لم تترك كثافة المعلومات والمخطّطات والأرقام المتعلّقة بما يسمى بـ"طريق التنمية"، التي أطلقتها الحكومة العراقية دفعة واحدة، فرصة للمعنيين والأوساط الشعبية، للتفكير والتعامل مع هذا الكم من المعلومات برويّة، وعلى عكس جميع المشاريع المحلّية التي تتحدّث عنها الحكومات المتعاقبة، طرحت فكرة المشروع بطريقة عدها العديد من النشطاء بـ"المبالغة".
خبير اقتصادي: لا يمكن أن يكون طريق التنمية رئيسيًا للتجارة بين آسيا وأوروبا أو منافسًا لقناة السويس
المعلومات المتعلّقة بالمشروع الذي تم استعراضه أمام وزراء نقل 10 دول، بينها 6 دول جوار و4 دول من مجلس التعاون الخليجي، فضلًا عن ممثل البنك الدولي في العراق وسفير الاتحاد الأوروبي، ترادفت على لسان المستشارين والمسؤولين الحكوميين في اللقاءات والتصريحات الخاصة والبيانات والتغريدات، ما شكّل سيلًا من الترويج والمعلومات التي قيل إنها "مبنية على دراسة استشارية لشركة إيطالية".
وأبرز ما تضمنه المشروع من معلومات، هو توفيره 100 ألف فرصة عمل وتحقيق إيرادات بـ4 مليار دولار سنويًا، وأنه سيربط طريق التجارة بين آسيا وأوروبا، حتى وصفه ضياء الناصري المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء بأنه "يصل إلى روما".
ولعلّ المعلومة الأبرز، هو تقليص زمن الرحلات التجارية، حيث تشير الحكومة العراقية إلى أنّ الطريق سيكون محطة نقل كبرى بين آسيا وأوروبا ينخفض فيه زمن الرحلة البحرية من 33 إلى 15 يومًا فقط، أي يقلّص زمن الرحلة إلى أكثر من النصف.
وحجم ما قد ينقله الطريق من بضائع وسلع يعتمد على الطاقة الاستيعابية لميناء الفاو، حيث من المفترض أن تكون الطاقة الاستيعابية للميناء 3.5 مليون حاوية بالسنة في عام 2028، وهو الموعد المفترض لتدشين الطريق، وترتفع إلى 7.5 مليون حاوية في السنة عام 2038، أي بعد 10 سنوات أخرى.
ما يمر عبر قناة السويس 10 أضعاف طاقة طريق التنمية
يقول الباحث في الشأن الاقتصادي والمهتم بحركة النقل التجاري، سليم النجار في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "الأرقام المعلنة لطاقة ميناء الفاو، وبالتالي حجم ما يمكن نقله خلال هذا الطريق، تعد متواضعة ولا يمكن أن يكون طريق التنمية رئيسيًا للتجارة بين آسيا وأوروبا أو منافسًا لقناة السويس كما يجري تداوله".
وموانئ الصين لوحدها ناولت في عام 2022 أكثر من 270 مليون حاوية، في الوقت الذي تبلغ الطاقة الاستيعابية لميناء الفاو 3.5 مليون حاوية، وفق النجار الذي يشير إلى أنه "في أحسن الأحوال من المفترض أن ترتفع إلى 10.5 مليون حاوية في عام 2050".
وحول قناة السويس، يقول النجار إنّها "شهدت في العام 2022 عبور نحو 24 ألف سفينة، وبحمولة تبلغ أكثر من مليار طن في السنة"، وبينما تبلغ حمولة الحاوية الواحدة نحو 30 طنًا، فهذا يعني أن عدد الحاويات التي عبرت من قناة السويس بلغت أكثر من 33 مليون حاوية خلال عام.
ووفقًا للطاقة الاستيعابية لميناء الفاو، فإنّ قدرة النقل لطريق التنمية 3.5 مليون حاوية في 2028، أي أن ما مر خلال قناة السويس نحو أوروبا العام الماضي يبلغ 10 أضعاف ما مخطط له لطريق التنمية بعد 5 سنوات من الآن، وفي ذلك التاريخ "من المؤكد أن حجم التجارة العالمية سيرتفع"، بحسب النجار.
هل تقلص القناة الجافة الكلفة والزمن؟
في دراسة أجراها الخبير الاقتصادي مهدي البناي واطلع عليها "ألترا عراق"، قارن فيها بزمن وكلفة النقل البحري من ميناء شنجن الصيني إلى ميناء روتردام في أوروبا، مقارنة بنفس الوجهة ولكن باستخدام القناة الجافة العراقية عبر الفاو.
وتوصل البناي إلى أنّ "المسافة البحرية بين شنجن إلى روتردام تبلغ 9777 ميلًا، وعبر القناة الجافة سيكون النقل البحري 6300 ميلًا زائدًا النقل البري 5400 كيلو متر"، وبذلك يكون زمن الرحلة البحرية 22 يومًا، وزمن الرحلة في حال استخدام القناة الجافة عبر العراق أكثر من 26 يومًا، أي أنّ زمن الرحلة سيرتفع بأربعة أيام إضافية، وربما أكثر، حيث اعتبر البناي أن "هذا الزمن تحفظي بسبب اعتبار أن عملية مناولة وتفريغ الحاويات تستغرق يومين فقط"، وهي ربما تستغرق أكثر.
لكنّ الدراسة المعدة والمنشورة في شبكة الاقتصاديين العراقيين في شباط/فبراير 2022، كانت قد احتسبت السرعة على أساس أن يسير القطار بسرعة 50 كيلومتر بالساعة، بينما سرعة القطار المفترضة في طريق التنمية أكثر من 100 كيلو متر بالساعة، وهو ربما يدفع الحكومة العراقية للقول إنّ "الزمن سيتقلص إلى النصف"، لكن مع ذلك تبقى الكلفة مرتفعة.
ووفقًا لدراسة البناي، فإنّ الكلفة ستكون عبر النقل البحري 1350 دولارًا للناقلة الواحدة، أما باستخدام القناة الجافة عبر العراق فسترتفع كلفة الرحلة الواحدة بسبب الطريق البري إلى 3850 دولارًا.
من جانبه، يقول الباحث الاقتصادي مرتضى العزاوي، إنه "لشحن حاوية بضائع 20 قدمًا بحرًا من ميناء كوانزو الصيني إلى ميناء روتردام وهو أكبر ميناء في أوروبا، فإنّ الرحلة تستغرق حوالي 30 يومًا".
ويفترض العزاوي أنه بـ"تتبع مسار (كوانزو- الفاو - روتردام) يعني (بحري وسككي) فإن الرحلة تستغرق 25 يومًا تقريبًا حتى ميناء الفاو، يضاف إليها 5 أيام شحن بالقطار (فاو - روتردام 5400 كم) بأحسن الظروف المثالية بدون حساب أوقات التوقف لأغراض المناولة والجمارك وغيرها، أي مجموع الزمن على هذا المسار هو 30 يومًا"، مبينًا أنه "وفق هذا الحساب البسيط، فإن القناة الجافة لا توفر بالزمن إطلاقًا".
وفضلًا عن تشكيك العديد من المراقبين بالمعطيات الرقمية فيما يتعلّق باختصار الوقت والكلفة، فإن كلفة إضافية ستضاف على نقل التجارة العالمية عبر العراق، ومياه الخليج العربي ومضيق هرمز، حيث أنها تعتبر منطقة متوترة أمنيًا، وهو ما يجعل الناقلين العالميين يحجمون عن سلوك هذا الطريق، وحتى في حال استخدموه، فإن الكلفة المالية على البضائع سترتفع لوضع هامش الخطورة.