ألترا صوت – فريق التحرير
قررت الحكومة العراقية الجديدة، برئاسة عادل عبد المهدي، مساواة رواتب مقاتلي عناصر الحشد الشعبي مع القوات العراقية في وزارتي الدفاع والداخلية، بعد أن عادت أزمة رواتب الحشد إلى الواجهة، باتهامات وجهتها أطراف في الميليشيا لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، بإلغاء زيادة كان من المقرر صرفها لهم مع المستحقات المالية، وذلك قبيل تسليم مهامه إلى خلفه رئيس الوزراء الجديد.
تبلغ رواتب عناصر الحشد الشعبي نحو 300 مليون دولار في السنة الواحدة
جاء قرار الحكومة في مساعٍ لاحتواء الأزمة، عقب إجراء عادل عبد المهدي، الإثنين 5 تشرين الثاني/نوفمبر، سلسلة لقاءات، ثم زيارته مقر هيئة الحشد الشعبي، مؤكدًا أن الحشد "باقٍ ولن يُحل".
من جانبها أكدت هيئة الحشد الشعبي ذلك، مشيرة إلى أن مجلس الوزراء السابق كان قد قرر زيادة لم تف برفع مرتب منتسبي الحشد، ولم تطبق مع انتهاء مهام حكومة العبادي، مشددة أن القرار الجديد "ملزم بالتطبيق وسينفذ من ميزانية الطوارئ".
وتبلغ موازنة الطوارئ للسنة المالية 2018، ثلاثة تريليونات دينار، وستصرف من الزيادة مرتبات عناصر الحشد بالمناقلة، بحسب المتحدث باسم تحالف الفتح أحمد الأسدي، الذي بين في تصريحات صحافية، أن الزيادة الجديدة للحشد "تقدر بـ 197 مليارًا و850 مليون دينار"، وستصرف على 3 أشهر بدءًا من تشرين الأول/أكتوبر الماضي حتى كانون الأول/ديسمبر المقبل من هذا العام، وتشمل 122 ألفًا من عناصر الحشد وليس كلهم والبالغ عددهم 150 ألف منتسب ومقاتل.
اقرأ/ي أيضًا: الحشد الشعبي..الميليشيا في مواجهة الدولة
وكان تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري أبرز قيادات الحشد، اتهم العبادي بتحمل مسؤولية إلغاء الزيادة في رواتب الحشد الشعبي، مؤكدًا على لسان الأسدي أن "الحكومة السابقة لم تنفذ قانون الحشد في موازنة 2018، وألغى رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي زيادة رواتب الحشد الشعبي قبل تشكيل الحكومة الجديدة بيوم، رغم أنه أقرها في وقت سابق"، لكن مكتب العبادي رد على تلك التصريحات، وقال إنها "كذب صريح".
"فضائيون" وتهريب أموال!
تبلغ رواتب عناصر الحشد الشعبي نحو 300 مليون دولار في السنة الواحدة، في حين تعود أزمتها إلى ضبط أعداد هائلة من "الجنود الوهميين" في العام الماضي، أو ما يعرف باسم "الفضائيين" في هيئة الحشد الشعبي، واتُخذت إثر ذلك جملة من الإجراءات الاحترازية، فيما دخل العبادي في معركة مع نائب رئيس هيئة الحشد، أبو مهدي المهندس، بسبب ذلك.
وبالإشارة إلى الأخير، فإن مصادر عراقية قالت نقلًا عن مقربين من السفارة الأمريكية في بغداد، بحسب وسائل إعلام عربية، إن "واشنطن تنوي إصدار مذكرة قبض دولية بحق المهندس وذلك على خلفية وجود ملف فساد في هيئة النزاهة العراقية بحقه".
ويتضمن الملف بحسب تلك المصادر، "تهمًا باختلاس أموال من الحشد الشعبي، من خلال تعيين 100 ألف عنصر مِمَّن يعرفون بالفضائيين أو الوهميين في الألوية الرئيسية للحشد، وفق المصادر، حيث يتقاضون شهريًا مبلغًا قدره 3 مليارات دينار عراقي ونصف تحول إلى إيران"، مشيرة الى أن "قيمة الأموال المحولة باسم المهندس إلى إيران تبلغ أكثر من 3 مليار دولار أمريكي حتى الآن".
لكن القيادي في الحشد الشعبي معين الكاظمي نفى تلك الاتهامات بشكل قاطع، مؤكدًا لـ "ألترا صوت"، أن "الحشد يمتلك نظامًا إداريًا ووثائق بأسماء عناصره يتم من خلالها توزيع المرتبات"، فيما أشار إلى أن إدارة الحشد تتبع خطوات لـ "تسكين مرتبات المنتسبين في المصارف العراقية، حيث يتم صرفها مباشرة من قبل المنتسبين وفق البطاقات الذكية".
وبحسب الكاظمي، فإن "دوائر حكومية ووزارات أخرى قد تضم (فضائيين)، أما الحشد فله أعداد رسمية مثبتة تتابعها حاسبة إلكترونية مركزية".
وبالمقابل، فإن مختصين يرون أن الإصرار على الإبقاء على الحشد الشعبي كقوة رديفة بعيدًا عن الأجهزة الأمنية من قبل قادته، يعزز الاتهامات التي تشير إلى تورط قادته بملفات فساد مالي أو تحويل أموال استلمت كمرتبات إلى إيران، حيث يذّكر الخبير الاستراتيجي مؤيد الجحيشي بتسريبات مماثلة تلقتها وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية، والتي كانت تشهد قتالًا ضد تنظيم داعش، حين "ادعت قيادات في الحشد وجود نحو 400 ألف عنصر تابع للهيئة على الجبهات، لكن العدد الحقيقي لم يكن يتجاوز الـ 100 ألف حينها".
وأشار الجحيشي في حديث لـ "ألترا صوت"، إلى حادثة اغتيال مدير المالية السابق في هيئة الحشد الشعبي قاسم ضعيف في نيسان/إبريل من العام الجاري، عادًا أن مقتله جاء بعد أن حاول كشف ملفات فساد تتعلق بآلاف "الفضائيين"، وبعد ليلة شهدت اجتماعًا له بنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
ويرى الجحيشي، أن تشكيل الحشد الشعبي كان "مخططًا" جرى الإعداد له قبل اجتياح تنظيم داعش للموصل والمدن الأخرى، حيث كان دخول التنظيم وانهيار القوات الأمنية العراقية "جزءًا من ذلك المخطط" لتبرير تشكيل قوات الحشد الشعبي "كقوة مستنسخة عن الحرس الثوري الإيراني ثم المطالبة بصرف مرتبات عناصرها وتكاليفها من قبل الدولة".
استغلال وتغلغل اقتصادي
ويشير مصدر أمني مطلع، رفض إعلان هويته لأسباب تتعلق بسلامته الشخصية، في حديث لـ "ألترا صوت"، إلى أبعد من ذلك، كاشفًا عن توظيف الآلاف من الأشخاص في مصالح خاصة يديرها "قياديون في الحشد الشعبي" تدرج أسماؤهم ضمن أسماء المقاتلين لتلقي مرتباتهم من الدولة، حيث يشكو العاملون في تلك الوظائف عدم تسلم مستحقاتهم المالية لشهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي حتى الآن، لعدم صرف الحكومة رواتب عناصر الحشد الشعبي.
اقرأ/ي أيضًا: بعد أوباما..ترامب بشرة خير لبعض ساسة العراق
من جانبه لم يستبعد الجحيشي ذلك، مشيرًا إلى أن "قادة الحشد يسعون إلى التغلغل الاقتصادي داخل العراق، على غرار الحرس الثوري الإيراني الذي يمتلك نفوذًا كبيرًا على المستوى الاقتصادي في إيران وخارجها"، مبينًا أن "عناصر وقادة في الحشد بدأوا بشراء عقارات ومحال تجارية في محافظة نينوى وبقية المدن، ودخلوا المجال التجاري"، من خلال الأموال التي يحصلون عليها من الدولة.
لكن القيادي معين الكاظمي نفى ذلك ايضًا، مؤكدًا أن "قيادة الحشد وجهت منذ مدة بمعالجة كل الخروقات المحتملة ومنها استغلال بعض الأفراد لأعمال خاصة"، مبينًا أن الفترة السابقة قد تكون شهدت خروقات بسبب "الانشغال" بالمعركة ضد تنظيم داعش، لكن الحشد استطاع "السيطرة عليها وإغلاق مكاتب كانت تنتحل صفته واعتقال المسؤولين عنها"، فضلًا عن متابعة مستمرة لعناصره من قبل مديرية مختصة تدعى "مديرية الأمن والانضباط"، على حد تعبيره.
مستقبل مجهول
وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة وهيئة الحشد الشعبي على حد سواء بأن عناصر الحشد جزء من القوات المسلحة العراقية تتبع إداريًا رئاسة الوزراء بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، فإن ذلك لم يؤطر بتشريع قانوني يحدد ضوابطه وآليات انتساب عناصره ورتبهم العسكرية حتى الآن.
ويوضح الخبير مؤيد الجحيشي، أن "ما يعرف بقانون الحشد الشعبي لم يقر بشكل رسمي حتى الآن، حيث يشترط الدستور العراقي قراءة القانون مرة أولى وثانية في البرلمان وإرساله إلى مجلس الوزراء للمصادقة عليه وترقيمه، قبل إعادته إلى البرلمان للتصويت ثم نشره في جريدة الوقائع الرسمية"، مؤكدًا أن "أي من ذلك لم يحدث بشأن قانون الحشد الشعبي باستثناء قراءة أولى في البرلمان".
يعد ملف الحشد الشعبي من أبرز التحديات التي تواجهها الحكومة المقبلة والتي لا تزال غير مكتملة
ويشير الجحيشي، أن "كل القوانين التي تخص التشكيلات العسكرية تتضمن ضوابط تحدد مقدار المرتبات وسن تقاعد المقاتلين والزي الرسمي للقوة، فضلًا عن مستوى تسليحها، وضوابط تحدد عمل القوة ومهامها والتخصيص المالي اللازم لها"، موضحًا أن "أي من ذلك لا ينطبق على قوات الحشد الشعبي في الوقت الراهن".
بالمقابل، يقول معين الكاظمي ردًا على تلك الإشكالية، أن "هيئة الحشد تمتلك خبرة كبيرة في الجانب الإداري وخارطة واضحة ستقوم وفقًا لها بتنظيم عناصر الحشد ضمن سلم وظيفي"، دون توضيح تلك الآلية، فيما يشير إلى أن "توزيع الرتب العسكرية على عناصر الحشد سيتم وفق التحصيل الدراسي والدورات التدريبية".
يشار إلى أن المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني قد أشارت سابقًا، إلى ضرورة دمج قوات الحشد الشعبي بالأجهزة الأمنية العراقية ووضع سلاحه تحت سيطرة الدولة، فيما حرصت في جميع بياناتها على وصف المقاتلين من غير الأجهزة الأمنية بـ"المتطوعين" دون إطلاق مسمى الحشد الشعبي.
لكن ذلك يبدو بعيدًا عن الواقع، خاصة بعد أن تعهد رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي في وقت سابق خلال زيارة إلى مقر قيادة الحشد، بـ "الإبقاء على الحشد الشعبي ودعم وجوده، باعتباره ضرورة باقية"، مؤكدًا بالقول: "سنعمل سوية لإيجاد مصادر مالية لدعم الحشد".
ووفق الجحيشي، فإن حل إشكالية الحشد الشعبي يجب أن تكون عبر تطبيق المادة التاسعة من الدستور العراقي وتحديدًا الفقرة (ج) منها، والتي تنص على "منع تشكيل أي فصائل مسلحة خارج نطاق الدولة أو تابعة للأحزاب"، عادًا أن تلك المادة تفرض حل الحشد الشعبي، ومن ثم يمكن دمج عناصره القادرين على القتال ضمن صفوف الأجهزة الأمنية الرسمية.
ويعد ملف الحشد الشعبي، من أبرز التحديات التي تواجهها الحكومة المقبلة والتي لا تزال غير مكتملة، ويدخل ضمن أزمة الصراع الأمريكي - الإيراني، حيث ترى واشنطن في القوة "ذراعًا لإيران" داخل العراق تهدد مصالحها فيه، وتدعو إلى حله، في حين حمل بيان صدر مؤخرًا للسفارة الأمريكية في بغداد نشر على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وصف الحشد الشعبي بـ"الميليشيات الطائفية"، وهو ما انتقدته الحكومة العراقية وطالبت وفق بيان لوزارة الخارجية العراقية بحذفه.
اقرأ/ي أيضًا: