيب إلى الأبد".
جلال الشحماني
عرف عن الشحماني نشاطه الاحتجاجي، وهو أحد وجوه تظاهرات صيف 2015 في بغداد، المطالبة بمحاسبة الفاسدين وتحسين الخدمات، وفي 22 سبتمبر/أيلول 2015، شاع نبأ اختفاءه، بعدما حاصره ملثمون بسيارتي دفع رباعي يرتدون زيًا عسكريًا بمنطقة الوزيرية شمالي العاصمة، واقتادوه إلى جهة مجهولة، ولم يحصل ذويه بعد إبلاغهم الشرطة حتى اللحظة على أية معلومات تقود إلى مكانه أو الجهة المختطفة.
فرج البدري
أحد منسقي تظاهرات محافظة ذي قار، يعمل معلمًا، فيما شارك في غالبية التظاهرات التي شهدتها المحافظة منذ العام 2014، اختفى البدري في ظروف غامضة في أيار/مايو 2018، خلال توجهه إلى المدرسة في قضاء سوق الشيوح جنوبي المحافظة. فتحت الأجهزة الامنية تحقيقًا وأجرت عمليات بحث عنه ولم تتوصل إلى أي نتيجة، وبعد تحرٍ لذوي البدري عرفوا أنه محتجز لدى جهة غير حكومية، ويقول أحد أقرباءه لـ"ألترا عراق"، إن "أسرته تواصلت مع الجهة، وتتحفظ على ذكر اسمها"، ويشير طالبًا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن "الجهة وعدت بإطلاق سراحه في وقت آخر، ومنذ ثلاثة أشهر لا زالوا ينتظرون الإفراج عنه".
واعي المنصوري
محامي وصحفي ورئيس المركز الاستشاري لحقوق الإنسان، ومن دعاة التظاهرات ومنظميها، عرف عن نشاطه الاحتجاجي متنقلًا بين بابل وبغداد. اختفى المنصوري في أواخر أيلول/سبتمبر 2015، بالتزامن مع موجة الاحتجاجات في محافظة بابل، بينما يعتقد أفراد أسرته أنه محتجز لدى جهة أمنية "غير معروفة"، ولم يحصلوا على أية معلومات عن مكان احتجازه أو ظروفه حتى اللحظة.
ومنذ بدء موجة احتجاجات 31 يوليو/تموز 2015 التي انطلقت في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب والتي حملت شعارات تطالب بإصلاح النظام السياسي وتحسين الخدمات وضرب الفساد، جرى اختطاف العشرات من النشطاء وقادة التظاهرات، على يد جهات مجهولة، لتطلق سراحهم لاحقًا دون أي كشف لهويتهم، بينما تكتفي الأجهزة الأمنية بوعود لمعرفة الجناة ومحاسبتهم.
"خطف وترويع وتهديد"
في 8 أيار/مايو 2017 اختطفت مجموعة مسلحة تستقل سيارات دفع رباعي مضللة الزجاج، 7 نشطاء شباب من منطقة البتاوين وسط بغداد، واقتادتهم إلى جهة مجهولة، ليفرج عنهم بعد يومين دون تحديد هوية الجهة الخاطفة أو من يقف ورائها، خاصة وإن إعلان تحريرهم جاء على لسان مستشار وزير الداخلية حينها وهاب الطائي، حيث قال إن "فريقًا خاصًا أمن عملية تحريرهم".
النشطاء السبعة كانوا طلاب من محافظات الجنوب، وعرف عنهم مشاركتهم بأغلب التظاهرات التي تنطق في ساحة التحرير، فيما ذكروا في مؤتمر صحفي عقب الإفراج عنهم أنهم تعرضوا إلى التعذيب الجسدي والإهانة، فضلًا عن التحقيق والاستجواب عن دورهم في التظاهرات، بينما طٌلب منهم الكف عن أي نشاط احتجاجي.
في 27 كانون الأول/ يناير 2016، أقدم مسلحون مجهولون يرتدون زيًا عسكريًا على اختطاف الصحفية أفراح شوقي تحت تهديد السلاح في منطقة السيدية جنوبي بغداد، اقتحموا منزلها واقتادوها إلى جهة مجهولة، بعد سرقة سيارتها ومقتنياتها، وعقب مرور 9 أيام على اختفائها افرج عنها، وظهرت مرتدية الحجاب ليس كعادتها، في عدة لقاءات تلفزيونية بعد الحادثة، وقالت إن الجهة حققت معها بطريقة "مخيفة" ، ولم تفصح عن أية معلومات تدلل على هوية الجهة الخاطفة.
ويُعرف عن شوقي نشاطها الاحتجاجي، ونقدها اللاذع إلى الحكومة في صفحتها على "فيسبوك"، وقبل يوم من اختطافها، نشرت شوقي في موقع "أقلام الإلكتروني، مقالًا عبرت فيه عن سخطها من أن المجموعات المسلحة تتحرك بحرية وتفلت من العقاب، وقالت إذا "أرادت الدولة أن تحفظ نفسها من التراجع، عليها محاسبة كل من يستخدم السلاح في غير مكانه وبلا وجه قانوني"، في إشارة ضمنية إلى فصائل الحشد الشعبي.
ومنذ انطلاق تظاهرات 2015 تعرض عشرات النشطاء والمدونين من بغداد والبصرة وذي قار وبابل إلى تهديدات بالتصفية والقتل من "جهات مجهولة"، عبر رسائل إلى هواتفهم وصفحات فيسبوك، حذرت هذه الرسائل من دعوات النشطاء إلى التظاهر وطالبتهم بالابتعاد عن التظاهرات أو قيادتها أو الكتابة عنها.
ويقول أحد المدونين الذين تلقوا تهديدات إنه تلقى في أكثر من مناسبة احتجاجية هو وزملاء رسائل بالتصفية إذا لم يكفوا عن الكتابة المؤيدة للتظاهرات، مشيرًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، مشترطًا إخفاء هويته لأسباب أمنية، أن "محتوى الرسالة الذي تلقاه مع زملاءه كان مشابهًا؛ اخبرتنا الرسالة أنهم يستطيعون الوصول إلينا ولديهم كل المعلومات عنا".
الأمم المتحدة: هناك كيانات مجهولة تعتدي على المتظاهرين والصحافيين وتضايقهم وتهددهم بالموت وتعمل على ترويعهم
وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" قد حذرت في 30 آب/أغسطس 2015، من وجود "كيانات مجهولة تعتدي على المتظاهرين والصحافيين وتضايقهم وتهددهم بالموت وتعمل على ترويعهم"، ودعا ممثل البعثة يان كوبيش قوات الأمن العراقية إلى أن تتصدى لتلك الكيانات المجهولة وفق القانون.
اقرأ/ي أيضًا: استمرار اغتيال الناشطين في البصرة.. خوف السلطة من تقصيرها
وعلى إثر النشاطات الاحتجاجية التي شهدتها بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، اغتيل عشرات النشطاء ورجال دين ساهموا بالحراك وقادة تظاهرات في ظروف غامضة أيضًا، فضلا عن نجاة أخرين من محاولات اغتيال في بغداد والبصرة وصلاح الدين، ، فيما لم تكشف الجهات الأمنية عن نتائج تحقيقاتها حول عمليات الاغتيال تلك.
وفي أوج تظاهرات البصرة، اغتال مسلحون مجهلون في أيلول/ سبتمبر 2018 أبرز نشطاء ومنظمي التظاهرات الشيخ وسام الغراوي، أمام منزله وسط المحافظة، وبعد أسبوع اغتيلت الناشطة الحقوقية المؤيدة للتظاهرات سعاد العلي بإطلاق نار وسط المدينة.
كما اغتيل الروائي العراقي علاء مشذوب الذي عرف بمشاركته في تظاهرات كربلاء. قتله مجهولون خلال عودته الى منزله وسط محافظة البصرة، بتوجيههم 13 رصاصة إلى صدره، بعد أيام من كتابته منشورًا على صفحته تطرق فيه إلى حياة زعيم الثورة الإيرانية، روح الله الخميني وبقاءه في العراق لـ"ثلاثة عشر عامًا".
ولم يتوقف مسلسل الاغتيالات عند حد النشطاء إبان موجة الاحتجاجات، إذ لقيت خبيرتا التجميل رشا الحسن ورفيف الياسري، حتفهما في ظروف غامضة، في بغداد، وكعادتها فتحت وزارة الداخلية تحقيقا لمعرفة هوية الجناة، ولم تعلن أية تفاصيل عن عمليتا الاغتيال.
اتهامات لفصائل الحشد
اتهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي فصائل في الحشد الشعبي "لم يسم فصيلًا بعينه"، بتنفيذ عمليات اختطاف في بغداد، وقال بمؤتمر صحفي في 17أيار/مايو 2018، "كشفنا الكثير من خلايا الخطف، وبعض ممن نقبض عليه له علاقة بالفصيل الفلاني، والفصيل يتبرأ منه، مبينًا "نحتاج للكثير من البحث في هذا الإطار لأن هؤلاء مجرمون يقومون بعمليات خطف إجرامية".
كما وجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اتهامًا "صريحًا" لفصائل في الحشد الشعبي بالوقوف وراء اختطاف النشطاء السبعة، وطالب في بيان لمكتبه بحماية النشطاء والمدنيين من إرهاب "المليشيات الوقحة"، في إشارة إلى فصائل مسلحة يتصدرها فصيل عصائب أهل الحق المنشق عن تيار الصدر.
في وقت سابق وجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اتهامًا صريحًا لفصائل الحشد الشعبي بالوقوف وراء اختطاف النشطاء واصفًا إياهم بـ"الميليشات الوقحة"
ويحمل مسؤولون حاليون وسابقون ونشطاء، فصائل الحشد الشعبي مسؤولية اختفاء النشطاء الثلاث، كما ويتهمونها بالوقوف وراء سلسلة الاغتيالات التي تعرض لها منسقي وقادة الاحتجاجات طوال السنوات الماضية.
اقرأ/ي أيضًا: