ألترا عراق ـ فريق التحرير
صدر المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمي من منظمة "مراسلون بلا حدود"، لتقييم حالة حرية الصحافية في 180 دولة ومنطقة سنويًا، حيث جاء العراق في المرتبة 163 من المؤشر بعدما جاء بالمرتبة 162 في تصنيف المؤشر لعام 2019، وتعد منظمة "مراسلون بلا حدود" منظمة دولية غير ربحية وغير حكومية، هدفها المعلن هو حماية الحق في حرية المعلومات، إذ يشدّد تقريرها الجديد على أهمية التضليل الإعلامي، مؤكدًا أنه "عادة ما يُحجب تمامًا أو يتم إعاقته بشكل كبير في 73 دولة، إضافة إلى تقييده في 59 دولة أخرى، الأمر الذي يمثل 73٪ من الدول التي تمّ تقييمها.
يقول مركز الحريات الصحفية إن 15 مادة توجد في قانون العقوبات العراقي تجرّم الصحفي وقد تصل به إلى الإعدام وهي موروثة من الأنظمة الديكتاتورية
ويعد العراق من البلدان المتأخرة جدًا في مؤشر المنظمة بشكل سنوي، نظرًا لما يشهده من صعوبات بالعمل الصحافي والأوضاع الأمنية والسياسية التي تعيق عمل الصحافيين منذ سنوات، حيث تتمثل تلك العقبات بالقوانين الموجودة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى بشكل الضغط الموجود على هذا العمل من خلال عدم إتاحة حرية الوصول للمعلومة، فضلًا عما يشهده من أعمال طالت الكثير من الصحافيين وصلت لغاية التصفية الجسدية.
رئيس مركز الحريات الصحفية زياد العجيلي، يقول إن "مرصد الحريات يساهم مع منظمة مراسلون بلا حدود لوضع مؤشرات التصنيف، فهناك قوانين في العراق تنص على عقوبات بحق الصحفيين في حالات إبداء الرأي والنشر وحالات أخرى، مبينًا لـ"ألترا عراق"، أنه "توجد 15 مادة في قانون العقوبات العراقي تجرّم الصحفي وقد تصل به إلى الإعدام في بعض الأحيان وهي موروثة من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية في العراق".
اقرأ/ي أيضًا: التغطية تحت أزيز الرصاص.. كيف وثق الصحفيون احتجاجات تشرين؟
ويضيف العجيلي: "لذلك إذا كانت هناك رغبة بوجود عراق ديمقراطي، فيجب النظر بالقوانين الموجودة حاليًا، ونغادر العمل بها رغم قول بعض القضاة إن هناك صعوبة كبيرة بإلغائها وهي 81، 82، 83، 84، 201، 202، 210، 211، 215، 225، 226، 227، 403، 433، 434 من القانون رقم 111/ 1969، والمتعارف عليه باسم قانون العقوبات لسنة 1969، مشيرًا إلى أن "بعض المواد أو القوانين المضرّة بالعمل الصحفي في العراق تعتبر من المبادئ الأساسية التي من الممكن أن ترتقي بتصنيف البلاد بمراكز أفضل في التقارير المقبلة للمنظمة، كما أنه "من الضروري إطلاق حركة الصحفيين وعدم الحد منها، حيث هناك معوقات كبيرة للحركة بين المدن والمحافظات جعلت العراق في ذيل قائمة المؤشر الجديدة مؤخرًا".
ولا يستغرب الأكاديمي في مجال الإعلام مسلم عباس، وضع العراق في ذيل قائمة الحريات الصحفية التي أعلنتها منظمة مراسلون بلا حدود، قائلًا إن "الصحفيين هنا يعانون من ثلاث مشكلات، المشكلة الأولى: غياب دور الدولة وتلاشيها بحيث باتت البلاد تعيش في حالة فوضى، ومع انتشار الخطاب السياسي المتشنج وازدياد حدة الصراع تكون الكتابة والنشر الصحفي بمثابة السير على حقل ألغام، لا يعرف الصحفي متى تتطاير شظاياه، وإذا ما خرج الصحفي سالمًا من القتل على يد جهات سياسية أو جماعات مسلحة، فإن أغلب الصحفيين يتعرضون للتهديدات باستمرار".
أما المشكلة الثانية، بحسب عباس، بـ"القوانين المقيدة لحرية الصحافة، فبعض هذه القوانين تعود إلى أيام الحكم الديكتاتوري، وهي مستمرة حتى الآن، وتعتزم السلطات إضافة قوانين جديدة لتقييد الحريات الصحفية وأبرزها قانون جرائم المعلوماتية الذي إذا ما أقر، فسيغلق آخر المنافذ أمام الصحفيين، والعراق لا يملك قانونًا لحق الوصول والحصول على المعلومات، ما يجعل مهمة البحث والتقصي صعبة ومعقدة للغاية".
لكن المشكلة الثالثة، فيقول عباس لـ"ألترا عراق"، أنها "تتمثل بسيطرة الصحافة الحزبية على المشهد الصحافي العراقي، وعدم وجود عقود للعمل، ما يعرض العديد من الصحفيين للطرد التعسفي في حال مخالفتهم سياسات الجهات الحزبية المسيطرة، والتي لا تلتزم بالمعايير المهنية للصحافة".
ونظرًا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن التصنيف الجديد للمؤشر العالمي، لم يطرأ أي تغيير كبير لعام 2021 حيث احتفظت بالمركز الأخير في التصنيف الإقليمي، حيث احتلّت تونس المرتبة الأولى عربيًا والمركز 73 عالميًا، وجزر القمر ثانيًا في المركز 84، وموريتانيا ثالثًا المركز 94، والكويت رابعة ضمن المركز 105، ولبنان خامسة ضمن المركز 107.
وجاء العراق في المركز 163، والبحرين في المركز 168، واليمن في المركز 169، والسعودية في المركز 170، وسوريا في المركز 173، وجيبوتي في المركز 176 في ذيل القائمة.
من جانبه، يعتبر الصحافي والمراسل التلفزيوني، حسين أحمد الكربلائي، أن "حرية الحصول على المعلومة في العراق مغيبة وبعيدة عن فهم 99.9% من العاملين في الشأن العام، وعلى سبيل المثال لا يمكن لجهات قانونية الحصول على معلومة من الجهات الرقابية فكيف بالصحفيين، لافتًا إلى أن "الجميع ينظر لمسألة طلب الصحفي للمعلومة بنوع من الريبة والشك كما أن عقلية الوظيفة العامة ما تزال تسيطر عليها فكرة الدولة البوليسية قبل 2003، وقد طوقت القرارات والأنظمة الداخلية المعلومات بجدران نارية لا يمكن لأحد الوصول لها بسبب ما يسمى بتقديم طلبات والحصول على موافقات.. الخ".
وعن مضمون عمل المؤسسات الصحافية والإعلامية حاليًا، يؤشر الكربلائي في حديثه لـ"ألترا عراق"، دخول الكثير على هذه المهنة "من مالكي المؤسسات المبتزين وغيرهم الذين يوظفون مؤسساتهم للابتزاز السياسي فبحصولهم على المعلومات يسخرونها كملفات ضد جهات وأخرى ويساومونه بها، لذلك ترى المعلومات المهمة للرأي العام غير متوفرة، موضحًا أن "إيكال مهمة إدارة المؤسسات الحكومية لشخصيات فاسدة يحول دون الحصول على المعلومات بل شكل جزءً كبيرًا من تبديد المعلومات وتضيعها بمختلف الطرق".
جاء العراق بالمرتبة الثانية لقائمة الدول التي قتل فيها أكبر عدد من الصحفيين عام 2020 بالتساوي مع أفغانستان والهند ونيجيريا
أما الصحافي محمد شفيق، فيعتقد أن "أكبر تحدي يواجه الصحافة في العراق، هو غياب التنظيم في العمل حاله حال بقية القطاعات الأخرى، وبالتالي هذا أضر الصحافة والإعلام كثيرًا، لافتًا إلى أن "هناك وسائل إعلام منفلتة تقول وتكتب ما تريد، وهناك وسائل إعلام مهدّدة بالإغلاق والاعتداءات إذا كتبت أو فعلت شيئًا، لذلك هناك الكثير يجب عمله بخصوص تنظيم وضع الصحافة في العراق".
اقرأ/ي أيضًا: فتاوى تصفية الصحفيين في العراق.. من لا يعمل معنا "مشروع أمريكي"
والعراق، في المرتبة الثانية لقائمة الدول التي قتل فيها أكبر عدد من الصحفيين عام 2020، بالتساوي مع أفغانستان والهند ونيجيريا، بثلاث حالات قتل، وفقًا للإحصاء السنوي للاتحاد الدولي للصحفيين، كما سجلت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة بالعراق في تقرير لها 305 انتهاكات ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية خلال عام 2020، كان أخطرها خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام بالتزامن مع الاحتجاجات وسط وجنوب البلاد، بالإضافة لاغتيال 4 صحفيين، وإصابة 10 آخرين، وهناك حالتا تهديد بالقتل والتصفية الجسدية، واعتقال لـ74 صحفيًا، واعتداء على 167 آخرين، فيما رصدت 14 هجومًا مسلحًا ضد صحفيين ومؤسسات إعلامية، إضافة إلى إغلاق 31 فضائية ومؤسسة إعلامية، وكذلك 3 حالات لرفع دعاوى قضائية وإصدار أحكام وأوامر مذكرات قبض بحق صحفيين.
بالمقابل، يعزو المراسل الميداني محمد العواد، غياب حرية الرأي والتعبير والوصول للمعلومة في العراق، للقمع الذي "تمارسه السلطات الحكومية منذ سنوات بتكميم أفواه الإعلاميين ومنع تحركاتهم في تغطية الأحداث والوصول إلى دوائر الدولة عبر وضع الكثير من العراقيل والإجراءات الروتينية، مشيرًا في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أن "ذلك ساهم بتفاقم نسب الفساد بشكل كبير ليصل إلى ما هو عليه اليوم".
ويضيف العواد أن "القوانين الموجودة في العراق وأبرزه قانون العقوبات العراقي لعام 1969، وأجريت عليه تعديلات في 2008 فيه الكثير من العبارات الفضفاضة التي تستخدم ضد الصحفيين ببعض القضايا بحجة التشهير أو القذف أو إهانة الدولة أو المسؤولين، وأصبح الكثير من الصحفيين ضحية لهذا القانون، وبعضهم تم اعتقالهم وآخرين اغتيلوا وبعضهم تمت محاكمتهم، كما توجد تحركات جادة منذ فترة لإقرار قانون جرائم المعلوماتية الذي يعتبر بمثابة قيد جديد لمحاربة آراء الكتاب والصحفيين بغرامات أقل وأكثر من 10 ملايين، وسجن لمن يتهم بجريمة جنائية تتعلق بالنشر، وكل هذا يعتبر دليل على مواصلة السلطة في العراق لخطوات كبح الحريات ومنع التعبير عن الرأي في العمل الصحفي وما يتعلق به".
لكن الجميع في العراق ينادي بحرية الصحافة وحق الحصول على المعلومة، ومنهم السياسيون، بحسب الصحافي علي العنبكي، والذي يستدرك "ولكن نفس هؤلاء سواء كانوا سياسيين أو شخصيات بارزة عندما يتمّ نشر شيء لا يوافق أفكارهم أو يقلّل من إنجازات جهة معينة، تجدهم ينزعجون ويقطعون التعاون مع الجهة الصحفية الناقلة للمعلومة من خلال عدم دعوتها للمؤتمرات وإيصال المعلومات لها، مضيفًا لـ"ألترا عراق"، أن "حرية الصحافة وثقافة الرأي الآخر معدومة في العراق، لكون الأغلبية باتت تريد فرض الرأي وخاصة من هم يعملون في الوسط الإعلامي، وأيضًا هناك جهات حكومية تسعى دائمًا للتصريح بما تريده هي من معلومات وقد تصل لمرحلة فرض المعلومة على الجهة الإعلامية".
سجلت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة بالعراق 305 انتهاكات ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية خلال العام 2020
ويشير العنبكي إلى أن "هناك سياسية لتكميم الأفواه بشكل مرعب والجهات المسلحة منفلتة في الشارع، وتمارس ضغوطها بشكل كبير على الصحفيين وكل يوم يشهد مواجهة لكلمة الصحافة بالرصاص، لذلك العمل الصحفي في العراق بحاجة لسنوات طويلة لتنظيمه بشكل منفتح ومنسق بقوانين تحمي الصحفي وتمنحه حقوقه القانونية كما تلزمه دائمًا بواجبات للتعاملات".
وبين الحين والآخر، تشهد المؤسسات الإعلامية في العراق حملات استهداف ممنهجة من قبل جماعات مسلحة، وذلك يعود إلى مخالفة المحتوى الإعلامي لخطاب تلك الجماعات، إذ تعرّض على سبيل المثال، مقر قناة دجلة الفضائية في مطلع أيلول/سبتمبر 2020، إلى اقتحام من قبل مجاميع بعد تحريض من جهات على صلة بـ"الميليشيات" بحسب مالكي القناة، ثم جرى تحيطم محتويات القناة وإحراق المبنى ومنع فرق الدفاع المدني من إخماد الحريق على مدى ساعات.
اقرأ/ي أيضًا:
موجة "نزوح" جديدة بعد الاحتجاجات.. صحفيون وناشطون يهربون إلى إقليم كردستان
بين بطش الميليشيات وانتهاكات السلطة.. ماذا قدمت النقابة للصحفيين؟