24-فبراير-2019

تُصرف مبالغ ضخمة على شبكة الإعلام العراقي دون جدوى (وكالات)

بجيش من الموظفين، وتخصيصات مالية ضخمة، تتمثل شبكة الإعلام العراقي، الوجه الأبرز للإعلام الحكومي في البلاد منذ  تأسيسها عقب الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، حيث حلت الشبكة محل وزارة الإعلام، لكنها لم تنجح حتى الآن في لعب دورها الأساسي، كصوت للدولة والمواطن، وسط اتهامات بالفساد والطائفية والحزبية.

رغم العدد الكبير جدًا من العاملين والتخصيصات المالية الضخمة لشبكة الإعلام العراقي، لكنها فشلت في تحقيق تأثير حقيقي في الشارع العراقي

ما هي شبكة الإعلام العراقي؟

الشبكة وهي "هيئة مستقلة"، ترتبط بمجلس النواب وفق قانونها الأساسي رقم 26 لعام 2015. وتتألف من مجلس أمناء الشبكة ورئيسها، ولجنة الرقابة المالية التي ألغاها البرلمان فيما بعد وفق قانون تعديل أقره برقم 63 لعام 2017، بحجة صدور قرار قضائي بعدم دستورية العديد من نصوص القانون الأساس، حيث تضمن التعديل الغاء عدة فقرات من بينها شرط العمر والأهلية لرئيس الشبكة.

اقرأ/ي أيضًا: رئيس حكومة العراق: الإعلام الرسمي غير نقدي ومنحاز

وتضم الشبكة قنوات العراقية العامة والإخبارية والرياضية، وإذاعة جمهورية العراق، والفرقان، وراديو العراقية، بالإضافة إلى جريدة الصباح ومجلة الشبكة ومعهد التدريب الإعلامي.

الموظفون والأموال

لا يشير الموقع الرسمي للشبكة على الإنترنت، أو صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى عدد العاملين في أقسام الشبكة أو حجم تمويلها، لكن قانونها الأساسي يحدد مصادر تمويلها بموازنة مالية مستقلة يقرها البرلمان، فضلًا عن أموال إنتاج وبيع وبث الإعلانات والبرامج والأعمال، وتأجير الفائض من مواقع بث وإرسال ووسائل الانتاج المتوفرة، وكذلك إيرادات مطابع الشبكة.

ويتولى مجاهد أبو الهيل إدارة الشبكة منذ 11 أيلول/سبتمبر 2017، وفق قرار صدر عن مجلس الأمناء، عقب استقالة الرئيس السابق علي شلاه.

وكشفت مصادر مطلعة لـ"ألترا عراق" أن عدد الموظفين المسجلين ضمن شبكة الإعلام العراقي يبلغ ثلاثة آلاف و484 موظفًا، دون تحديد لحجم التخصيصات المالية السنوية التي ترصدها الحكومة للشبكة.

لكن حجم تلك المبالغ "هائل جدًا"، على حد وصف صحفيين وإعلاميين على علاقة بالشبكة، بينهم أحمد عبدالحسين، سكرتير تحرير السابق لمجلة الشبكة التابعة لشبكة الإعلام العراقي، والذي يؤكد أن حجم الإنفاق على الشبكة "يُذهل العقول".

فصل الصحفي أحمد عبد الحسين من عمله في مجلة الشبكة بسبب آرائه الشخصية على فيسبوك

وتحدث عبدالحسين، لـ"ألترا عراق"، عن مشروع واحد كلف نحو أربعة مليارات دينار (ثلاثة ملايين و352 ألف دولار أمريكي)، دون أن يعطي أي ثمار، حيث كان عبدالحسين شاهدًا عليه خلال عمله السابق في الشبكة، والذي انتهى بفصله من قبل رئيسها بحجة "سب وقذف" مسؤولين كبار، عقب نشره رأيًا عبر حسابه الشخصي بفيسبوك ضد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ومرشح الأزمة لوزارة الداخلية فالح الفياض.

فشل أمام الطائفية وداعش

وعلى الرغم من العدد الكبير جدًا من العاملين والتخصيصات المالية الضخمة لشبكة الإعلام، فقد فشلت في تحقيق تأثير حقيقي في الشارع العراقي، بلعب دور وطني خلال الأزمات التي واجهت البلاد كالاقتتال الطائفي والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو نقل الأحداث بحيادية وسرعة على أقل تقدير.

وعلى العكس، اقتصر دور الشبكة على "التطبيل لرؤساء الوزراء، ونشر الأخبار الكاذبة بشكل ساذج، وإنتاج الأعمال الفنية الهابطة من مسلسلات وأغان"، على حد تعبير الصحفي والكاتب رضا الشمري.

وبالنظر إلى عدد متابعي شبكة الإعلام العراقي على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن ما يشير إليه الشمري يبدو جليًا، حيث يبلغ عدد المعجبين بصفحة "قناة العراقية" الرسمية على فيسبوك، 951 ألف شخص، في حين يبلغ عدد المعجبين بصفحة "وكالة الانباء العراقية - واع"، 4 آلاف و316 شخصًا فقط، وهو مؤشر فشل أدى إلى ظهور عدة صفحات تنتحل صفة شبكة الإعلام العراقي.

أحمد عبدالحسين: شبكة الإعلام العراقي غير حيادية وتبنت خطاب الحكومات ورؤساء الوزراء، وتحديدًا خطاب حزب الدعوة

ولا تعد الشبكة التي تمتلك إذاعات وقنوات فضائية وصحف ومجلات، "رقمًا مؤثرًا" في المشهد الإعلامي العراقي على مدى سنين عمرها الـ14، على حد وصف الشمري، الذي وصف أداءها بـ"المخيب جدًا خلال التحديات الكبيرة التي واجهت العراق، وفي الوقت الذي كان فيه العراقيون معتمدين على مؤسسات الشبكة من أجل الوصول إلى حقيقة ما يحصل، أو للبحث عن مصدر يستندون عليه في مواجهة الحرب الإعلامية المتطرفة سواء خلال فترات الحرب الطائفية او خلال فترة داعش".

اقرأ/ي أيضًا: شبكة الإعلام العراقي.. صراع التجديد والمحاصصة

وبالتركيز على دور الشبكة في الحرب المصيرية ضد داعش، فإن سكرتير مجلة الشبكة السابق، أحمد عبدالحسين انتقد ما وصفه بـ"الأسلوب الشعبوي" الذي اتبعته الشبكة في مواجهة إعلام التنظيم، مؤكدًا أن "قنوات فضائية محلية وصفحات ناشطين، تمكنت من لعب دور أكبر وأذكى وأهم من الدور الذي لعبته الشبكة في مواجهة داعش".

يعمل في شبكة الإعلام العراقي أكثر من ثلاثة آلاف موظف، ويكاد ينعدم تأثيرها في الشارع العراقي

وعلى الرغم من المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد حاليًا، نظرًا لعدة أزمات تواجهها في ظل غضب شعبي، فإن أي متابع لا يلحظ أي مؤشرات عن مواكبة الأحداث من قبل الشبكة، إذ لفت نظرنا خلال تصفحنا للموقع الرئيسي لشبكة الإعلام العراقي على الإنترنت، توقف نقل الأخبار منذ السادس من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي حتى لحظة إعداد هذا التقرير. وهو ما يؤكد عدم اعتماد المواطن على الشبكة لتلقي المعلومات أو الأنباء العاجلة، كما يقول الكاتب والمدون حسين علي.

ويضيف علي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الشبكة لا تمتلك القدرة التي تمتلكها مؤسسات إعلامية صغيرة، أو حتى مدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، في سرعة نقل الأحداث التي تشهدها البلاد، فضلًا عن عدم ثقة المتابعين بها، لتعمدها إغفال أحداث خطيرة ومهمة جدًا كالتظاهرات، أو تغطية أحداث أخرى لا قيمة لها، بهدف صرف النظر عن أحداث أهم"، واصفًا الشبكة بـ"المولود ميتًا"، والذي تحول أموال السلطة دون تفسخه حتى الآن.

لسان "الدعوة" الطائفي

ويقر رئيس الشبكة، مجاهد أبو الهيل، بأن تجربتها "لم تنجح في أكثر من تحدٍ بتقديم خطاب دولة"، لكن أحمد عبدالحسين يذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرًا أن الشبكة "غير حيادية، وتبنت خطاب الحكومات ورؤساء الوزراء، وتحديدًا خطاب حزب الدعوة".

وشغل حزب الدعوة رئاسة الحكومات في العراق منذ عام 2005 حتى الأشهر القليلة الماضية من عام 2018 الجاري، حين منح البرلمان الثقة لعادل عبدالمهدي رئيسًا للحكومة، كشخصية مستقلة.

ويتهم عبدالحسين، رؤساء الشبكة بتبني مواقف الحكومة وتملق رؤسائها، على حد تعبيره، مستشهدًا بموقف الشبكة الذي وصفه بـ"المعادي" للاحتجاجات الشعبية ابتداءً من تظاهرات عام 2011، وحتى حراك البصرة خلال العام الجاري، ومؤكدًا أن "حزب الدعوة يختار دومًا شخصية ضعيفة جدًا وهشة كرئيس الشبكة الأسبق عبد الجبار الشبوط والرئيس الحالي مجاهد أبو الهيل، لإدارة الشبكة، حتى يضمن قدرته على التحكم بها".

وعلى خلاف كل المؤسسات الإعلامية في العالم، فإن شبكة الإعلام العراقي "نقلت أجندة السلطة وما تود تمريره"، وأغفلت مبدأ التسابق نحو نقل حيادي سريع للأحداث على مستوى مفاصل الحياة في الرقعة الجغرافية التي تنطلق منها المؤسسة، بحسب الكاتب والصحفي أحمد الحسيني.

وأضاف الحسيني لـ"ألترا عراق" قائلًا إن "المتابع لقناة العراقية كمثال، يجدها تنقل بشكل دائم أحداثًا وقصصًا بعيدة عمّا يحتاج الفرد العراقي سماعه، بل تعمد لتضليل الفرد بنقل ما هو بعيد عن الواقع تمامًا".

وجهت اتهامات لرئيس شبكة الإعلام العراقي مجاهد أبو الهيل بتزوير شهادته الإعدادية

أما رضا الشمري، فيؤكد أن الشبكة "فشلت بالتصدي للأمراض المجتمعية مثل الطائفية، التبعية لدول الخارج، الفوضى، عدم احترام القانون، ولم يكن لبرامجها أي دور توعوي أو أي تأثير اجتماعي حقيقي، ربما على العكس كان لها دور سلبي وسقطت مرات في فخ الطائفية".

فساد وتهميش

ويُعد الفساد المالي والإداري أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء إخفاقات شبكة الإعلام العراقي، بحسب أحمد عبدالحسين، الذي يستشهد بصرف مبالغ طائلة خلال إيفاد عدد من موظفي الشبكة إلى القاهرة مؤخرًا، في ظل أزمة مالية تواجهها البلاد، فضلًا عن اتهامات تلاحق رئيس الشبكة بتزوير شهادته الإعدادية!

وأوضح عبدالحسين: "مجلس الأمناء اجتمع مؤخرًا لمناقشة إقالة رئيس الشبكة مجاهد أبو الهيل، على ضوء تلك الاتهامات"، مشيرًا إلى أن "المجلس كان قد بد إجراءات تحقيقية، تمهيدًا لحسم قراره"، وبالفعل أقر المجلس إنهاء تكليف أبو الهيل برئاسة الشبكة.

يُعد الفساد المالي والإداري أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء الإخفاقات المتتالية لشبكة الإعلام العراقي شبه الرسمية

ويرهن سكرتير تحرير مجلة شبكة الإعلام العراقي السابق، إصلاح الأوضاع فيها، بـ"فك ارتباطها مع الحكومة وحزب الدعوة"، في حين يرى رضا الشمري أن الاخفاق سيستمر ما استمر "تغييب وتهميش الكوادر المهنية الموجودة في الشبكة، وإخضاع المناصب الإدارية والفنية فيها إلى ميزان الولاءات والمحاصصة، وإدارتها بعقلية موظف الحكومة وليس بعقلية الإعلامي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما الذي ينقص الإعلام العراقي: الحياد أم الموضوعية؟

الإعلام العراقي في 2018.. حريات صحفية في منطقة الخطر