08-مايو-2021

الجهات الحكومية عاجزة عن فرض سيطرتها على المنافذ (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

تشكّل محافظة البصرة الغنية بالنفط جنوب البلاد، والبوّابة البحرية الوحيدة للعراق "الكنز المنهوب" من قبل الأحزاب والفصائل المسلحة، حيث تتقاسم تلك الجهات موارد المدينة بحسب سطوة وقوة كل جهة، في حين تقف الجهات الحكومية عاجزة في فرض سيطرتها.

يقول مصدر إن المشاكل غائبة بين فصيل "عصائب أهل الحق" و"التيار الصدري" في الموانئ، فكل جهة تعرف حصتها

وما بين التيّار الصدري الذي يعتبر الجهة الأقوى والأقدم التي تسيطر على أغلب موانئ العراق السبعة، يأتي فصيل "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي في المرتبة الثانية، في حين تتقاسم باقي الجهات الحزبية والدينية والعشائرية باقي الموارد، في الوقت الذي كشفت مصادر عن تغلغل تلك الجهات بشكل كبير في مفاصل الموانئ رغم تواجد أكثر من 13 جهة رقابية وإدارية حكومية في البوّابات البحرية.

اقرأ/ي أيضًا: تحقيق| منفذ مع إيران تتقاسمه "العصائب" و"السواعد".. لا حصّة لميسان غير الفقر!

"كل جهة تعرف حصّتها من الكنوز المنهوبة، ونادرًا ما تحصل مشاكل بين الجهات الحزبية والدينية والعشائرية"، يتحدّث مدير أحد شركات التخليص الجمركي في موانئ العراق، ويضيف (أ.س) دون الكشف عن اسمه لأنه "سيُقتل" على حدّ تعبيره، أن "سبعة موانئ في البصرة، منها ميناءان لتصدير النفط والباقي موانئ تجارية، فمينائي المعقل وأبو فلوس عملهما ضعيف، وفيهما تجارة فقط، وكذلك قديمة وتفترق إلى آليات التفريغ".

ويرجع مدير المركز العراقي الاستراتيجي المتخصّص في شؤون الموانئ، أنمار الصافي في حديث لـ"ألترا عراق"، سبب إهمال ميناء المعقل، وهو الأقدم في البصرة إلى أن "الغاطس من منطقة الخليج العربي إلى نهاية قناة شط العرب أعمال غير جيدة وغير مدامة وغير محسنة، وباقية على وضعها القديم بسبب عدم وجود اتفاقية بين العراق وإيران حول تنظيف وتحسين أعماق القناة خصوصًا في المنطقة المتشاطئة مع إيران، حيث أُلغيت اتفاقية الجزائر في زمن النظام السابق، ولا توجد أيّ اتفاقية للعمل لتحسين أعماق القناة وتنظيف الغوارق في المنطقة المتشاطئة مع إيران".

ويعدّ ميناء المعقل من أول الموانئ التي أنشأت بالعراق عام 1916، في حين أنشأت باقي الموانئ عام 1919 على ضوء تطوّر ميناء المعقل، حيث كان الإنجليز يأتون بمعداتهم من خلال الميناء خلال الحرب العالمية.

 ويفصّل (أ.س) توزيع الموانئ بين الجهات المسيطرة بالقول إن "ميناء المعقل يشمل 14 رصيفًا، في حين يعمل به رصيف واحد فقط وهو رصيف (8)، أما باقي الأرصفة هي لتفريغ المواد كالسيراميك والحديد، وهو تحت سيطرة (أبناء عامر الأحسائيين) ويعرفون في البصرة بالثراء والسيطرة على عقارات باهظة الثمن في مركز محافظة البصرة".

ويضيف (أ.س) أن "ميناء خور الزبير كان سابقًا للبضائع التجارية، لكنه الآن تحوّل لتصدير النفط وهو من 14، وكلّها استثمارات فازت بها شركات أجنبية بمساعدة أحزاب، حيث تسيطر ميليشيا عصائب أهل الحق على رصيف 8 و12 بشكل كامل، أما رصيف 9، فتسيطير عليه جماعة عشائرية تعرف بـ(بيت كيطان)"، موضحًا أن "باقي الأرصفة في ميناء خور الزبير النفطي فهي تشغيل مشترك واستثمار بين شركات أجنبية ومحلية".

وتأسس ميناء خور الزبير في عام 1974، على خور الزبير في محافظة البصرة ويبعد عن المدينة مسافة 80 كيلومترًا، وقرّرت الشركة العامة لموانئ العراق في كانون الأول/ديسمبر 2020، تحويل الميناء من عمله التجاري إلى النفطي.

وفي سياق الموانئ النفطية، يعرف ميناء البصرة النفطي المكون من 4 أرصفة بأنه مخصص لتصدير النفط بشكل رسمي عن طريق شركة سومو، وتعمل به شركات أخرى لجهات مختلفة بأعمال ثانوية.

وبشأن الموانئ التجارية، والذي يشكل ميناء أم قصر بفرعيه الجنوبي والشمالي، أكبر تلك الموانئ، ويفصّل المصدر توزيع حصص الأحزاب والفصائل المسلّحة والجهات الحزبية أرصفة الميناء كالتالي:

ميناء أم قصر الجنوبي

 ويبدأ من رصيف 1 إلى رصيف 10، حيث تسيطر (شركة الاتحاد) على الأرصفة الثلاث الأولى لاستيراد السكر لصالح وزارة التجارة، في حين تتوزع باقي الأرصفة بين جهات متنفذة أيضًا، إذ "يعود رصيف 4 لشركة CGM CMA الفرنسية بدعم وإسناد جهة حزبية، ورصيف 5 خاص بالخزن لمجموعة شركات محلية وأجنبية، أما رصيف 6 يتبع لشركة (خيرات السبطين) التابعة للعتبة الحسينة، و7 رصيف حكومي، في حين أن رصيفي 8 و9 فتسيطر عليهما العتبات الدينية (التابعة للوقف الشيعي)، فيما يخضع رصيف 10 لسيطرة الحكومة العراقية".

ميناء أم قصر الشمالي

ويبدأ من رصيف  11 إلى رصيف 21، بالإضافة الى رصيف تم تأهيله خلال الفترة الأخيرة سمي برصيف 27، حيث تعمل شركة (كولف تينر) الإماراتية في رصيف 11 كمستثمر، حيث جرت الصفقة عندما كان  باقر جبر صولاغ وزيرًا للنقل، وبوساطة من قبل رئيس تحالف الفتح الحالي هادي العامري، أما الأرصفة  12 و13 و16 و21 مخصّصات لاستيراد الرز والمواد الغذائية، وهي أرصفة حكومية وتعمل بها شركات مختلفة، في حين أن رصيف 14 فيقع تحت سيطرة العتبات الدينية (التابعة للوقف الشيعي)، فيما يسيطر رجل أعمال يعرف بـ (أ. الطائي) على رصيف 15، أما رصيفي 20 و27 تعمل به شركة  ICTSI الفلبينية  بتنسيق وتسهيل من منظمة بدر بقيادة هادي العامري.

ويكمل المصدر حديثه عن ميناء "أبو فلوس" والمكوّن من رصيفين، حيث تسيطر عليهما "جهة عشائرية تعرف بـ(بيت العاشور) منذ عام 2003، حتى بات يعرف الميناء باسم تلك العشيرة". 

وانتقالًا إلى ميناء الفاو الكبير، الذي تعقد عليه الآمال في تعضيد واردات العراق، حيث وضع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، في 11 نيسان/أبريل  2021، حجر الأساس لـ"العقود الخمسة" التي تتضمن الأرصفة الخمسة للحاويات وردم ساحة خزن ومناولة الحاويات وحفر القناة الملاحية الداخلية وحفر وتأثيث القناة الملاحية الخارجية، ونفق قناة خور الزبير، فضلًا عن الطريق السريع الرابط بين مينائي الفاو وأم قصر.

ويكشف كابتن بحري في الشركة العامة لموانئ العراق، عن جهتين حزبيتين تسيطران على مقدرات الميناء أحدهم بواجهة عشائرية.

ويقول الكابتن الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بحياته لـ"ألترا عراق"، إن "هناك جهة عشائرية تسيطر على الميناء هم "بيت شايع" ولديهم ارتباط وثيق بفصيل عصائب أهل الحق، أما الجهة الحزبية فهي التيار الصدري"، موضحًا أن "كتلة سائرون التابعة للتيار الصدري أجبرت الحكومة على اختيار الشركة الكورية لتنفيذ الميناء، مقابل رشاوى بلغت 90 مليون دولار".

ويضيف الكابتن "لا يمكن أن تأخذ أي أعمال في ميناء الفاو دون موافقة (بيت شايع) والتيّار الصدري"، موضحًا أنه "لا توجد مشاكل بين عصائب أهل الحق والتيار الصدري في الموانئ، فكل جهة تعرف حصتها ولا تجرؤ أي منهما بالتجاوز على الأخرى حفاظًا على المصالح".

الجهات الحزبية والدينية والعشائرية استحوذت بشكل كامل على التخليص الجمركي وهو ما أسهم بإيقاف عمل الشركات المستقلة القديمة

وتشكو شركات التخليص الجمركي من سيطرة الأحزاب على جميع الأعمال في الموانئ، إذ يقول أحد العاملين بأحد الشركات المستقلة لـ"ألترا عراق"، إنه "قبل أن تدخل الأحزاب بعد عام 2003 كنا نعمل بانسيابية، لكن دخول الأحزاب ساهم بتدمير الموانئ"، موضحًا أن "نشاط تلك الجهات بدأ يتصاعد ما بعد عام 2014 أي بعد تشكيل الحشد الشعبي، في حين سبق التيار الصدري وبعده بسنوات عصائب أهل الحق تلك الجهات بالعمل في الموانئ، حيث بدأت أعمال السيطرة منذ عام 2003".

اقرأ/ي أيضًا: بعد "عام الإغلاق".. عثرات تواجه 2021 الحاسمة لمعرفة جدوى "صولة المنافذ"

وعن آلية عمل تلك الأحزاب والفصائل المسلحة، يضيف العامل بإحدى شركات التخليص الجمركي، والذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي، ان "الجهات الحزبية والدينية والعشائرية استحوذت بشكل كامل على التخليص الجمركي، لأنهم يخلصون البضائع ويدفعون الجمرك بالأسعار التي تعجبهم مما ساهم بإيقاف عمل الشركات المستقلة القديمة"، مبينًا أنهم "يخفضون سعر الجمرك من خلال التلاعب بحجم البضاعة ونوعها، وبالتالي يخلصون البضائع بأسعار أقل من شركاتنا الرسمية بالتعاون مع موظفي الميناء، الذين تم تعيينهم بواسطة حزبية".

وكان (أسعد العبادي ومظفر الفضل)، وهما نائبان تابعان لكتلة "سائرون" التابعة للتيار الصدري، قد اقتحما مع قوة من فصيل "سرايا السلام"، مقر شركة الموانئ العراقية، في حزيران/يونيو من العام الماضي، وأجبرا مديرها السابق "أثيل عبد علي الكناني"، على كتابة استقالته، بهدف تنصيب شخصية مقرّبة من التيار للمنصب، هو الرئيس الحالي للشركة "فرحان الفرطوسي".

وعلى سبيل المثال، أجبر متظاهرون غاضبون في مطلع أيار/مايو 2021 مدير الشركة فرحان الفرطوسي، على إلغاء عقد التشغيل المشترك لعمل الساحبات البحرية، حيث تشير المصادر التي تحدث "ألترا عراق" معها، إلى أن "الفرطوسي كان يسعى إلى ابرام العقد مع شركة جوار الخليج التي ترتبط بالتيار الصدري، الأمر الذي رفضه طواقم تلك الساحبات".

ويقول مصدر في شركة الموانئ إن "عقد التشغيل المشترك للساحبات البحرية، تسبّب بإقالة المدير السابق لشركة الموانئ (أثيل عبد علي الكناني) على خلفية رفضه الخضوع لضغوطات التيار الصدري بتوقيع العقد".

ويتركز عمل الساحبات على مرافقة البواخر والسفن من المياه الإقليمية وجلبها إلى الأرصفة، حيث تقوم تلك الساحبات جنب البواخر وتنزيل الحمولة وإعادتها إلى خارج المياه الاقليمية، وتقدر قيمة الساعة الواحدة لمرافقة الساحبة للباخرة بـ15 مليون دينار، وتستغرق الباخرة قرابة الـ10 ساعات من جلب الباخرة لحين توديعها.

وينفي المركز العراقي الاستراتيجي المختص بشؤون الموانئ، سيطرة جهات حزبية على مقدرات الموانئ، عازيًا السبب إلى وجود عدد كبير من الجهات الرقابية والإدارية والأمنية في الموانئ.

ويكمل مدير المركز أنمار الصافي حديث لـ"ألترا عراق" أن "كثير من الجهات العاملة في الموانئ هي جهات ساندة، لكن للأسف الشديد أثرت سلبًا ففي موانئ المنطقة جميع هذه الجهات يجب أن تعمل تحت سلطة واحدة، وهي إدارة الموانئ وتأخذ أوامرها من هذه السلطة، أي إدارة الميناء، أما في العراق أكثر من 13 جهة تعمل في الموانئ، وكل جهة تأخذ تعليماتها من دوائرها إذا كانت وزارات أو هيئات، وهذا خطأ كبير يعطّل من عمل الموانئ وانسيابية حركة البضائع".

ويضيف أن "حملة الكاظمي أسهمت نوعًا ما في الحد من الفساد في الموانئ من خلال توجيهات شديدة وزيارات متكرّرة لرئيس الوزراء إلى الموانئ، وبالتالي عملت الدوائر في المنافذ بتطبيق الأوامر والتعليمات بطريقة أفضل من السابق"، موضحًا أنه "لا يمكن حل مشكلة المنافذ إلا من خلال الاتمتة والنافذة الواحدة للحد من مواضيع الفساد".

وعن عمل الأحزاب في الموانئ يشير الصافي إلى أن "هناك شركات تشغيل مشترك تعمل في الموانئ ربما تكون تعمل مع جهات حزبية معينة وهي تدير بعض الأرصفة وفق عقود تم توقيعها للتشغيل المشترك".

لكن وزير النقل الأسبق والنائب الحالي كاظم فنجان الحمامي دافع عن عقود التشغيل المشترك، حيث يقول لـ"ألترا عراق"، إن "عقود التشغيل المشترك ساهمت بتطوير الموانئ وتعضيد الموارد وفق عقود رصينة مع القطاع الخاص، مبينًا أن "رصيف 27 بميناء أم قصر الشمالي أنتج من خلال عقد تشغيل مشترك وهو بحلة أجمل وأفضل من الموانئ التي تديرها الحكومة العراقية"، لافتًا إلى أنه "لا يوجد تدخل للأحزاب في هذه العقود، ووزارة الداخلية وحدها لديها 8 تشكيلات داخل الموانئ، ومن غير المعقول أن ترى الأحزاب تعمل أمامها إضافة إلى هيئة المنافذ ووزارة الدفاع والتشكيلات الأخرى التابعة إلى الجهات الأخرى".

و ينفي (ع . م) وهو كابتن بحري، كلام الحمامي، قائلاً لـ"ألترا عراق"، إن "أغلب إن لم يكن جميع الجهات الحزبية لديها مصالح في الموانئ العراقية، حيث توجد شركات تابعة حتى للأحزاب الكردية والقوى السنية تعمل في عدد من الأرصفة والأعمال الثانوية".

وتابع الكابتن البحري الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته وحياته، أنه "إلى جانب الجهات الحزبية هناك جهات عشائرية، حيث تسيطر عائلة تسمى (بيت البطاط) على الاستثمار مع شركات فلبينية من خلال أعمال ثانوية كتحميل وتفريغ الحاويات وحماية الشاحنات التي تنقل النفط للموانئ، ولهم ارتباط وثيق بأمر اللواء السابع في الحشد الشعبي داغر الموسوي، الذي لقي مصرعه في حادث سير 16 شباط/فبراير 2019".

ويلفت إلى أن "معظم الاحزاب لا تظهر بالواجهة ويصعب تشخيص أعمالها بشكل واضح، مستدركًا "لكن توجد الكثير من الشركات الأجنبية والمحلية تعمل كواجهة لعدد من الأحزاب"، موضحًا أن "الأحزاب تتحاشى أن تظهر بالعلن في أعمالها الاستثمارية، مثلًا ميناء الفاو تعمل فيه شركة دايو الكورية، لكن لا تستطيع أن تدخل ذبابة إلى الميناء من دون موافقة فصيل عصائب أهل الحق والتيار الصدري، حتى أن الشركة الكورية لا تستطيع أن تدخل أي مادة للميناء دون موافقة هذه الجهتين".

لا تقتصر السيطرة على المنافذ من قبل الأحزاب والفصائل المسلحة فقط، إنما هناك جهات عشائرية أيضًا

وعن دور مجلس النواب الرقابي في رصد حالات الفساد، يقول النائب الحمامي: "لا يمكن لنائب من النواب أن يشخّص حالة تهريب لأن النائب ليس شرطيًا أو موظفًا في هيئة المنافذ وعلى هيئة المنافذ الحدودية الإجابة عن حالات التهريب".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تحقيق| "آلية المجاري وجرّة الذهب".. كنوز واسط بين إهمال الحكومة ويد السرّاق!

20 قصة فساد.. كيف ضاعت 500 مليار دولار في العراق؟