لا تزال الاستعدادات جارية من قبل اللجنة المنظمة لمعرض بغداد الدولي للكتاب، الذي من المقرّر أن ينطلق في 12 شباط/فبراير 2020 ولغاية 23 من الشهر ذاته. بينما سينطلق "معرض العراق الدولي" بإدارة مؤسسة المدى التي يترأسها فخري كريم، في 12 كانون الأول/ديسمبر من العام الجاري، وهو نفس الموعد الذي كان من المفترض أن يكون لمعرض بغداد للكتاب، بحسب اللوائح التنظيمية التي حدّدها اتحاد الناشرين العرب، وحتى لا تتعارض مع أوقات المعارض العربية.
مؤسسة المدى حجزت قاعة معرض بغداد لمدة 6 سنوات، وسوف تقيم المعرض والذي يعد الأول من نوعه في بغداد
التضارب في التواريخ والمسميات لأهم حدث ثقافي في العراق ولّد ردود أفعال داخل الوسط الثقافي العراقي، حتى أصبح السؤال الأبرز: من يمتلك الشرعية والصفة الرسمية بإقامة معرض الكتاب الدولي في بغداد؟
اقرأ/ي أيضًا: في معرض الكتاب.. العراق بعيون عربية
على المستوى العربي جاء الجواب سريعًا من دور النشر العربية الكبيرة، حسب استطلاع "ألترا عراق" بالدعم والمشاركة الحصرية فقط مع معرض بغداد الدولي للكتاب، والامتناع عن المشاركة مع المعرض الذي تقيمه المدى. ومن أهم هذه الدور التي أعلنت موقفها بشكل واضح لـ"ألترا عراق": دار التنوير، ودار الآداب، ودار العربية للعلوم، ودار الخيال، ودار المخطوطات، ودار رؤيا. فضلًا عن العديد من الدور العراقية المهمة مثل دار الجمل، ودار الحكمة، ودار شهريار.
لكن المنسق الإعلامي لمعرض العراق الذي تقيمه "دار المدى"، مازن لطيف، لا يرى أي إشكال في إقامة معرضين للكتاب، قائلًا إن "بغداد تستوعب إقامة معرضين وربما عدّة معارض خلال السنة"، مضيفًا لـ"ألترا عراق"، "لا يوجد إشكال من ناحية التوقيت الزمني، فإن اتحاد الناشرين يعمل على إقامة معرض بغداد الدولي في الشهر الثاني من العام الحالي، ومؤسسة المدى ارتأت أن تقيم المعرض في شهر كانون الأول/ديسمبر في البصرة، بينما قدم اتحاد الناشرين معرضهم إلى الشهر ذاته، وهو نفس تاريخ معرض البصرة الدولي؛ لأنه يتعارض مع بعض المعارض العربية، ومؤسسة المدى اتصلت باتحاد الناشرين وطلبت منهم تغيير الموعد إلى شهر شباط/فبراير، والسنة الأخرى يرجعوه إلى شهر كانون الأول/ديسمبر، ولم يوافقوا على هذا الأمر، ولم يكن هناك تواصل من قبل اتحاد الناشرين مع مؤسسة المدى".
أضاف لطيف أن "مؤسسة المدى حجزت قاعة معرض بغداد لمدة 6 سنوات، وسوف تقيم المعرض والذي يعد الأول من نوعه في بغداد".
وعن دور وزارة الثقافة في المعرض، قال لطيف إن "وزارة الثقافة ليست راعية لهذا المعرض، وإنما هي داعمة بحسب قول وزير الثقافة الذي أكد أنه يدعم أي فعالية ثقافية لمعرض الكتاب، وإذا كان هناك راعي لمعرض العراق الدولي، فهو أما رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء".
وحول الأخبار التي تتحدث عن التهديدات والاستعانة بالمليشيات لأجل تغيير موعد المعرض نفى لطيف ذلك بالقول إنها "أخبار غير صحيحة، ولم تصل الخلافات إلى مرحلة التهديد، فالخلاف كان مهنيًا، و"المدى" حققت الانتصار في هذا الموضوع".
"أربيل عاصمة للثقافة".. ما هو "الدور السياسي" في الموضوع؟
إن حالة الاضطراب والتوتر بين القائمين على معرض بغداد الدولي ومعرض العراق الدولي الذي تديره مؤسسة المدى، يجعل من هاجس الدولة داخل الدولة والمشاعر الانفصالية تطفو على سطح الجانب الثقافي عند بعض الجهات، بحسب سامر السبع، وهو مدير دار "نابو" للنشر والتوزيع.
مدير دار نشر: المدى استولت على شيء لا تملكه بالأساس، فهي تدخلت في معرض بغداد بعلاقاتها واستطاعوا الاستحواذ على أرض المعرض
السبع أكد في حديثه لـ"ألترا عراق" إن "هذا التنافس الذي دخلت فيه المدى مع اتحاد الناشرين العراقيين خلق جوًا محرجًا وغير مريح، ولا يخدم الثقافة العراقية".
اقرأ/ي أيضًا: "معرض بغداد الدولي للكتاب": فاتحة لحياة عراقية جديدة
أضاف السبع أن "هنالك عدة خلافات اقتصادية وسياسية وأيديولوجية في هذا الموضوع، في ظل فشل المساعي الرامية إلى جعل أربيل عاصمة للثقافة العربية بدلًا عن بغداد!، فإن اتحاد الناشرين العراقيين هو من يمتلك الشرعية في إقامة معرض بغداد الدولي للكتاب لأنه على تواصل مع اتحاد الناشرين العرب والنقابات الأخرى".
لفت إلى أن "من أقوى الأسباب الخلافية بالنسبة للمدى هو السبب الاقتصادي، فكما هو معرف، فإن المدى تقيم معرض أربيل الدولي، والذي كان ناجحًا نسبيًا طوال السنين الصعبة على حساب الوضع الأمني في بغداد في فترة هيمنة "داعش"، على بعض مناطق العراق، وفي نفس الوقت كانت "المدى" تمتنع عن المشاركة في أي معرض يقيمه اتحاد الناشرين العراقيين".
استدرك السبع "لكن في الوقت الذي بدأت فيه بغداد تستعيد عافيتها، بدأ معرض أربيل يضعف على المستوى التجاري، فلم يحصل ذلك الإقبال الكبير، ومن هنا حصل التحرّك عند مؤسسة المدى، وتدخلوا عن طريق وساطات سياسية، فمن المعروف أن صاحب مؤسسة المدى هو فخري كريم والذي يعمل مستشارًا عند رئيس إقليم كردستان".
وفي استفتاء إقليم كردستان العراق، ومحاولة الأخير الانفصال عن البلاد، ظهر فخري كريم مع مسعود بارزاني، يتوسط برنارد ليفي وبرنارد كوشنير وزير خارجية فرنسا في عهد ساركوزي، وكلاهما كانا من داعمي الاستفتاء.
يشكّك السبع في الخطاب الثقافي الذي تصدره المدى بخصوص معرض البصرة ملمحًا إلى أن هذا الدخول ربما لأن البصرة بدأت أصوات الأقلمة والانفصال تعلو فيها بعد إقليم كردستان
أوضح السبع أن "المدى استولت على شيء لا تملكه بالأساس، فهي تدخلت في معرض بغداد بعلاقاتها واستطاعوا الاستحواذ على أرض المعرض، دون التنسيق مع أي جهة مثل اتحاد الناشرين أو غيرها، فهذا العمل هو عمل سياسي، وليس ثقافيًا، مشككًا بـ"الخطاب الثقافي الذي تصدره المدى، وخصوصًا في قضية معرض البصرة، لافتًا إلى أن "البصرة اليوم مثل ما يعرف الكثير من أكثر المدن العراقية التي يعلو صوت الانفصال والأقلمة داخلها بين حين وآخر، بعد مدن كردستان".
الكيل بمكيالين
أما عن العروض التي تقدمها مؤسسة المدى ومنها توزيع الكتب بالمجّان والخصومات الكبيرة في أسعار الكتب، يقول سامر السبع "حينما فتح باب التقديم على معرض "العراق الدولي" رأينا شروط الاشتراك مبالغ فيها جدًا، ومن جملة هذه الشروط؛ أن رسوم المتر الواحد في الأجنحة يبلغ 100 دولار، بينما في اتحاد الناشرين يكون سعر المتر الواحد في الجناح المميز 100 دولار، والعادي 75 دولارًا، فضلًا عن فرض مبلغ 200 دولار على التوكيل الأول، مبينًا "إذا كان للناشر توكيل آخر فيكون مبلغ التوكيل الثاني 300 دولار، وهذا مبلغ ليس بالبسيط، فهي مصاريف ترهق الناشر، وتساهم في رفع سعر الكتاب على عكس ما تدّعي "المدى".
اقرأ/ي أيضًا: ماذا يقرأ العراقيون؟
أضاف السبع لـ"ألترا عراق" أن "المدى فرضت شاحنًا واحدًا للكتب والموضوع يثير الشبهة حول اتفاق تكسب من خلاله المؤسسة نسبة ربح في عملية الشحن، الأمر الذي بالإمكان أن يؤدي إلى تدوير الكتب المزورة، على عكس معرض بغداد، فطوال كل السنين لم يفرض على الناشر شاحن واحد".
يذكر أن هذه المرة الأولى التي تقيم فيها مؤسسة المدى معرضًا دوليًا للكتاب وسط بغداد، ويستمر لمدة 6 سنوات، لكن دون أي غطاء شرعي من قبل المؤسسات الثقافية الرسمية، بحسب ناشرين، الأمر الذي عده البعض احتكارًا للفعاليات الثقافية وصنع صورة ضبابية عن معرض بغداد الدولي، والذي نجح وأعطى صورة جميلة عن بغداد، وعن الفعاليات الثقافية في أشد أيامها مأساوية، وجعل الضيوف العرب يكتبون عنه بعد زيارتهم للمعرض وللمدينة "العاصمة" التي احتضنته.
اقرأ/ي أيضًا: