18-يوليو-2023
البرلمان

في كل حادثة يشهد العراق مطالبة بتشريع قوانين لمعالجتها  (فيسبوك)

أصبح اقتراح أو المطالبة بتشريع قانون "رادع" جديد، فعلًا ملازمًا للقوى والشخصيات السياسية، مع كل حادثة سياسية أو أمنية أو اجتماعية يشهدها العراق، بالرغم من أنّ معظم هذه القضايا معالجة بالفعل في القوانين العراقية سابقًا. 

يتحدث قانونيون عن سياسيين يقومون بالدفع في تشريعات قوانين هي معالجة أساسًا في العراق

وخلال الأيام القليلة الماضية، رصد "ألترا عراق"، دعوات وطلبات سياسية ونيابية لتشريع قوانين جديدة تخص قضايا معينة، لكن هذه القضايا معالجة أصلًا بل وصادرة فيها أحكام قضائية بناءً على القوانين العراقية، ما يجعل الدعوات لتشريع القوانين الجديدة "لا معنى لها"، بحسب المختصين.

وفي 13 تموز/يوليو الجاري، قدم النائب المستقل المقرب من "الإطار التنسيقي" علاء الحيدري، طلبًا إلى رئاسة البرلمان مشفوعًا بتواقيع أكثر من 80 نائبًا، بتشريع قانون لـ"مكافحة الربا"، أسوة بقانوني الإرهاب والمخدرات.

لكنّ الطلب تضمن إشارة للمادة 465 من قانون العقوبات التي تنص على "عقوبة الحبس بين 3 إلى 10 سنوات لمن يتعامل بالربا"، حيث أنّ "جريمة الربا" معالجة أساسًا في قانون العقوبات، ما يطرح أسئلة لتكرار الحديث عنها في قوانين وتشريعات جديدة. 

بالمقابل، تسلّمت رئاسة مجلس النواب طلبات بتشريع قانون "تجريم الإساءة إلى المراجع والرموز الدينية"، بعد دعوات من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بالرغم من أنه خلال السنوات السابقة اعتقلت القوات الأمنية العديد من الأشخاص بتهم مماثلة وبعضهم تم حكمه، حيث أنّ هذه القضية معالجة مسبقًا في المادة 372 من قانون العقوبات العراقي.

"القوى السياسية لا تقرأ القوانين العراقية ولا تعرفها"

لا تعد هذه الأمثلة الحديثة، هي الوحيدة ضمن ظاهرة "اجترار التشريعات"، فهنالك الكثير من الحالات المشابهة في كل حادثة سياسية أو أمنية أو اجتماعية.

ويتفق الخبير القانوني محمد جمعة مع الحديث عن "دعوات تخرج بين الحين والآخر لتشريع قوانين هي معالجة أساسًا في القوانين العراقية"، فيما يضرب مثالًا على ذلك، بأن "قانون العقوبات العراقي عالج أساسًا مسألة التعرض لمراجع الدين أو الرموز المقدسة عمومًا، وهنالك أحكام صدرت أساسًا بناءً على هذه المادة القانونية". 

ويستذكر جمعة حادثة قبل 3 سنوات، حيث "صدر في محافظة بابل حكم بالحبس ثلاث سنوات لشخص تعرض لمرجعية السيستاني، قبل أن يقوم بإرسال رسالة إلى المحكمة وطالبها بإطلاق سراحه"، مبينًا أنّ "قانون العقوبات حاسب بالحبس ثلاث سنوات على هذه الحالات وهذه المدة كافية، مضيفًا بتهكم: "إلا إذا نريد تشريع قانون لجعل العقوبة إعدام". 

وشدد جمعة على أنّ "الهدف من العقوبات القانونية هو الإصلاح وليس الانتقام وثلاث سنوات مدة كافية لهذا النوع من التهم".

وشهدت الفترات الماضية، مطالبات بتشريع قانون يجرم التعرض لمقرات الأحزاب، فيما يعلّق جمعة بأنه "مجرّم أصلًا في القوانين العراقية وقد يدرج ضمن قوانين الإرهاب".

وبالنسبة لجمعة، فإنّ الحل ليس بتشريع قوانين جديدة مستقلة، بل بـ"تفعيل القوانين الموجودة أساسًا وتفعيل النشاط الأمني". 

ويرى الخبير القانوني أنّ "القوى والشخصيات السياسية يبدو أنها لا تقرأ القوانين ولا تعرف ما هو موجود في هذه القوانين، وتحتاج للتثقيف بما موجود من قوانين لأنها كافية ووافية".

استغلال سياسي

وعلى الرغم من أن المحلل السياسي علي البيدر، يرى أنّ هذه الحالة "صحيّة" نوعًا ما، إلا أنه لا يستبعد أن تكون نابعة ليس من الحاجة التشريعية، بل من "رؤية مصلحية" لبعض التيارات السياسية التي تريد أن تكيّف بعض القوانين لصالحها.

ويقول البيدر لـ"ألترا عراق"، إنّ "وصف هذه الحالة بالصحية ينبع من كون بعض القوانين في النظام السابق أو المراحل السابقة والتي قد تكون شُرعت لظروف استثنائية قد تتعارض مع الدستور الحالي أو القيم الديمقراطية وفق النظام الجديد".

لكنّ البيدر يستدرك بالقول إنّ "بعض الأطراف تريد أن تعزز وجودها في السلطة أو أن تكسب نفوذًا أو تستغل هذه القوانين بعد تعديلها لصالحها"، مشيرًا إلى أنّ "هنالك توجهات مصلحية بحتة في هذا الجانب ومن المفترض الذهاب لتعديل قوانين معينة بدلًا من إقرار قوانين جديدة".

يرى مراقبون أنّ بعض الأطراف تريد أن تعزز وجودها في السلطة من خلال تعديل قوانين وتشريع أخرى

ولفت البيدر إلى أنّ "جزءًا كبيرًا من هذا التوجه هدفه زيادة رصيد هذه الكتل السياسية عبر التبجح بتشريع هذا القانون أو ذاك"، معتبرًا أنّ "هذا السلوك يؤشر ضعف الوعي والنضج السياسي لتلك الأطراف بأنها لا تفقه كثيرًا بالجانب التشريعي، وتشير إلى "انشغال الكتل السياسية بمصالحها أكثر من انشغالها بالحاجة التشريعية الحقيقية التي يتطلبها الواقع السياسي أو الأمني أو الاجتماعي".