كمن يعاني من هبوط مفاجئ لنسبة السكر بالدم (برودة الجسم، شيء يشبه الارتجاف، الوقوف عند حافة الغيبوبة) هكذا أجد نفسي وأنا أدخل إلى عالم عمار كشيش. ما الذي من الممكن أن يفعله الشعر عندما تكون المرأة - سگيوه - تائهة حائرة، ضائعة ما بين السماء/ الله والأ رض/ وحيدة خليل والشهرة، وهي بين أوهام الحنجرة في الغناء. إذ يشكل الصوت الصادم جانبًا من العورة، مع توفر الدعوة للإفصاح عن المخفي، مجموعة أضداد، هناك سلطة العائلة/القبيلة، وهناك دعوة للخروج عن الممنوعات، هناك إرث وهناك نفق يؤدي إلى التمرد.
لا تقوم الكتابة إلا على أضرام النار بالمخلفات وكسر الأقفال وتخليص الحنجرة من لحظة الاحتباس
وعمار گشيش يكتب خارج سلطات الحياة /الكتابة، دعوات الشاعر للخروج عن المألوف ضمن مواجهة غير مضمونة النتائج/قد لا تحمد عقباها -كما يقال-وهناك انطلاق وإلغاء ولا توافق ما بين الاختلاف والخضوع. الكتابة /الحياة لا تقوم إلّا على أضرام النار بالمخلفات، وكسر الأقفال والمزاليج، وتخليص الحنجرة من لحظة الاحتباس.
الشعراء أجمعهم أو معظمهم يدعون إلى التمرد إلا من يحمل شعار القناعة كنز لا يفنى، فهم يمثلون التمرد والاختلاف، دعواتهم المنطلقة من معادن ثقافية مختلفة، ومن أفران حرارية لا تمتلك نفس المواصفات التي تنتج القصيدة ذاتها، بل يجب أن يكون الاختلاف من آياتها، وعمار گشيش الشاعر، أحد هؤلاء الشعراء الغاضبين، المتمردين الداعين إلى كتابة اللاتنتمي إلى أخواتها /القصائد التي يكتبها هو أو سواه من الشعراء.
وما بين تخريجات الأسماء (إسگيوه/إشگيوه)وما بين (ساقية/شقاء) وما بين التحريف و الاشتقاق و التصغير يتصاعد الواقع المطمور ما بين الساقية/الماء و الشقاء/الظلم،والقمع الواقع الجمعي كثيرًا ما لا يعلن عن محتوياته/ مخبوءاته تجنبًا للصدام الذي قد يحصل نتيجة الإعلان عن الضد.
وإذا ما كانت اللوحة /الرسمة التي تعود للرسامين العراقيين الأوائل /عبد القادر الرسام تحديدًا، حيث تتصاعد الانطباعية كفن تشكيلي أولي يرتبط بالواقع والطبيعة حيث يعمل الرسام على القبض على اللحظة الجمالية وتحنيطها، ليجد القارئ نفسة وسط تساؤل هل كان الشاعر انطباعيًا/ ناقلًا، محاولًا الحفاظ على جمالية ما سوف يذبل ويذوي، ويتلف و ينسى.. الشاعر يقف بالضد من الرسام الشاعر هنا ثائر وداعية للتغيير. الرسام هنا يحاول صناعة لحظة الموائمة مع الطبيعة/الحياة، التي تمثل جانبًا من واقع يمثل فعلًا حياتيًا لا شأن للرسام به.
عمار كشيش وبين تعدد الأقوال، وتعدد الشخصيات وتكسير زجاجية الزمن،وتصادم الأهواء والرغبات، وطموحات القصيدة في الكتابة المختلفة، لم تتمكن الشعرية من تفجير لحظة الفرز ليبقى القدر/المجتمع -الأم والعم وابن العم وابن الخال - كل من هؤلاء يمثل جانبًا من سلطة خانقة. لم تستطع وحيدة خليل رغم توفر الغوايات -البيت والنهر وعالم الغناء، وما ينتمي من المغريات لصناعة الانقلاب، لم تستطع أن توفر حالة من القناعة من أن الواقع أمر لا بد أن يستجيب للتغيير، لذا لم يكن أمام الشاعر و الشخصية الرئيسة -إسگيوه- إلا الجنون الذي يمثل ثغرة في جدار المجتمع /الممنوعات، لتظل البقرات وقدر الحليب الأبيض جدًا وسيلتها لمقاومة خنق المرأة.
طموح الكتابة وليس الكاتب فحسب، إذا ما تمكن المهتم بشأن الشعر كذلك، أن تكون كائنًا و ليست مادة جامدة.. طموح الكتابة هذا أنتج إشكالية ضرورة مغادرة النصوص السابقة،والذهاب إلى أهمية اكتشاف فعل كتابي مختلف. هذا ما يجد الشاعر عمار گشيش ذاته وسط عالم صاخب، عالم لا ينتمي إلى السكونية، عالم متقلب لا يعتمد القناعات في إنتاج تفاصيله.