شغلت إدانة معلم قرآن في أحد مساجد مدينة الرمادي باغتصاب طفلين، مواقع التواصل العراقية، وتداول العشرات حكمًا قضائيًا بالسجن مدى الحياة بحقه، وسط مطالبات بتشديد العقوبة بالنظر إلى معلومات عن اعتداءات جنسية طالت أطفالاً آخرين في ذات المسجد على مدى سنوات.
اعتقل العاني منتصف آب الماضي وفق دعوى تقدم بها ذوو طفلين شاركا في دورة لحفظ القرآن في مسجد "حي المعلمين"
وصدر الحكم عن محكمة جنايات الأنبار يوم الثلاثاء 12 أيلول/سبتمبر، بحق معلم القرآن "حكمت رجب العاني"، الموقوف منذ منتصف آب/أغسطس الماضي بـ "جريمة اللواط بطفلين"، استنادًا إلى قانون العقوبات 111 لسنة 1969.
عشرات الأطفال ربما!
وتشير معلومات تداولها نشطاء إلى أنّ حوادث الاعتداء الجنسي طالت ربما "عشرات الأطفال" أثناء "دورات لحفظ القرآن" كان يشرف عليها العاني بشكل دوري في مسجد "حي المعلمين"، لكن عوائلهم لا تريد رفع دعاوى قضائية لأسباب عشائرية ومجتمعية.
ولم يصدر الوقف السني، المسؤول عن المسجد وموظفيه ورجال الدين، أي تعليق حول الحادثة لكن "الترا عراق" علم أنّ الوقف كان يتابع تطوراتها منذ اعتقال العاني قبل نحو شهر.
ويقول مسؤول على صلة بالقضية، إنّ "المتهم بحادثة اغتصاب الطفلين المدعو حكمت رجب عبد الله العاني ليس رجل دين، أو شيخ، أو عالم، أو خطيب ديني، بل مجرد موظف في الوقف يعمل بصفة معلم أو خادم مؤذن في جامع حي المعلمين".
"حاول فقط"!
ويضيف، أنّ "العاني كان مكلفًا بأداء دورات لحفظ القرآن داخل الجامع، حيث المكان مراقب بمنظومة كاميرات، كما هو الحال في بقية الجوامع في محافظة الأنبار"، مبينًا أنّ "الوقف أرسل لجنة إلى مديرية مكافحة الإجرام لمتابعة القضية، حين علم باعتقال العاني قبل نحو شهر، لكن اللجنة لم تستطع لقاء المتهم، وحصلت فقط على تأكيدات باعترافه بالاتهامات المنسوبة إليه في حادثة الطفلين".
ينفي مسؤول في الوقف السني وقوع حادثتي "الاغتصاب" داخل المسجد في الرمادي ويؤكّد عدم تسجيل شكاوى أخرى
ويشير المسؤول في الوقف السني، إلى أنّ "المعلومات المفهومة من التحقيقات تبين أنّ العاني لم يمارس الاعتداء الجنسي، بل حاول فقط، وبما وقعت هذه المحاولات خارج المسجد".
ويقول أيضًا إنّ شقيق المدان الذي يعمل في المسجد نفسه "نفى الاتهامات عن شقيقه"، فيما ينفي بدوره تسجيل شكاوى أخرى من عائلات الأطفال الذين اشتركوا في الدورات الدينية على يد العاني خلال السنوات السابقة.
في ذات الوقت أشار إلى أنّ الوقف "سيتخذ الإجراءات الإدارية في القضية بطرد العاني من وظيفته"، كما أكّد دعم الطفلين وعائلتيهما عبر "إرسال شخصيات دينية للمؤازرة، وحثهم على مواصلة الإجراءات القانونية بحق المدان".
المؤبد "لا يكفي"
بالمقابل قالت الناشطة إيناس كريم إنّ العاني "كان ينظم 12 دورة كلّ عام يشارك في كلّ واحدة منها نحو 50 طفلاً، 10 منهم يتعرضون للاغتصاب على الأقل، وفقًا لاعترافاته".
وأضافت عبر حسابها في فيسبوك إنّ "أهالي الضحايا يطالبون بإعدامه"، لكن عقوبة الإعدام غير ممكنة بموجب أمر سلطة الائتلاف للحاكم المدني رقم 31 لعام 2004، الذي استبدل عقوبة الإعدام في "جريمة اللواط" بالسجن مدى الحياة.
وفي هذا الصدد يقول الخبير القانوني محمد السامرائي لـ "الترا عراق"، إنّ "اللواط مع الأطفال دون سن البلوغ، ومع الأقارب، وبالنظر إلى أنّ المجرم موظف أو مكلف بخدمة عامة توجب مهنته التعامل مع من هم دون سن البلوغ، تعد ظروف مشددة توجب فرض أقصى عقوبة وهي السجن مدى الحياة".
يتفق خبراء في القانون ونشطاء على ضرورة تشديد العقوبات في جرائم اغتصاب الأطفال ذات الظروف المشددة
ويضيف، أنّ "القضاء حكم على المجرم بعقوبتي السجن مدى الحياة، ويتم تنفيذ إحداهما"، مشيرًا في الوقت ذاته إلى "ضرورة إعادة العمل بعقوبة الإعدام لجرائم اللواط ذات الظروف المشددة لتكون رادعًا للأنفس المريضة التي ترتكب هذه الجريمة البشعة".
الحكم لن يتغير
ويوضح الخبير القانوني، أنّ تعدد الشكاوى "بحق المجرم لن يغير العقوبة"، التي بلغت أقصاها وفق المادة 393 من قانون العقوبات بـ "السجن مدى الحياة ولحين الوفاة"، مبينًا أنّ هذه العقوبة "لم تكن موجودة أساسًا في أدبيات القانون الجزائي العراقي، إلاّ بعد أن أوجدها الحاكم المدني الأمريكي بعد عام 2003، حيث كانت العقوبة تسمى السجن المؤبد، وتعني السجن لمدة 20 عامًا فقط، وفي حاله تعدد الأحكام تنفذ بالتعاقب، لكنها لن تزيد على 25 عامًا في جميع الأحوال".
وحلت العقوبة، وفق السامرائي، بدلاً من حكم الإعدام التي كان ينص عليها قرار مجلس قيادة الثورة في ظل النظام السابق.
ويرى السامرائي، أنّ "المشرع العراقي مطالب بتعديل نص المادة 393 من قانون العقوبات، بإلغاء تعديلها الذي قرره الحاكم المدني، وإعادة العمل بعقوبة الإعدام في حالة توفر الظروف المشددة، ومنها ارتكاب الجاني لعدة جرائم لواط واعتداء جنسي بحق أطفال هم تحت مسؤوليته ورعايته بحكم طبيعة عمله، حتى تكون العقوبة رادعة".
كما يشير إلى أهمية "فرض معايير لاختيار معلمي الأطفال والموظفين في المساجد من قبل إدارات الأوقاف، وفرض رقابة صارمة لمنع مثل هذه الجرائم".