بعد ثلاث قمم جمعت العراق ومصر والأردن، في القاهرة والبحر الأبيض وآخرها بغداد، تسعى الحكومة العراقية للتحضير إلى مؤتمر دول جوار العراق، في خطوة جديدة وصفت بأنها لـ"تعزيز التقارب مع الدول العربية والإقليمية"، مع اقتراب الانتخابات المبكرة في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
يرى أكاديمي أن البيان الأخير للقمة الثلاثية التي عقدت في بغداد بين العراق ومصر والأردن لم يكن أكثر من خطابات عمومية تُسمع عادة بعد كل لقاءات
ولعل التذكير بمخرجات القمم الثلاثية بات كثيرًا وانقسمت عليه الآراء بين الإيجابي والسلبي، إلا أنها تبقى سياقات اتبعتها الدول الثلاث لتنشيط علاقاتها الاقتصادية أولًا، والاستفادة من تجاربها الصناعية والتجارية، وما يخص الجوانب الاستثمارية أيضًا، في وقت تسعى فيه بغداد لجذب رؤوس الأموال الكبيرة والشركات الكبرى للمساهمة بتنشيط الاقتصاد العراقي الذي بات يعاني من أزمة مالية حرجة.
اقرأ/ي أيضًا: فرنسا والشام الجديد.. استراتيجية الخارج والداخل
وفي أولى الخطوات نحو إجراء مؤتمر دول الجوار، أرسلت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وزير التخطيط خالد بتال مبعوثًا إلى دولة الكويت، حاملًا رسالة للأمير الكويتي نواف الأحمد الجابر الصباح، تتضمن دعوته إلى حضور المؤتمر الذي سيعقد في بغداد قبل نهاية شهر آب/أغسطس الجاري، بمشاركة أوروبية عالية المستوى.
وبالإضافة للكويت، تشير المعلومات الحالية إلى دعوة كل من السعودية وإيران وتركيا والأردن، إضافة إلى ممثلين عن النظام السوري، كما سيتولى ذات الوفد العراقي الزائر للكويت، تسليم الدعوات الرسمية للدول المذكورة للمشاركة في المؤتمر.
في السياق، يرى أياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، أنه لغاية الآن "لم تحدد ما هي الأطر والنقاط الرئيسية التي ستناقش في هذا المؤتمر الدولي، كما أن البيان الأخير للقمة الثلاثية التي عقدت في بغداد بين العراق ومصر والأردن، لم يكن أكثر من خطابات عمومية نسمعها عادة بعد كل لقاءات، ولم يتم التطرّق لقضايا وتفاصيل مهمة تم التداول بشأنها وتحديد أطر الاتفاق عليها".
ويضيف العنبر، لـ"ألترا عراق"، أن "عمر الحكومة الحالية لا يسمح بعقد اتفاقيات استراتيجية، مستدركًا "لكن يبدو أن هناك محاولة لتأكيد التقارب العربي وقد تكون من بين المحاولات التي تسعى لها الحكومة".
أما التفاصيل وكيف تتحول هذه التقاربات إلى أرض الواقع، يعتقد العنبر، أن "هذه لن تحصل إلا ضمن رؤية متفق عليها وقدرة وإرادة سياسية، وبخلافها لا يكون لها أي أثر على المشهد في العراق ومحيطه بكثير من المجالات، عازيًا ذلك لـ"وجود عقبات كثيرة، منها عدم الاستقرار السياسي والأمني، فضلًا عن عدم وجود التوافق السياسي على مثل هكذا حوارات ربما تشمل الاستثمارات، بالإضافة للكثير من الأسئلة تحتاج إجابات على مستوى تطبيق المخرجات".
وعلى مستوى العلاقات العراقية ـ التركية، يقول الأكاديمي إن "العلاقات مع تركيا ليست بالدرجة المعقدة تمامًا، لكن هناك نقطة قد تثير الاستغراب هي أن العراق لا يُفعّل اللقاءات الدبلوماسية والمذكرات أو قنوات التواصل والتعاون والشراكة، لا سيما ليس لديه نقطة تقاطع معها، مع أن النقاط الخلافية لا تبحث في اللقاءات الرسمية أو الدبلوماسية، مضيفًا أنه "يبدو هذا الملف ليس من أولويات الحكومات وليس هناك رغبة بحله عاجلًا".
وبينما يؤكد العنبر، عدم خصوصية المشتركات بين العراق وسوريا بل تتعدى ذلك للمستوى الدولي، أشار إلى أن "هناك رؤية دولية يخضع لها أي حل أو ملف مشترك مع العراق وأي قضية أو اتفاق بين الدول الإقليمية والعراق، لافتاً إلى أنه "إذا لم تكن تلك الملفات ضمن خارطة واضحة وطرحها لطاولة المناقشات مثل ملف الحدود مع سوريا وغيرها لن تكون تلك الحوارات مهمة بالوقت الحالي".
وبالحديث عن الملفات المشتركة، فقد مرّت الذكرى الـ31 للاحتلال العراقي لعهد رئيس النظام السابق صدام حسين، إلى الكويت، في 2 آب/أغسطس 1990، استغرقت عمليتها العسكرية يومين ليتم الإعلان في 4 آب/أغسطس الاستيلاء على كامل الأراضي الكويتية، ما كبد العراق دفع تعويضات قدرت بـ 52 مليار دولار، دفع منها لغاية الربع الأول من 2021، مبلغ 50 مليار دولار، فيما تبقى نحو 2.5 مليار دولار، بحسب تصريحات حكومية.
بحسب أكاديمي لا يوجد محاولات من المفاوض العراقي لتفكيك ملف تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني على الحدود العراقية التركية
على صعيد متصل، يأتي ملف المياه مع تركيا، حيث يؤشر العنبر، عدة نقاط على بغداد في علاقتها مع أنقرة، قائلًا إن "موضوع تقاسم المياه بين البلدين لم يخضع لحوار جدي لغاية الآن للاتفاق عليه، رغم أن تركيا ترى بالعراق عدم استجابة لتنفيذ القضايا المتعلقة به وتعديل طرق استخدام المناسيب، لافتاً إلى أنه "لذلك تحمل تركيا مسؤولية الملف للعراق بالدرجة الأساس".
اقرأ/ي أيضًا: قمة العراق والأردن ومصر: هل حان وقت تنفيذ مشروع "الشرق الجديد"؟
وفي الشأن العسكري، لا يوجد محاولات من المفاوض العراقي لتفكيك ملف تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني على الحدود، وأيضًا القوات العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية، وعليه، فإن هناك الكثير من الملفات المهملة، ولا يبدو أنها ستحل بمؤتمر دول الجوار، وفقًا لما يراه الأكاديمي.
بالمقابل، يختلف مدير مركز القرار السياسي حيدر الموسوي بوصفه لـ"مؤتمر دول جوار العراق" المرتقب، معتبرًا في حديثه لـ"الترا عراق"، دعوة رؤساء الدول المذكورة، وبالأخص الكويت، "فرصة من أجل توضيح شكل العراق الجديدة، بعدم حمله للسلاح بوجه جيرانه أو الذهاب نحو التصعيد في أي مسألة معينة قد تطرأ، فيما توقع "نجاح المؤتمر والخروج بتوصيات قد تسهم على المدى القريب بحلحلة الخلافات التي تشهدها المنطقة".
وبالعودة لأستاذ العلوم السياسية، أياد العنبر، فقد خلص إلى أن "مشكلة العراق ليست بالتقارب مع دول الجوار فقط، فالعراق بعد 2014 وتحرير أراضيه من تنظيم داعش ليس كما قبل تلك المرحلة، مضيفًا أن "هناك انفتاحًا عربيًا لمساندة بغداد والوقوف بجنبها، مستدركًا "لكن المشكلة تكمن بالحكومات العراقية وقواها السياسية التي تعتبر غير قادرة على تفعيل اتفاقات التعاون أو تحديد مساحتها، وعلى هذا الأساس ستبقى جميع اللقاءات بروتوكولية لا يمكن التعويل أو المراهنة عليها".
اقرأ/ي أيضًا:
ما موقف الكتل السياسية في العراق من نتائج الحوار الاستراتيجي؟