ألترا عراق ـ فريق التحرير
بعد عبور ضجيج رواتب الموظفين لشهري تشرين الأول والثاني، لم يمهل رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي مجلس النواب، والموظفين ذاتهم، حتى خرج بتصريح في مؤتمر صحفي عقب جلسة لمجلس الوزراء قال فيه إن حكومته غير قادرة على تأمين رواتب موظفي الدولة في شهر كانون الأول/يناير المقبل دون الموافقة على تمرير موازنة 2021، وتحدث كمن يُبرء ذمته.
يقول مصدر نيابي إن الكاظمي ممتعض من مجلس النواب بسبب تصويت الأخير على قانون اقتراض مقلّص إلى 12 تريليون دينار بدلًا عن 41 تريليون
ومن المفترض بحسب الكاظمي أن يُقدَّم مشروع قانون الموازنة خلال مدة أقصاها شهر واحد، وخلال الأسبوع الحالي، بحسب مصادر حكومية.
اقرأ/ي أيضًا: اللجنة المالية: الحكومة تنشر "الذعر".. وستلجأ إلى خفض رواتب الموظفين
حديثُ الكاظمي دق جرس إنذار مبكر دون إعطاء المزيد من الوقت لالتقاط الأنفاس، ويقول مصدر نيابي طلب عدم الكشف عن نفسه، إن الكاظمي ممتعض من مجلس النواب بسبب تصويت الأخير على قانون اقتراض مقلّص إلى 12 تريليون دينار بدلًا عن 41 تريليون كما أرادت الحكومة"، مبينًا في حديث لـ"ألترا عراق" أن "الكاظمي حاول إحراج مجلس النواب مرةً أخرى وتحميله مسؤولية تأخر رواتب الموظفين".
النفط والمشاريع
جرى الحديث عن استمرار تدني أسعار النفط وبالتالي تأثر ليس الرواتب فحسب بل المشاريع الاستثمارية والتنموية، أي الشق المتعلق بالموازنة الاستثمارية غير التشغيلية، وقد واجهت حكومة حيدر العبادي أزمة اقتصادية وفعّلت موازنات تقشفية أُهمل بسببها الجانب الاستثماري.
ولا زالت الموازنة حتى الآن غير متضحة المعالم وقد تبقى لوقت أطول خاصةً مع حديث اللجنة المالية النيابية عن حاجتها لشهر أو أكثر لتدقيق أبواب الصرف والإيرادات وغير ذلك مع مناقشة الجهات الحكومية المعنية.
توقع مقرر اللجنة أحمد الصفار مع حالة عدم الاستقرار في أسعار النفط أن يتم تقدير سعر البرميل في بناء الموازنة على 45 دولارًا للبرميل، وهو الحد الأعلى للأسعار في الوقت الحالي، على عكس ما جرت عليه العادة في أن يتم احتساب سعر البرميل بأقل من الأسعار الآنية.
فيما توقع بنك باركليز البريطاني بلوغ سعر خام برنت القياسي 53 دولارًا للبرميل خلال عام 2021 "بناء على ضبط الإنتاج من قبل أوبك وحلفائها، واستنادًا إلى لقاح محتمل لفيروس كورونا الذي سيعزز يعزز الطلب في النصف الثاني".
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي مازن الأشيقر في حديث لـ"ألترا عراق" إن "سعر برميل النفط من المستحيل أن يصل إلى خمسين دولارًا، بل أنه قد يهبط إلى الثلاثينات"، ذلك ليس بسبب جائحة كورونا فقط بل تطورات الاقتصاد العالمي وتقليل الاعتماد على النفط، لكن مستشار رئيس الحكومة المالي مظهر محمد صالح يقول إن موازنة 2021 احتسبت سعر برميل النفط بين 40 إلى 43 دولارًا.
وبسبب الأزمة الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، يدعو الأشيقر إلى الانسحاب من منظمة أوبك لأن "وجوده حاليًا مضّر مع حاجته الماسة للأموال".
ويقترح الأشيقر توقيع عقود طويلة الأمد مع دول كبرى كالصين واليابان، إذ بإمكان العراق بحسب الخبير الاقتصادي "تصدير 6 ملايين برميل لولا الالتزام باتفاق أوبك لتخفيض الإنتاج".
وتماشيًا مع واقع الحال، أعلنت وزارة التخطيط الانتهاء من إعداد الشق الاستثماري ضمن موازنة 2021 التي يفترض أن ترسل بحسب بيان الوزارة في غضون شهر.
وقالت الوزارة إن "التركيز سيكون على الجانب التشغيلي في الموازنة بسبب قلة الإيرادات المالية والتي ستنتج مشكلة كبيرة في موازنة 2021 بجانبها الاستثماري"، مؤكدة عدم وجود أية مشاريع جديدة ضمن الموازنة، والأولوية هي للمشاريع المستثمرة".
اقتراض جديد
تأكيدات متواصلة ترد اللجنة المالية النيابية آخرها ما وصفته بـ"كتاب تأييد" للحكومة بإرسال مشروع قانون موازنة 2021، إذا تأخّر إرسال القانون أكثر من شهر بحسب اللجنة، وكان قانون تمويل الانتخابات المرسل من الحكومة دافعًا لاعتقاد عضو اللجنة هوشيار عبد الله بأن الحكومة ليس لها نية بإرسال الموازنة، التي من المفترض أن تتضمن إدراج تخصيصات الانتخابات.
حذّر العديد من الخبراء من خطورة استمرار الحكومة بالاقتراض، وتحدثوا عن التداعيات السلبية على الاقتصاد العراقي ومستقبل النظام السياسي المهدد بالانهيار
يأتي ذلك وسط توقعات بوصول نسبة العجز في موازنة 2021 إلى أكثر من 50%، وهي نسبة مرتفعة بحسب مقرر اللجنة المالية النيابية أحمد الصفار، وقد تكون مختصرة وذات نفقات قليلة على أمل تعظيم الموارد كما قال الستشار المالي لرئيس الحكومة، مظهر محمد صالح، الذي رغم تأكيده تأمين الموازنة لرواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية وبعض من المشاريع الاستثمارية، إلا أنه لفت إلى إدراج وزارة المالية بندًا لاقتراض ثالث يسد العجز المالي.
مخاطر محدقة
حذّر مرارًا، العديد من الخبراء وأعضاء مجلس النواب، من خطورة استمرار الحكومة بالاقتراض، وتحدثوا عن التداعيات السلبية على الاقتصاد العراقي ومستقبل الأجيال، بل مستقبل النظام السياسي المهدد بالانهيار، وقد أشار خبراء إلى إمكانية تفسّخ الدولة حال إعلان إفلاسها، فيما يستبعد غيرهم الإفلاس طالما هناك نفط يتدفق بغض النظر عن هبوط الأسعار التي ليس من المؤكد أن ترتفع إلى المستويات السابقة مع نجاح لقاحات فيروس كورونا وعودة الأنشطة السياحية والتجارية تدريجيًا.
اقرأ/ي أيضًا: خبير قانوني يقدم مقترحًا بـ4 خطوات لإعادة 500 مليار دولار مهربة للخارج
مؤخرًا، سلّط النائب محمد صاحب الدراجي في مقالة تابعها "ألترا عراق" الضوء على القضية "الأخطر"، وهي احتمالية الاقتراض في عام 2021، إذ يصف الدراجي الاقتراض الداخلي تعبيرًا مجازيًا كون المصارف العراقية غير قادرة على إقراض الحكومة بسبب معاناتها من نقص السيولة، لذا يقوم البنك المركزي ـ والحديث للدراجي ـ بإصدار حوالات خزينة للمصارف الحكومية لتعطيها بالتالي للحكومة لسد العجز.
مع هذا الأسلوب في الاقتراض يكون أمام البنك خيارين، يقول الدراجي، إن "لأول هو استخدام الخزين الاحتياطي من العملة الصعبة وتحويله إلى دينار عن طريق زيادة مبيعات نافذة بيع العملة، والثاني هو طبع للعملة العراقية دون غطاء مقابل لها من الذهب أو العملة الصعبة".
وخلاصة نتائج هذا الإجراء بحسب النائب هو "الوصول إلى الانهيار التام من خلال إما افلاس احتياطي البنك المركزي أو فقدان السيطرة على سعر الصرف دون الاستعداد لذلك وحماية الطبقات الهشة في المجتمع وبالتالي وفي ظل ضعف سلطة وهيبة الدولة يمكن أن ينهار النظام السياسي بسهولة في ظل هاتين المعضلتين".
بدوره، كشف الخبير الاقتصادي مازن الأشيقر عن وجود نية لدى الحكومة بتخفيض رواتب الموظفين بنسبة كبيرة مع زيادة في حجم الضرائب المفروضة على السلع والخدمات، مؤكدًا في حديث لـ"ألترا عراق" وجود صعوبات في دفع الرواتب "التي قد لا تؤمّن إذا بقي الاعتماد على هذا النوع من الموازنات".
فيما رجح مقرر المالية النيابية أحمد الصفار "إمكانية حصول نفس المشاكل المتعلقة بتأخير توزيع الرواتب بداية العام المقبل نتيجة لعدم إرسال الموازنة في موعدها المحددة، الأمر الذي أكده رئيس اللجنة هيثم الجبوري في تصريح تلفزيوني تابعه "ألترا عراق".
رجّح كذلك، مصدر نيابي طلب عدم الكشف عنه اسمه، حدوث معركة جديدة بين الحكومة ومجلس النواب بسبب فقرة الاقتراض ما يعني أن الرواتب لن تُدفع بموعدها في شهر كانون الثاني".
رجّح مصدر نيابي، حدوث معركة جديدة بين الحكومة ومجلس النواب بسبب فقرة الاقتراض ما يعني أن الرواتب لن تُدفع بموعدها في شهر كانون الثاني
وقال المصدر في حديث لـ"ألترا عراق" إن "المجلس قد يحل نفسه تمهيدًا لإجراء الانتخابات المبكرة بعد أن يقر موازنة 2021، وسيرفض تمرير الاقتراض وتحمّل مسؤولية الديون، وهو بذلك سيجعل الحكومة في حيرة بمسألة دفع رواتب الموظفين، وإحراج الكاظمي ومنعه من استثمار الأموال انتخابيًا".
اقرأ/ي أيضًا: