الترا عراق - فريق التحرير
منذ قرون تعيش مدن في العراق أيامًا استثنائية في كل عام، تبدأ من الأول من محرم وحتى 20 صفر، يقيم خلالها أتباع آل البيت سلسلة طقوس تمتزج بين التدين الشعبي الفطري، والأداء الديني وفقًا للمدارس الفقهية في المذهب الجعفري.
ولا يعرف على وجه الدقة متى انطلقت تلك الطقوس، لكن وفقًا للروايات التي ينقلها علماء دين شيعة، فإنّ أول مجلس عزاء في كربلاء قد أقيم من قبل عائلة الأمام الحسين بن علي ليلة الحادي عشر من محرم عشية مقتله وأهل بيته وأصحابه في واقعة الطف عام 61 للهجرة.
وتوثق صور نادرة نشرها الروائي والمترجم ليث سهر، جانبًا من المراسم الحسينية التي شهدتها مدن البلاد خلال القرن الماضي، بعضها من أرشيف "مس بيل".
اقرأ/ي أيضًا: "أداة للنضال" تلهم الملايين حول العالم.. كيف ينظر الغرب إلى عاشوراء؟
وتبلورت الطقوس في العراق، على مر القرون، لتأخذ شكل فعاليات منظمة من أبرزها "ركضة طوريج" والمسير على الأقدام إلى العتبة الحسينية في كربلاء، فضلاً عن مواكب "اللطم والزنجيل والتطبير" تعبيرًا عن "الندم على عدم نصرة الإمام الحسين".
ويشارك ملايين من الشيعة في العراق والعالم في المناسبة السنوية، التي تبلغ ذورتها ظهر العاشر من محرم بوصول مسيرات الركض، على وقع القصائد الحسينية وقصة المقتل التي يلقيها قراء العزاء ورجال الدين.
اقرأ/ي أيضًا: محرّم في بعده الاجتماعي.. "القيمة" في مواجهة الطائفية!
وتتركز الطقوس في العشرة الأولى من شهر محرم، إذ تستمر المواكب والعوائل على حد سواء بطبخ الطعام وتوزيعه مجانًا باسم الإمام الحسين، ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة الاستعداد لزيارة الأربعين، التي يسير فيها الملايين من منازلهم وحتى محافظة كربلاء قاصدين العتبتين الحسينية والعباسية، حيث تنتشر على طول شبكة الطرق مواكب تقدم كل ما يحتاجه الزائر مجانًا، وسط استنفار للجهات الأمنية والخدمية التابعة للدولة.
ويستعد أصحاب المواكب الحسينية قبل أشهر من محرم، لضمان الحصول على خدمات الخطباء والرواديد، خاصة في الأيام العشرة الأولى منه، حيث تقام ذروة الشعائر، وتعتمد تلك الاتفاقات على تحديد الوقت والأجور، حسب أهمية الخطيب والرادود ومكانتهما.
اقرأ/ي أيضًا: طقوس عاشوراء.. الاكتفاء بـ"اللطم" ونسيان الحقوق!
ومع تعاقب الحروب والنكبات تعمق شهر محرم ببعده الروحي في المجتمع، إذ يخيم الحزن وتتحول البلاد إلى مأتم كبير يفرغ فيه الجميع همومه في إطار القضية الحسينية، حيث لا يكاد يخلو زقاق أو منزل من حزن عتيق وعزيز مفقود.
ويقيم الجميع تلك الشعائر مع خصوصية لكل منطقة أو حي أو عائلة، بين طبخ أطباق "الثواب" المعروفة كـ "القيمة والهريسة"، أو إقامة المجالس الحسينية للرجال والنساء في أيام محددة.
اقرأ/ي أيضًا: قوى السلطة تخسر آخر أدواتها.. الاحتجاجات تمتزج بطقوس عاشوراء
ومع التغيّرات التي شهدتها البلاد بعد نيسان/أبريل 2003، ترتفع النقاشات والجدل في كل عام، بين مؤيد لتلك الطقوس بوصفها تمثيلًا للموروث الشعبي الفلكلوري وبين آخرين يُشكلون على ماهيتها والمغالاة فيها، فضلاً عن السلبيات المترتبة عليها من قطع الطرق والإزعاج السمعي وغيرها.
تاريخيًا، كانت الشعائر الحسينية أحد أهم طقوس "الطائفة الشيعية" التي تعمل كأدوات دفاع عن الهوية بوصفها تمثل جماعة مضطهدة، أما بعد 2003 وسقوط نظام صدام حسين، ووصول "قوى شيعية" تقليدية إلى الحكم، فقد وظفت هذه الطقوس في ذات السياق، ولكن هذه المرة للتكسب السياسي باستخدامها، على نطاق واسع وبدعم مؤسساتي وحزبي، لاستقطاب وضبط وتوجيه الجماهير نحو "أهداف ذات أبعاد سياسية غالبًا"، وفقًا لمراقبين.
ومع تصاعد موجات الاحتجاج، بدأت ظاهرة رعاية السلطة للشعائر الحسينية بالانحسار تدريجيًا، بعد أن شهدت الاحتجاجات توظيف المحتجين للسردية الحسينية ورمزياتها بالضد من "قوى سياسية شيعية" فشلت في نظر جماهيرها في تقديم ما ينتشلها من واقعها.
اقرأ/ي أيضًا: