أثار قرار مجلس الوزراء بتجديد عقد شركات الهاتف النقال العاملة في البلاد جدلًا نيابيًا، وأعاد إلى الواجهة الحديث عن مخالفات الشركات والديون التي بذمتها، والجوانب الفنية للعقد، فضلًا عن مستوى الخدمة المقدم وما تجنيه الدولة من عوائد مالية، فيما تحدث نواب عن شبهات فساد في ملف شركات الاتصالات، مطالبين بعرض الملف أمام جهة قانونية متخصصة بغية دراسته وإبداء الرأي فيه وفق القوانين النافذة.
خدمات شركات الاتصالات سيئة على مستوى الإنترنت والاتصال، حيث تعمل دول العالم بنظام 5G، فيما لم تنجز الشركات الـ3G بحسب خبير اقتصادي
وتكاد المواقف الرافضة لتجديد العقد أن تصل لشبه إجماع من الكتل السياسية والجهات ذات العلاقة، حيث طالبت لجنة الاتصالات والإعلام النيابية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإلغاء قرار تجديد عقود تراخيص شركات الهاتف النقال.
اقرأ/ي أيضًا: كتلة برلمانية تعترض على تجديد رخصة شركات الاتصالات: 10 مخالفات قانونية
قالت اللجنة في بيان صحفي اطلع عليه "ألترا عراق"، إن "تجديد عقود تراخيص شركات الهاتف النقال هدر في المال العام وتهاون واضح باستيفاء حقوق الدولة، والقرار يقضي باستيفاء نصف الديون الواجبة الدفع وجدولة المتبقي من الدين، وعدم محاسبة الشركات على مخالفاتها وتجاوزها على المال العام، مخالفة قانونية واضحة"، مبينةً أن "تجديد عقود تراخيص شركات الهاتف النقال يعتبر هدرًا في المال العام وتهاونًا واضحًا باستيفاء حقوق الدولة، وقرار استيفاء نصف الديون الواجبة الدفع وجدولة المتبقي من الدين إنما هو مخالفة قانونية واضحة، وعدم محاسبة الشركات على مخالفاتها وتجاوزها على المال العام يعد مخالفة قانونية واضحة".
فيما أشارت اللجنة إلى "وجود ضبابية وعدم وضوح بإعطاء الشركات تجديد المدة على أن تقدم خدمات الجيل الرابع، لافتةً إلى أن "شركتين على الأقل هي مخالفة لأصل التعاقد وليس لديها القدرة الفنية لتقديم الجيل الثالث الحالي فكيف تستطيع تقديم خدمة الجيل الرابع، وتأخير إطلاق الرخصة الرابعة لشركة جديدة منافسة من قبل مجلس الوزراء بدون أسباب موضوعية يعتبر قرار ضد مصلحة الدولة ومن مصلحة الشركات الحالية المتلكئة خاصةً بعد إكمال كافة الإجراءات والتعاقد مع شركة استشارية لهذا الموضوع".
في الأثناء، أوضح مصدر في هيئة الإعلام والاتصالات أن قرار مجلس الوزراء لا يعتبر تجديدًا نهائيًا، مبينًا لـ"ألترا عراق"، أن "تفاصيلًا فنية توجد في العقد يجب التحقق منها وبحثها بصورة موسعة من قبل الهيئة لتجديد العقود".
لكن الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، يرى أن "دخول شركات الهاتف النقال إلى البلاد منذ البداية كان بملفات فساد، معللًا ذلك بأن "العرض كان لصالحها منذ عام 2004، إذ منحوهم أجواء العراق بقدر أجواء لبنان، واليوم خدماتها سيئة على مستوى الإنترنت والاتصال، حيث تعمل دول العالم بنظام 5G، فيما لم تنجز الشركات الـ3G بشكل كامل، وهي تجني أرباح ضعف المبالغ التي تدفعها، إذ يوجد 37 مليون مشترك، فيما بلغ العقد في السنوات السابقة نحو 15 مليار".
ويضيف المشهداني لـ"ألترا عراق" أن "الشركات لم تسدد لغاية الآن المستحقات المالية، مثل ضريبة الدخل المباشرة وغير المباشرة، وهذه فرصة خلقتها الحكومة للشركات من خلال فرض ضريبة الاستخدام على كارت التعبئة، والتي كان من المؤمل أن تجني الدولة منها سنويًا نحو 2 ونصف مليار دولار، بينما يتحصل منها ما لا يتجاوز 600 مليون دولار، بسبب عدم تعاون الشركات بتقديم البيانات الخاصة بها، وتتراكم عليهم الديون منذ سنوات"، مشيرًا إلى أن "فسح المجال لشركات جديدة للمنافسة من القطاع الخاص أو شركات عالمية وتأسيس وزارة الاتصالات لشركة وطنية، هو الخيار الأجدى بدل التجديد، خاصة بظل وجود تفاهمات احتكارية بين الشركات، تتقاسم وفقها مناطق العمل جغرافيًا، وهذا ملاحظ منذ تأسسيها".
ويوضح المشهداني أن "المهم في آلية عمل شركات الاتصالات ليس شراكة الحكومة مع القطاع العام، بقدر ما العقود المبرمة والمستحقات الواجبة الدفع للدولة"، لافتًا إلى "وجود غياب لجمعيات الدفاع عن الأضرار البيئية جراء نصب الأبراج في المناطق السكنية، وعدم تحملها لأي تكاليف، فضلًا عن غياب الجهد الاجتماعي المفترض عليها ممارسته مثل الأعمال الخيرية".
خبير اقتصادي: كان من المؤمل أن تجني الدولة من الشركات سنويًا نحو 2 ونصف مليار دولار، بينما يتحصل منها ما لا يتجاوز 600 مليون دولار
وحول الملاحظات على العقد المبرم قال المهندس باسم حسن إن "عقود الرخصة تم منحها لشركات الهواتف الجوالة (زين، آسيا سيل، كورك) في عام 2007 لمدة 15 عامًا (2007 -2022)، وبقيمة (1.250) مليار دولار لكل رخصة، والآن تم التجديد لكل رخصة لمدة 5 سنوات يعني حتى عام 2027، والتمديد لمدة 3 سنوات يعني حتى عام 2030، وهذه فترات طويلة تمنح مصير ملف مهم مورد حيوي للدولة للشركات دون مراعاة الظروف والمتغيرات الآنية".
اقرأ/ي أيضًا: تعرّف على "المخاطر" البيئية والصحية لأبراج الاتصالات في العراق
ويشكل حسن على "استيفاء الديون على الشركات على دفعتين، الأولى 50% قبل توقيع هذا الاتفاق والـ50% الثانية خلال 5 سنوات ومن دون فوائد، مقدار رخصة التجديد والتمديد لـ8 سنوات 234 مليون دولار فقط تستوفى في قسطين الأول 134 مليون دولار والثاني في 5 سنوات ومن دون فوائد".
ويتسائل عن عدم ذكر "بيان رئاسة الوزراء قيمة وسعر عقد ترددات الـ4G، فيما يعتبر قيمة التمديد لـ8 سنوات (234) مليون دولار، والتقسيط من غير فوائد، غير عادل وفيه نوع من الغبن والإجحاف لحقوق الدولة".
وأضاف لـ"ألترا عراق" أن "كل الشركات في العالم تعطي نسبة مالا تقل عن 80٪ لخزينة الدولة، مثل فودوفون في مصر، شركة آسيا سيل وزين وكورك لديها أكثر 15 مليون مشترك، وبحساب بسيط لو أن كل مشترك صرف يوميًا 1000 دينار، فنحن نتكلم عن 450 مليار دينار شهريًا، من غير خدمات الإنترنت وغيرها من الحزم، ما يعني أن المستفيد الوحيد بعد الشركات ومالكيها، هي وبعض القنوات الفضائية التي تقوم بإبرام عقد إعلانات بمبالغ كبيرة، ليس لأجل الإعلان، بل لإسكات الانتقاد للشركات".
لحقَ موقف لجنة الاتصالات، رفض من لجنة النزاهة النيابية للقرار، فيما طالبت الكاظمي بـ"إدخال تعديلات أساسية ضمن شروط العقد المبرم مع الشركات، تتضمن رفع نسبة المشاركة في الأرباح المتحققة لصالح وزارة المالية".
بدورها، أشارت كتلة "صادقون" النيابية إلى أن "شركات الهاتف النقال متلكئة في تسديد ديونها"، متسائلةً "بدلًا من أن تحاسب يتم تكريمها بتمديد العقد؟".
وقالت في بيان صحفي أطلع عليه "ألترا عراق"، "نعترض على قرار مجلس الوزراء بشأن شركات الهاتف النقال المخالف للقانون، والظروف الاقتصادية تتطلب من الجميع التكاتف في محاربة الفساد لتعزيز إيرادات الدولة".
في الأثناء، يعتقد النائب محمد شياع السوداني، أنه لا يختلف اثنان على رداءة عمل الشبكات والمستوى المتدني من الخدمة التي لا ترتقي إلى ما في دول الجوار من خدمات الهواتف النقالة مع فرق كبير في أجور هذه الخدمة قياسًا بدول الجوار، متسائلًا "عن كيفية تجديد هذه العقود، وعدم نفتح مجال المنافسة للحصول على أفضل خدمة وأرخصها".
وحول تسديد ديون الشركات التي يشير الجميع إليها قال السوداني إنه "على الرغم من أحكام المادة (15) أولًا وثانيًا وثالثًا من قانون الموازنة 2019 لم تلتزم شركات الهاتف النقال بتسديد ما عليها من ديون متراكمة بلغت (ترليون دينار) وبأحكام قضائية، فضلًا على تأخرها في تنفيذ التزامات العقود التي أبرمتها في عام 2007 وهو ما يشير إليه قرار مجلس الوزراء يوم أمس".
وصف نائب تمديد رئاسة الوزراء لرخصة شركات الهاتف النقال، بنفس العوائد القديمة استمرارًا بنهج الفساد
يضيف السوداني أن "طبيعة تمديد التعاقد ليس لها آلية معينة رسمها القانون أو نصت عليها التعليمات والضوابط ذات الصلة واهم ما يورد بصددها هو عدم وجود أسباب مقنعة لتمديد التراخيص من دون أن يكون هناك تقييم حقيقي وموضوعي لأداء الشركات التي يؤكد الجميع ضعف خدماتها وارتفاع أجورها مقارنة بدول الجوار"، مبينًا "عدم وجود مسوغ قانوني في ربط موضوع الجيل الرابع بموضوع تمديد العقود الذي تسعى إليه الهيئة إذ أن هذا الترخيص يجب أن يكون في ضمن مزاد جديد وبإيرادات جديدة على وفق قانون مجلس الأمناء وقراراته".
اقرأ/ي أيضًا: بيروت تبحث عن "طوق نجاة ووساطة".. ماذا سيجني العراق في المقابل؟
أوضح السوداني أن "تلكؤ الهيئة وللأسف في استثمار الوقت إذ لم يتم إعلام الجهات المختصة بقرب انتهاء موعد تراخيص الشركات وذلك من أجل إجبار الحكومة على الموافقة على تمديد العقود"، لافتًا إلى أنه "يجب عرض موضوع تمديد الرخصة والتعويض غير القانوني وترخيص الجيل الرابع أمام جهة قانونية متخصصة لها رؤية فنية واقتصادية من أجل دراسة الموضوع وإبداء الرأي فيه على وفق القوانين النافذة".
ويتفق القيادي في تحالف سائرون علاء الربيعي مع السوداني في اتهام هيئة الإعلام والاتصالات بـ"التستر" على التلكؤ، داعيًا رئيس الوزراء إلى "محاسبة شركات الهاتف النقال على تلكؤها في دفع الديون المترتبة بذمتها، وكذلك محاسبة إدارة هيئة الإعلام والاتصالات التي "تتستر على هذا التلكؤ"، فيما اعتبر النائب محمد الكربولي القرار دلالة على "استمرار نهج الفساد" في أعلى مفاصل الدولة، مبيناً أنه "كان الأحرى بالحكومة رفع عوائد الرخصة بدلًا من الاقتراض".
وكان مجلس الوزراء العراقي قد قرر في 7 تموز/يوليو، بشأن رخصة شركات الهاتف النقال، اعتماد السيناريو الثالث الوارد في قرار مجلس الأمناء لهيئة الإعلام والاتصالات والمتضمن التجديد (5) سنوات بحسب العقد مع اقتراح مدة إضافية هي (3) سنوات، وفقًا للأسباب الواردة في الدراسة المقدمة من الإدارة التنفيذية، لتكون المدة الكلية للتجديد (8) سنوات، تنتهي في نهاية الترخيص 30 آب/أغسطس 2030.
اقرأ/ي أيضًا:
اللجنة المالية: الفضائيون ومزدوجو الرواتب يكلفون الحكومة ملياري دولار شهريًا
تبعات وضع العراق على لائحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.. ما علاقة الهاشمي؟