ألترا عراق ـ فريق التحرير
في مثل هذا اليوم، وقبل 18 عامًا، دخلت 49 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بغداد، في معركة استمرت من 19 آذار/مارس إلى 1 آيار/مايو 2003، انتهت بالسيطرة على العاصمة والمراكز المهمة في أرجاء البلد، فيما رافقها أعمال نهب وسطو مسلح على البنوك ودوائر الدولة، في الوقت التي وقفت حينها القوات الأجنبية متفرجة على تلك الفوضى والتي ساهمت بشكل كبير في تدمير البنى التحتية للبلاد.
في جرة قلم أنهى بريمر أقوى جيوش المنطقة وهو الجيش العراقي ليدخل البلاد في دوامة من الفوضى
في 6 أيار/مايو 2003 عيّن الرئيس الأمريكي جورج بوش، الدبلوماسي بول بريمر، بدلًا من الجنرال المتقاعد جاي غارنر، ليحلَّ حزب البعث والجيش والمؤسسات العراقية، متسببًا بدخول العراق في دوامة حروب لا تنتهي، بحسب مراقبين. ووصل بريمر إلى بغداد يوم 12 أيار/مايو 2003 ليعمل مشرفًا على شؤون العراق بوصفه المبعوث الشخصي للرئيس جورج بوش الابن، بمساعدة عدد من السفراء والجنرالات الأمريكيين.
اقرأ/ي أيضًا: قرار حل الجيش العراقي.. تفريخ المحاصصات!
وسطر بريمر اسمه في التاريخ ثلاث مرات في غضون شهر، بحسب ما يرى السياسي والصحفي الليبي مصطفى الفيتوري، قائلًا إن "بريمر تم تعيينه رئيسًا لسلطة الائتلاف المؤقتة (CPA)، وهي الإدارة التي أدارت العراق بعد احتلالها من قبل الولايات المتحدة في نيسان/أبريل 2003، وهذا ما دفعه إلى أن يكون أقوى مواطن أمريكي خارج الولايات المتحدة لا يشبه إلا الجنرال دوجلاس ماك آرثر الذي قاد قوات الاحتلال الأمريكية في اليابان بعد هزيمته في عام 1945".
ويضيف الفيتوري في مقال مطوّل اطلع عليه "الترا عراق"، أنه "بعد أسبوع صنع التاريخ مرة أخرى عندما وقع الأمر رقم 1 بحظر حزب البعث في العراق، وإطلاق ما أصبح يعرف باسم اجتثاث البعث من المجتمع العراقي".
وعن قراره الثالث الذي يعتقد الفيتوري أنه أهم القرارات التي اتخذها الحاكم الأمريكي، أنه "في 23 أيار/مايو 2003 دخل حيز التنفيذ أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 2 المسمى سلطة التحالف المؤقتة رقم 2؛ حل الكيانات (حل الجيش العراقي) بأكمله ووزارة الدفاع، ووزارة الدولة للشؤون العسكرية والمؤسسات الاستخباراتية وكل جهاز الأمن".
في جرّة قلم أنهى بريمر أقوى جيوش المنطقة، ليدخل البلاد في دوامة من الفوضى، فيما اتخذ قرار حل الجيش قبل أن تدخل القوات الأمريكية إلى العراق، بحسب ما يرى مدير المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية معتز محي.
ويضيف محي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الرؤية الأمريكية كانت ترى أن الجيش العراقي تابع إلى النظام السابق وأنه سوف يقاوم موضوع الاحتلال ويبقى يدافع عن مؤسسات النظام ولهذا يجب ان يحل، ليس فقط الجيش بل كافة المؤسسات الأمنية".
وهذا ما يشير إليه الحاكم المدني في كتابه (عام قضيته في العراق) إلى أن الإدارة الأمريكية أبلغته بقرار اجتثاث البعث قبل التحاقه بوظيفته في بغداد، بعد أن أطلعه وكيل وزير الدفاع دوغلاس فيث على مسوّدة خاصة بـ"اجتثاثه من المجتمع العراقي"، وفي ذات الكتاب يعترف بريمر بأن "الجيش العراقي ليس كله سيئًا، فالعديد من العراقيين خدموا بشرف منذ أجيال في القوات المسلحة" لكن جميع القوى الممثلة في مجلس الحكم أجمعت على حله.
ويتابع محي، أن "محاولة إعادة بناء الجيش من جديد بعد إبعاد الضباط الموالين لنظام صدام، الأمر الذي تسبب بارتباك أمني كبير جدًا، وتدخل خارجي وظهور حالات العنف والإرهاب التي شغلت العراق فترة طويلة"، مستبعدًا وجود تدخل إقليمي بقرار حل الجيش العراقي قائلًا "كان قرارًا أمريكيًا متفقًا عليه وهو ضمن استراتيجيتها بدخول العراق لإعادة تأسيس جيش عراقي جديد".
يقول خبير أمني إن جميع الأحزاب السياسية العراقية بما فيها التي تمتلك خلفية أيديولوجية لم تكن تؤمن ببناء جيش قوي محترف ومستقل عن المؤثرات الحزبية
بريمر، يشير في كتابه إلى تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية بعنوان (مشروع مستقبل العراق) الذي جاء فيه أن "جيش المستقبل في العراق لا يمكن أن يكون امتدادًا للجيش السابق الذي أصبح أداة لخدمة الدكتاتورية"، وبعد ثلاثة أشهر على القرار التاريخي، بدأ قائد قوات التحالف في العراق الجنرال ريكاردو سنشيز بالدفع باتجاه قوة تتعامل مع أعمال التمرد المستمرة، مما قاد إلى أمر سلطة الائتلاف المرقم 22 في آب/أغسطس الذي خوّل تأسيس جيش عراقي جديد، وفي الشهر التالي، تأسست فرقة الدفاع المدني بموجب الأمر المرقم 28.
اقرأ/ي أيضًا: في ذكرى الاحتلال.. أمريكا تحاور العراق على وجودها
ويصف الخبير الأمني أحمد الشريفي قرار بريمر بـ"الخاطئ والممنهج لتدمير البنى التحتية للجيش العراقي، مستدلًا بـ"شواهد من الأيام الأولى للاحتلال والتي أفرطت بتدمير كافة البنى التحتية بما فيها الرادارات في المطارات المدنية".
وفي حديث لـ"ألترا عراق"، يقول الشريفي، إنه "كانت هناك مبالغة كبيرة وانتقام في تدمير البنى التحتية لأضعاف قدرات الدولة، لأن الجيش هو الأداة الضامنة لسيادة الدولة"، لافتًا إلى أن "المؤسف بالأمر أن الأحزاب السياسية انساقت خلف هذا القرار لتأسيس نظام سياسي جديد".
ويؤكد الحاكم المدني الأمريكي السابق في العراق بول بريمر، أن "قرار حل الجيش العراقي اتخذ بالتشاور مع سياسيين محلين وكبار المسؤولين في لندن، وأنه لم يكن هناك أي رفض للفكرة من الجانب البريطاني".
ويقول الشريفي، عن إعادة بناء الجيش مرة أخرى، إن "جميع الأحزاب السياسية العراقية بما فيها التي تمتلك خلفية أيديولوجية لم تكن تؤمن ببناء جيش قوي محترف ومستقل عن المؤثرات الحزبية، وضمنًا لحصانة الجبهة الداخلية والخارجية"، موضحًا أن "الأحزاب السياسية ذهبت إلى المحاصصة التي قصمت ظهر المؤسسة العسكرية والأمنية وجعلتها ضعيفة، فضلًا عن شراء الذمم وإطلاق يد الفاسدين".
ويشدّد الشريفي على أنه "لا يمكن بناء جيش قوي قادر على تأدية دوره الوظيفي في حماية سيادة البلد وحدوده، إلا أن يكون مستقلًا بعيدًا عن الأحزاب السياسية وهذا الأمر لا يتحقق في ضل النظام السياسي الحالي، لأنه لا يؤمن أساسًا بدولة المؤسسات، ويرى أن الأحزاب تمتلك صفة الفوقية في التحكم بالمؤسسات وأن تكون تابعة لها".
في حزيران/يونيو 2003 بدأت سلطة الائتلاف العمل على تجميع جيش عراقي جديد، وتم تنسيب الجنرال بول أيتن مسؤولًا عن مهمة التدريب الجديدة، لكن سرعان ما اكتشف الجنرال أيتن بان سلطة الائتلاف والجيش الأمريكي غير مهتمين كثيرًا بشأن إعادة بناء الجيش، وبحسب تقارير صحفية، فإن كل ما حصل عليه هو عرض سلايد من 24 صفحة من القيادة الأميركية المركزية و173 مليون دولار، فضلًا عن كادر من خمسة أشخاص.
يقدر خبير أمني عدد الضباط الدمج في المؤسسة العسكرية بـ 40% من مجموع الضباط في المؤسسة العسكرية العراقية
الفراغ العسكري الذي خلفه حل الجيش العراقي سمح بتكوين ميليشيات داخل المؤسسة العسكرية الجديدة، مما جعلها رهينة الأحزاب السياسية، حيث يرى الخبير العسكري مؤيد الجحيشي، أن "الأمريكان تواطئوا مع الأحزاب السياسية العراقية في تدمير المؤسسة العسكرية".
ويضيف الجحيشي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "إضعاف الجيش الرسمي للدولة كان مخططًا له في تكوين ميليشيات مسلحة، حيث تمّ تشكيل قوات الشرطة الاتحادية بموافقة الجانب الأمريكي"، لافتًا إلى أن "القوى السياسية كانت تخاف من أن تعاد العقيدة العسكرية للجيش ليدبر انقلاب عليهم، لذا بادروا بتشكيل قوات رديفة في الداخلية مسلحة بأسلحة شبيهة، بأسلحة وزارة الدفاع".
اقرأ/ي أيضًا: 18 عامًا على الغزو الأمريكي.. تحولات المقاومة وتبادل أدوار الأطراف الثلاثة
وعن مرحلة إعادة بناء الجيش يقول الجحيشي إن "بعض الضباط المهنيين كانوا يحاولون إعادة بناء جيش قوي، مستدركًا "لكن الإرادة السياسية كانت أقوى منهم بحيث تم إدخال ما يعرف بالضباط الدمج، وهم عناصر لم يدخلوا الكلية العسكرية وتم تنسيبهم إلى المؤسسة العسكرية والأمنية بحسب الولاء الحزبي".
وقدر الجحيشي عدد الضباط الدمج في المؤسسة العسكرية بـ 40% من مجموع الضباط في المؤسسة العسكرية العراقية.
في تشرين الأول/أكتوبر 2020 أعاد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي فتح ملف ضباط الجيش العراقي، الذين أقصتهم الحكومات السابقة عن الجيش، الذي تم حلّه بقرار من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر عام 2003، ويحاول الكاظمي إعادة شريحة كبيرة منهم، وتعزيز المؤسسة العسكرية بخبراتهم العسكرية، في خطوة لاقت ترحيبًا، إلا أن مسؤولين قللوا من قدرة الحكومة على إنفاذ القرار، سيما أن قوى سياسية ستعمل على رفضه.
اقرأ/ي أيضًا:
9 حقائق هامة ينبغي ألا ننساها عن الغزو الأمريكي للعراق
جردة حساب في مواجهة الاحتلال الأمريكي.. كيف انقسمت المقاومة العراقية طائفيًا؟