03-ديسمبر-2019

يتعرض المشاركون برسومات في ساحة التحرير إلى تهديدات من الميليشيات (الترا عراق)

أول ما يبهر القادمين الى ساحة التحرير، نفق السعدون، الذي لا علاقة له بجملة "لا ضوء في آخر النفق"، التي تردد في نشرات الأخبار لوصف حال الازمة العراقية، فالنفق مضيء من أوله الى آخره، وجدرانه مطرزة بالألوان والرسوم والكلمات التي تعبر عن اللحظة العراقية ومطالب المتظاهرين وهمومهم ورسائلهم إلى السلطة.

كل الأعمال الفنية في ساحة التحرير أدت وظيفتها بالشكل المطلوب وحتى لو تم تدميرها أو حذفها ستكون عالقة بأذهان الناس

يخال للمتجول في النفق أن جمعًا من فناني "الغرافيتي" اتفقوا على أن يكون مظهرًا متناسقًا وملائمًا ويحمل رسائل موحدة، وكأن دعوة وجهت لهم، أن يتحول هذا النفق إلى جدار ترسم فيه كل رموز الثورة ودلالاتها ورسائلها ومنبر حر للفنانين العراقيين، وكأنهم يتذكرون مقولة الغرافيتي الشهير جارود كنتز: "بدلا من أن نهدم مبنىً قديمًا لماذا لا نرسم عليه بالغرافيتي ونسمّيه فنًا؟"، ليعرف بعد ذلك عن رسومات نفق السعدون بـ"غرافيتي التحرير" أو غرافيتي "الثورة".

 

يرى الفنان سنان حسين، الذي شارك في عدة رسومات على جدار النفق، أن "الفنانين العراقيين قدموا نموذجًا فريدًا من الرسوم، ولم يحصل ذلك في كل بلدان العالم"، متسائلًا "كيف لمجموعة فنانين من مختلف الطوائف والتوجهات أن يتقفوا على رسومات بهذا العمق والوعي ووحدة الرمزية؟!".

غرافيتي التحرير: الجدران تنطق

يعيش سنان حسين في الولايات المتحدة الأمريكية، قدم إلى العراق بالتزامن مع  الموجة الثانية للتظاهرات التي انطلقت في 25 تشرين الأول/أكتوبر.

وعن غرافيتي التحرير، يقول في حواره مع "الترا عراق": "أردت أن اتظاهر وأساند الثورة بصنعتي، كان هدفي من الرسم هو إعطاء الثورة طابعًا ملونًا، أردت قول كلمتي مثل الثوار، فقلتها على الجدران، رفضت مثلهم كل حالات القمع والوحشية التي تتعامل بها السلطة".

وحول رسائل "غرافيتي التحرير" يرى حسين، أن "الرسومات نادت أيضًا بالسلمية، كانت ضد العنف وضد الظلم، الجدران تنطق أيضًا.. الغرافيتي قال كلمته وأوصل الرسالة"، مشيرًا إلى أن "الرسومات لن تموت مثل الثورة.. حتى تحقيق مطالبها".

يضيف الفنان العراقي أن "ما حدث في التحرير من فعاليات فنية وثقافية، يضاهي كل ثورات العالم. ما يجري في ساحة التحرير هو حدث عظيم، وعند مروري أمام هذا الكم من اللوحات ينتابني شيء من الفخر والاعتزاز بهذه الطاقة الخلاقة التي كانت كامنة، ووظفها الرسامون بشكل يتماشى مع اللحظة القائمة للثورة، فأصبحت جدارية كبيرة جدَا، ولها تعبير خاص ومختلف يتفاعل معه أي شخص مار".

اقرأ/ي أيضًا: الشهيد القائد

يبين أيضًا أن "غرافيتي التحرير هو حالة انفعالية للحدث وهو تفريغ للطاقة المؤثرة التي كان تجسيدها عاليًا عند المواجهة بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب"، موضحًا أن "التفكير المسيطر في تلك اللحظة هو السؤال؛  كيف يقتل المتظاهرون وهم يطالبون بأبسط حقوقهم ولماذا هذا القمع؟ ولم يكن هنالك اهتمام بشيء آخر سوى الحدث بحد ذاته".

تتألف الصورة البنيوية لأعمال الفنان سنان حسين، من مجموعة من الجزيئات الغريبة والمعقدة، وعناصر مرئية متكررة وميزات ثابتة، يلحظها المتتبع في رسوماته، لتشكل هوية وأسلوبًا خاصًا يعرف به الفنان، كما في الشكل المتشابه للعيون، وشكل الوز الثابت، سواء للرجل أو المرأة وحتى للحصان أو السمكة، معللًا ذلك بـ "أنه يكسر الجدار الرابع، ويخلق هوية ومساحة مشتركة بين الرسمة والجمهور".

يقول حسين، إن حقيقة القضية التي يرسم لها، هي من تحركه وتشعل طاقته، مؤكدًا أن "لكل فنان مدرسته الخاصة.. والجمهور هو الذي يحق له تسمية اللوحة أو الرسمة، خاصة إذا كانت تحمل نصيبًا من الغموض، أو تعبيرًا عن مشاعر فردية ذاتية".

"غرافيتي التحرير" حدث عظيم جسد المواجهة بين المتظاهرين والسلطة و"الرسومات لن تموت مثل الثورة" 

وعن رسالة الرسومات وديمومتها في ساحة التحرير، يقول حسين إن "كل الأعمال الفنية في ساحة التحرير أدت وظيفتها بالشكل المطلوب، و حتى لو تم تدميرها أو حذفها، ستكون عالقة بأذهان الناس، وأنا متأكد أنها ستطبع وتعلق في بيوت العراقيين، لأنها رمز من رموز الثورة".

الميليشيات تطارد الرسامين..

بدوره، يتحدث التشكيلي باقر ماجد لـ "الترا عراق" عن تجربته الفنية في ساحة التحرير، حيث شاركت بعض أعماله في معرض للمعهد الثقافي الفرنسي.

ويقول ماجد، إنّ "ثورة تشرين كشفت عن نشوء جيل جديد في جميع المجالات، وخاصة الحركات الفنية والفكرية والأدبية، ومن بين أبرزها الغرافيتي".

ويرى ماجد، أنّ الفن الغرافيتي "ولد في العراق بالتزامن مع احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019، بعد أن كان مقتصرًا على محاولات خجولة لا تعبر عن القضايا الكبرى".

ويوضح ماجد، أنّ "فن الغرافيتي بات يعد أحد أهم أساليب الاحتجاج"، مبينًا أنّ هذا النوع من الفن بدأ يزعج السلطة، خاصة بعد تسليط الضوء عليه كتعبير عن المعارضة".

ويشير الرسام، الذي اضطر لاحقًا إلى مغادرة البلاد إثر تهديدات من جماعات مسلحة، إلى أنّ "الفنانين يواجهون تهديدات متواصلة من المليشيات المهيمنة على السلطة، بتهمة تلقي دعم من السفارات لتنفيذ الرسومات والفعاليات المتعلقة بالاحتجاجات".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رسالة من ساحة التحرير

في رفعة العلم