29-يونيو-2021

أثار قرار الوزارة عاصفة من الاعتراضات (Getty)

لم تمض سوى أشهر على خيبة الأمل التي لاقاها أكاديميون ومثقفون إثر تشريع البرلمان قانون معادلة الشهادات الذي سهل وصول المسؤولين إلى الدراسات العليا العليا، حتى تلقوا صدمة ثانية.

أثار قرار وزارة التعليم غضبًا واستياءً كبيرة واعتبر "تخريبًا" بضغط سياسيّ

ويسمح القانون في المادة -12- أولاً، للموظف أو المكلف بخدمة وأعضاء مجلس النواب والوزراء ومن هم بدرجتهم أو الوكلاء ومن هم بدرجتهم والمديرين العامين ومن هم بدرجتهم والدرجات الخاصة العليا بموافقة دوائرهم الدراسة أثناء التوظيف أو التكليف على النفقة الخاصة أو إجازة دراسية للحصول على الشهادة الأولية أو العليا داخل العراق أو خارجه بصرف النظر عن العمر.

وتعطي هذه المادة إشارة واضحة عن سبب إقرار هذا القانون، خاصة وأن المادة السادسة/رابعًا من القانون ذاته، ألغت شرط الإقامة لـ 9 أشهر متصلة لطلبة الدراسات العليا بالنسبة للدراسة خارج العراق، وقلصتها لتكون مدة الإقامة لدراسة الماجستير أو الدكتوراه (غير البحثية) 4 - 6 أشهر منفصلة أو متصلة.

تخريب بـ "ضغط سياسي"!

واستكمالُا لمشروع إشباع رغبة المسؤولين في الحصول على الدرجات الخاصة، قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إيقاف إعلان نتائج الامتحان التنافسي للمتقدمين على الدراسات العليا، والسماح للمشمولين بالمادة -12- أولاً من قانون "أسس تعادل الشهادات"، بالتقديم وتحديد موعد امتحان جديد لهم، مثيرة غضب الأكاديميين، الذين اعتبروه "حلقة جديدة من حلقات التخريب والظلم".

اقرأ/ي أيضًا: كيف يمكن إلغاء قانون معادلة الشهادات "المثير للجدل" بعد تمريره في البرلمان؟

وصدر القرار على الرغم من إجراء الامتحان التنافسي للقبول في الدراسات العليا "الماجستير والدكتوراه" في الجامعات العراقية، وفي التخصصات العلمية كافة، وإنجاز اللجان العلمية في المواقع كافة واجبات التصحيح والمقابلات الشخصية للمتقدمين كلهم، تمهيدًا لإعلان النتائج، قبل أنّ توجه الوزارة بالتريث.

وكتب الأكاديمي كاظم حمد محراث في تدوينة، أنّ "الوزارة فسحت المجال للتقديم مرة أخرى لمدة اضافية، وهذا يعني وجود ضغط سياسي على الوزارة، ويعني من جهة أخرى وضع أسئلة جديدة تختلف عما قدم سابقًا، مما يعني أنّ العدالة لن تتحقق لأن الأسئلة لم تكن موحدة، وظروف التصحيح اختلفت، لأن المتقدمين الجدد أصحاب نفوذ".

وأضاف، أنّ "المتقدمين في المرة الأولى خضعوا لمستوى معين من الأسئلة يختلف عن مستوى الاختبارات التي ستقدم للأصفياء الجدد".

وشدد بالقول، "إذا كانت القيادات الإدارية في الجامعات ليست مؤهلة لرفض هذا التخريب، والظلم فعلى التدريسيين الامتناع عن تقديم أسئلة جديدة للامتحان الجديد، وعلى المواطنين الذين شاركوا في الامتحان التنافسي الأول تنظيم وقفات احتجاج عند بوابات الجامعات التي أدوّا فيها امتحاناتهم لرفض الظلم الذي تعرضوا له".

مخاوف من التهديد!

ولم تصدر الوزارة إيضاحًا لغاية الآن حول القرار، كما تمتنع عن التصريح حول الموضوع.

يرى مختصون في القرار نتيجة طبيعية لتأثير الاضطرابات التي تشهدها البلاد على مختلف المستويات

ويقول الأكاديمي عمران جبار في حديث لـ "الترا عراق"، إنّ "المشكلة الرئيسية تكمن في أنّ الوزارة لم تنصف الطلبة الذي أدوا الامتحان التنافسي قبل أسبوع تقريبًا، وانصاعت بشكل مطلق للسياسيين، وكان الأجدى بها أن تفتح قناة خاصة للمستفيدين من هذا القرار، ولا تجعلهم يؤدون امتحانًا جديدًا، لينافسوا الطلبة المتقدمين للمقاعد المحددة".

ويتحدث جبار، عن مخاوف كبيرة لدى العديد من الأكاديميين من "تهديدات قد تطالهم خلال عملية وضع الأسئلة أو تصحيح الإجابات الخاصة بامتحان الدرجات الخاصة"، متسائلاً حول مدى قدرة "المسؤول في المنصب الخاص على التوفيق بين أداء مهامه ومتطلبات الدراسة العليا بما تحتاجه من وقت وجهد".

"نتيجة طبيعية"!

فيما يرى الأكاديمي خالد خليل هويدي أنّ في القرار نتيجة طبيعية لتأثير الاضطرابات التي تشهدها البلاد على مختلف المستويات، على قطاع التعليم.

ويقول هويدي في تدوينة، أن "ما يعيشه التعليم في العراق حالة طبيعية جدًا، فبعد تمرير قانون أسس تعادل الشهادات سيّئ الصيت رغمًا عن الجميع، فمن الطبيعي أن يرافق هذا التمرير ما يمكن أن يكون كارثة بحق التعليم".

اقرأ/ي أيضًا: "الحمّامات" على حساب التعليم.. مدارس بلا رقيب والنجاح مضمون!

ويؤكد هويدي، أنّ "القرار سيمر بمباركة قيادات الجامعات ودون أي اعتراض"، باعتبارهم "جزءًا من النظام القائم على المحاصصة والمحسوبية والفساد".

غياب الاستراتيجية!

ويفتقد قطاع والتعليم في البلاد، إلى الرؤية الاستراتيجية ما يعرقل بناء منظومة تعليمية رصينة، كما يعتقد الأكاديمي فارس حرام.

 يقول حرام لـ "الترا عراق"، إنّ "مجمل القرارات تعتمد على رد فعل آني على أحداث يمر بها العراق، إذ نشاهد قرارات مفاجئة منذ سنوات، مثل منح الطلبة دورًا ثالثًا أو اعتبار العام الدراسي سنة عدم رسوب، أو تغيير مواعيد الامتحانات بما لا يتناسب مع التقاليد الراسخة في التوقيتات الامتحانية المعتمدة من قبل الوزارة".

ويضيف حرام، أن "المشكلة عامة وتنطبق على جميع القطاعات، متمثلة بغياب الرؤية الاستراتيجية واستقلالية الخبراء في إعطاء آراءهم التخصصية، مثل ما حصل مع قانون الشهادات الذي مرره البرلمان، والذي كان الهدف منه التستر على شهادات لعدد من المسؤولين حصلوا عليها من جامعات غير معترفة بها".

ويبيّن حرام، أنّ "القانون نفسه حاول التغطية على خرق قانوني، من خلال السماح للمسؤولين بإكمال دراساتهم العليا، بالرغم من أنه يتمتع بمسؤولية إدارية عليا، والتي قد تسمح له بالضغط على الهيئة التعليمية لمنحه الشهادة العليا، وهذا ما يؤكد غياب الرؤية الاستراتيجية تتعاطى مع جميع الخطط الآنية".

ويصف حرام، قرار وزارة التعليم الخاص بالامتحان التنافسي على مقاعد الدراسات العليا، بـ "المربك"، دون أنّ يستبعد إصداره بهدف "إرضاء شخصيات سياسية بعينها".

يفتقد قطاع والتعليم في البلاد إلى الرؤية الاستراتيجية ما يعرقل بناء منظومة تعليمية رصينة

من جانبها، عزت لجنة التعليم النيابية، سبب استحداث امتحان تنافسي ثانٍ، إلى وجود "فئة" غير مشمولة بالامتحانات التنافسية لـ "إنصاف هذا الفئة بحسب قانون معادلة الشهادات".

وقالت عضو اللجنة ايناس ناجي، في تصريح، إنّ "الامتحان الثاني يهدف إلى زيادة متنافسين فقط وليس توسيع مقاعد، بعد حسم الامتحان الأول"، لافتة إلى أنّ "اللجنة طالبت عبر كتب رسمية بتوسيع المقاعد والمنافذ الدراسية وإعطاء فرص أكبر للطلبة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

القطاع العام في العراق.. المحاصصة في التعليم الابتدائي أيضًا!

التعليم.. وسياسة التجهيل الحزبي!