لم تنتهي الحرب حتى سقط آلاف القتلى في الموصل، بين قصف وقنص وتفجير، حيث لقي نحو 9 – 11 ألف شخص مصرعهم وفق الإحصائيات غير الرسمية لمعارك تحرير الموصل في 2017، التي كشفت عنها تقارير صحافية موثقة.
بلغ عدد قتلى معركة الموصل نحو 11 ألف شخص دفن الكثير منهم في باحات منازلهم، فيما تكلف عملية نقلهم إلى المقابر الرسمية أموالًا طائلة
المعارك الضارية التي كانت تدور رحاها في أزقة الموصل وشوارعها، لطرد تنظيم "داعش" دفعت الأهالي إلى دفن ضحاياهم داخل حدائق المنازل وبحاتهم الخلفية، مع عدم القدرة على التحرك أو نقلها إلى المدافن خلال الحرب التي امتدت لعشرة أشهر ابتداءً من تشرين الأول/أكتوبر 2016 حتى تموز/ يوليو 2017.
اقرأ/ي أيضًا: أرقام وأحداث مروعة.. تفاصيل جديدة عن فظائع داعش بحق الإيزيديين
بعدها شرع الأهالي بنقل جثامين ذويهم إلى مقبرتين عامتين في الموصل، لترهقهم أجور الدفن والقبور خاصة أولئك الذين فقدوا عددًا كبيرًا من ذويهم وأقربائهم، قبل أن تأتي حادثة العبارة الغارقة، التي راح ضحيتها نحو 116 شخصًا حتى الآن، بينما لا يزال مصير العشرات مجهولًا، قبل أقل من شهر.
وعلى الرغم من الكلفة الباهظة، في ظل ظروف اقتصادية سيئة يعيشها الموصليون منذ انتهاء الحرب، فإن المقابر ليست أفضل حالًا من الحدائق وباحات المنازل، فهي الأخرى تعرضت لتهديم القبور والشواهد المرتفعة خلال سيطرة تنظيم "داعش".
أبو يونس رجل في عقده السادس، دفن 17 فردًا من عائلته في حي السماح بالجانب الشرقي من الموصل، تحت نيران القصف والمعارك، في ساحة كانت مخصصة لجمع النفايات أمام منزله بشكل مؤقت.
يروي أبو يونس لـ "ألترا عراق" حادثة مصرع أفراد العائلة، حينما فر شقيقه وزوجته وأربعة من ابنائه، من الجانب الغربي في ظهيرة أحد أيام شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016، من الجانب الغربي الذي لم تكن قد بدأت المعارك فيه إلى الجانب الشرقي الذي كان يدور القتال فيه.
يقول، إن "هدفهم كان التحرر من قبضة تنظيم داعش سريعًا، وعدم انتظار وقت أطول، حيث علم الجميع أن معركة الجانب الغربي (الأيمن) سيستغرق وقتًا طويلًا". لكن الموت كان أسرع إليهم، حيث لم تمر سوى ساعات حتى اشتدت المعارك في الحي الذي كانوا فيه، وسط قصف عنيف، ليطالهم صاروخ طائرة اسفر عن مقتل شقيقه وزوجته واثنين من أبناء أخيه ونسائهم واثنين من بناته وزوجته، وأطفال الأسرتين، ولم ينجو أحد سواه واثنين من أبناء شقيقه.
يبين الرجل الموصلي، أنه لم يتمكن من نقل رفات إلى المقبرة النظامية حتى بعد مرور عام على انتهاء المعارك، لعدم قدرته على تحمل تكاليف دفنهم في واحدة من المقبرتين اللتين تضمهما الموصل.
اكتظت مقبرتا الموصل بالموتى الذين تفوق كلفة دفن أحدهم 300 ألف دينار، في ظل أزمة اقتصادية يواجهها أبناء الموصل واستمرار حوادث الموت جماعي
أما حسين علي وهو موصلي فقد زوجتنه وابنته في حادثة غرق العبارة في 21 آذار/مارس الماضي، فقد اضطر إلى التخلي عن مجلس العزاء لتأمين المبلغ الكافي لدفنهما، حيث تكلف عملية الدفن الواحد أكثر من 300 ألف دينار. يقول علي،: "إنه مبلغ كبير بالنسبة لرجل يعمل بالبناء وأجرته اليومية لا تتجاوز 10 آلاف دينار".
يقول أحد العاملين على حفر القبور يدعى حيدر لـ "ألترا عراق"، إن "الأمر ليس بالهين لأن هناك مقبرتين مكتظتين في الموصل، والمساحة المتبقية في مقبرة الكرامة أرضها صلبة، مما يتطلب آلية لفتح القبور، وليس المعاول فقط كما هو الوضع في مقبرة وادي عكاب".
بدورها شرعت منظمة محلية ترعاها سيدة بتقديم المساعدة لذوي الضحايا الذين سقطوا في حادثة العبارة. وأبلغت رئيسة المنظمة سمية الغانم "ألترا عراق"، بأنها تبرعت بهدف مساعدة ذوي ضحايا بكلفة حفر القبور لمن يحتاجها، مبينة أن "حفر القبور مرهق ماليًا لذوي الضحايا الذي يعانون من نكبة فقدان أحبائهم".
"داعش" والمقابر!
لم تسلم المقابر من الحرب، كما لم تسلم المنازل والشوارع والمباني والآثار، لكن أفدح الأضرار طالتها على يد تنظيم "داعش" خلال سيطرته على محافظة نينوى التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات.
يعتنق غالبية أبناء الموصل، الفكر الصوفي المعتدل، وهو ما يبيح لهم تشيد القبور بشكل مرتفع ووضع شواهد للدلالة على الموتى في المقابر. لكن الجزء اليسير من أتباع الفكر السلفي المتطرف يرفضون الفكرة، ووجدوا في سيطرة "داعش" فرصة سانحة لتدمير القبور المرتفعة عن الأرض والشواهد.
يقول أحمد وليد المحاضر الجامعي وأحد سكان الموصل، لـ "ألترا عراق"، إن "المقابر في الموصل دمرت في الغالب عندما قام تنظيم داعش بتخريبها وتكسير الشواهد، وحتى الآن هناك عائلات غير قادرة على إعادة بناء القبور بسبب أسعارها الباهظة".
ولم يكتف التنظيم بتدمير مقابر الموصل، وإنما أقدم على تجريف مقبرة تلعفر، إلى الغرب من المدينة، والتي كانت تضم رفات مواطنين من الشيعة. تظهر الصور التي التقطها "الترا عراق" المقبرة التي أضحت أثرًا بعد عين.
يقول أحد شيوخ عشيرة الموسويين في تلعفر، حسن الموسوي، لـ "ألترا عراق"، إنه "لم يعد يعرف أحد أين كانت قبور المدفونين لأن التنظيم جرفها بالجرافات وجعلها طريقًا لعبور العجلات". لكن الأهالي حاولوا بعد عودتهم من رحلة النزوح، وضع شواهد جديدة وقطعوا الشارع مجددًا احترامًا لم يثوي تحت تلك الأرض.
دمر تنظيم "داعش" المقابر العامة في الموصل وجرف واحدة للشيعة في تلعفر، كما أقدم على تدمير مراقد ومقامات الأنبياء والأولياء في مدن نينوى وأبرزها مرقد النبي يونس
لم تكن مراقد ومقابر ومقامات الأنبياء والأولياء أفضل حالًا من المقابر العامة، إذ عمد التنظيم المتطرف إلى تدميرها بالتفجير والجرف، وأبرزها مرقد النبي يونس، والنبي جرجيس في الموصل.
اقرأ/ي أيضًا: