في الوقت الذي كانت تنشط فيه جماعة تنظيم "القاعدة" في الموصل، بدأت تختفي سجلات الأراضي والتي تعتبر بعضها مميزة وثمينة نظرًا لمركزية الموصل وموقعها في محافظة نينوى.
استمر موضوع اختفاء سجلات الأراضي وتوسع لاختفاء أضابير كبرى ولا يزال شبح اختفاء السجلات باقيًا حتى بعد طرد تنظيم "داعش" من الموصل ومحيطها
في حينها كان الكثير يعلم أن تنظيم القاعدة هو المسؤول عن اختفاء تلك السجلات في محاولة منه للسيطرة على الأراضي في نينوى، وكان محافظ نينوى أثيل النجيفي، يقول إنه يسعى لمنع ذلك الأمر، إلا أن سلطة القاعدة كانت أقوى منه، وفق مصادر مسؤولة.
وبعد تلاشي تنظيم القاعدة وظهور الجيل الثاني للجماعات الإرهابية المتمثلة بتنظيم الدولة "داعش"، استمر موضوع اختفاء تلك السجالات وتوسع لاختفاء أضابير كبرى، ولا يزال شبح اختفاء السجلات باقيًا حتى بعد طرد تنظيم "داعش" من الموصل ومحيطها.
اقرأ/ي أيضًا: التهريب والأتاوات في الموصل..هل هو الانهيار مجددًا؟
يقول مسؤول في نينوى فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن "ملف الاختفاء لم يتوقف منذ سيطرة القاعدة وبعدها "داعش"، وحتى بعد التحرير، مبينًا "كان حينها النجيفي محافظًا قبل نوفل العاكوب، حيث سعى الأول فعليًا لوقف عملية الاختفاء والسيطرة على الأراضي بالأمر الواقع، مستدركًا "لكنه لم يستطع المقاومة حينها بسبب سلطة القاعدة و"داعش" التي كانت تفوق سلطة الدولة".
أضاف المسؤول الحكومي في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنه "بعد التحرير تم اكتشاف أضابير وليست فقط سجلات قد اختفت، لكنها استمرت ولم تتوقف بعد التحرير، فيما سجلت لدينا جهات، أن بعض الأضابير تختفي للالتحاق بـ"الحشود الشعبية"، وتسيطر على تلك الأراضي، مبينًا أن "هناك عملية بناء في أحياء مثل الشرطة والبكر بالموصل، بشكل متجاوز لأقارب مسؤولين من بينهم أقارب للعاكوب نفسه، وعندما راجعنا دائرة التسجيل العقاري وجدنا أن سجلات وأضابير تلك الأراضي غير موجودة أيضًا".
تابع أن "اختفاء تلك الأضابير والسجلات يبيح استخدام الأراضي وبعضها أراضي دولة أو أراضي مواطنين في أحياء راقية، من قبل أناس وصفهم بـ"المشبوهين".
"ألترا عراق"، حاول الحصول على تعقيب من دائرة التسجيل العقاري في الموصل لكنه لم يتلق إجابة، خصوصًا وإن القضاء العراقي أصدر أوامره بحق مدير تسجيل الجانب الأيسر العقاري فرحان حسن وتم اعتقاله، بعد أيام معدودة من الإطاحة بنوفل العاكوب في مجلس النواب العراقي بداية الأسبوع الجاري.
وتنقسم الموصل إلى جانبين في كل جانب توجد عشرات الأحياء ففي الجانب الغربي يوجد نحو 43 حيًا، وفي الجانب الشرقي يوجد نحو 94 حيًا، ويوجد في الموصل أكثر من 664.221 شخص حسب تعداد محلي أجري في 2015 من أصل أكثر من مليوني شخص يسكنون عموم محافظة نينوى وهي تعد ثاني أكبر محافظات العراق من حيث تعداد السكان تليها محافظة البصرة، وتسبقهما محافظة بغداد العاصمة.
مرحلة "داعش"
استولى تنظيم "داعش"، على كل مقدرات نينوى خلال سيطرته من حزيران/ يونيو 2014 حتى صيف تموز/يوليو 2017، من أراضي وممتلكات ومدن ومنشآت حيوية.
يقول موظف في دائرة التسجيل العقاري هو الآخر رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته، إن "تنظيم القاعدة كان يستهدف موظفي التسجيل العقاري، وقتل مديرة التسجيل في 2011 وقبلها قتل تنظيم القاعدة المدير الذي سبقها، ما دفع لإغلاق دائرة التسجيل بعد سيل التهديدات، موضحًا "كان حينها هناك الكثير من المفقودات لآلاف السجلات، مستدركًا "ولكن تم تصوير نسخ مما تبقى وتم إرساله لوزارة العدل العراقية، وعندما سيطر تنظيم "داعش" على الموصل في 2014 أصبح يتحكم في أملاك الدولة والأراضي، ويأخذ الجباية من المواطنين ويمارس دور الدولة، كما يقوم ببيع ومنح الأراضي والكثير من التصرفات في تلك الفترة".
أضاف أن "التنظيم كان قد اشترى أراضي في أحياء متطرفة من جانبي الموصل وهو ما ساعده في عملية انتشاره السريع في الموصل، حيث كانت خلاياه تتواجد في تلك المناطق الغربية والشرقية، وساعدت في انتشاره، وبعدها بدأ يجني ملايين الدولارات من تلك العقارات والأراضي، المؤجرة والمباعة".
وأصدرت الحكومة العراقية حينها أمرًا بمنع البيع والشراء بعقارات المحافظات الساخنة من بينها نينوى والأنبار وصلاح الدين، لكن القرار بدأ يتلاشى مع تحرير تلك المناطق.
سوق العقارات يشهد تراجعًا
بعد تحرير الموصل تراجع سوق العقار حيث أن البائعين أصبحوا أكثرية في الموصل، بحثًا عن أماكن أخرى. فيما يقول محمد أحمد صاحب شركة عقارات في الموصل لـ"ألترا عراق"، إنه “يوميًا يأتي أناس من الموصل لبيع ممتلكاتهم لغرض السفر إلى إقليم كردستان أو تركيا من دون العودة، وهو أمر تسبب بتراجع سوق العقارات وانخفاض أسعار المنازل والأراضي، إضافة إلى المشكلات في دائرة التسجيل العقاري التي لم تحل حتى الآن".
بينما دونت لجنة تقصي الحقائق البرلمانية بشأن الموصل توصيتها التاسعة التي جاء فيها "إلغاء كافة التخصيصات للأراضي السكنية التي تم توزيعها بموجب القرار 252 لسنة 2017 وإيقاف العمل بالمادة 25 من قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 21 لسنة 2012 وكذلك إلغاء كافة التعاقدات على الأراضي التجارية والزراعية منذ دخول تنظيم "داعش" الإرهابي إلى نينوى، ولحين التأكد من الإجراءات وتصحيح القرارات المخالفة للأنظمة والقوانين النافذة، باستثناء الأراضي التي وزعت على القضاة لأن قرار التوزيع يعود إلى 2013".
وفي التوصية العاشرة للجنة تقصي الحقائق أكدت فيها على "تدقيق إجراءات بيع وإيجار العقارات العائدة إلى بلدية الموصل التي تمت بعد انتهاء عملية تحرير المحافظة بناءً على قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 21 لسنة 2013 من قبل هيئة النزاهة".
فيما جاء في التوصية رقم 11 "إلزام قائممقامية قضاء الموصل بإزالة كافة التجاوزات، الحاصلة على الأراضي الخضراء والبساتين وأراضي الدولة والأبنية المخالفة لاستعمالها، حسب التصميم الأساسي للمدينة، مع توفير القوة اللازمة لذلك".
وفي هذا السياق يقول عضو مجلس النواب العراقي، شيروان الدبورداني، إننا "أبلغنا الدولة العراقية بأن هناك وثائق قام المحافظ الأسبق أثيل النجيفي بالحصول عليها من دائرة التسجيل العقاري في الموصل، وقام بالاحتفاظ بنسخة منها وإرسالها لأملاك الدولة، مبينًا أنه "في حال صعوبة التوصل إلى ملف الأراضي والأملاك خلال مرحلة "داعش"، ومن بعدها يمكن العودة لتلك الملفات الموثقة، بنسخها الأساسية قبل سقوط الموصل، للحصول على كامل التفاصيل التي تم حفظها حيال الأراضي".
الدوبرداني: يعتبر ملف الأراضي من أصعب الملفات وكان محافظ نينوى وحاشيته يتلاعبون به إضافة إلى المكاتب الاقتصادية التي تدعي انتماءها إلى الحشد الشعبي
أضاف الدوبرداني، أن "ملف الأراضي هو من أصعب الملفات وكان العاكوب وحاشيته يتلاعبون بها، إضافة إلى المكاتب الاقتصادية التي تدعي انتماءها إلى الحشد الشعبي، مستدركًا "ولكن في حال قررت الحكومة العراقية البحث بها فأننا أشرنا إلى مكان وجودها في وزارة العدل الاتحادية ويمكن العودة لها والانطلاق بالتحقيق من خلالها لمعرفة حجم التلاعب والمتسببين به".
اقرأ/ي أيضًا: