انفجار فريد من نوعه، بين قتيل ترك ذكريات لا تنسى، وبين من هو على قيد الحياة وما زال يتذكر ويعيش تلك الفاجعة التي مرت على العراقيين قبل ثلاث سنوات في الكرادة، في 2 تموز/يوليو، قبل عيد الفطر بأيام.
كان الانفجار قبل الساعة الواحدة ليلًا عن طريق سيارة تحمل مواد متفجرة وحارقة، وكان مفعول تلك المواد قوية إلى درجة أنها أدت إلى حرق الكثير من المباني ولم يتم اخماد الحريق بسهولة
في الذكرى الثالثة لانفجار مجمع الليث يحيي الذكرى ذوي ضحايا الانفجار ويتحدثون عن تفاصيل الفاجعة ويذرفون الدموع ويطلقون الحسرات بسبب ما اسموه "الصمت الحكومي وعدم ملاحقة المجرمين الذين ارتكبوا هذه الفاجعة الأليمة في أواخر أيام رمضان"، بينما يرى شهود عيان أن هناك تخطيط مسبق للجريمة، مؤكدين "استحالة حصول مثل هذه الفاجعة دون تدخل بعض الجهات المتنفذة في العراق".
اقرأ/ي أيضًا: تفجير الكرادة.. تراجيديا اليوميات العراقية
الانفجار كان قبل الساعة الواحدة ليلًا عن طريق سيارة تحمل مواد متفجرة وحارقة، وكان مفعول تلك المواد من القوة إلى درجة أنه أدت إلى حرق الكثير من المباني ولم يتم إخماد الحريق بسهولة، وكان هذا الحريق عبارة عن جحيم احترق به الكثير من الضحايا ولم يتم التعرف عليهم إلا عن طريق فحص DNA.
بعد الحادثة أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن هذا التفجير، فيما استنكر البعض من السياسيين وقام بزيارة مكان الحادث، لكن هذا الفعل أشعل الغضب في الشارع العراقي لأنهم رأوا أن الحكومة هي المسؤول الأول عن حدوث الانفجار.
ما زالت هناك تفاصيل كثيرة يسيطر عليها الغموض، وما يزال الكثير من ذوي الضحايا يجهلون مصير أبناءهم، كما تواصل معهم "ألترا عراق"، والسؤال الذي أطلقه أحد ذوي الضحايا عن كيفية استطاعة التنظيم ارتكاب مثل هذا الفعل، متساءلًا "كيف مرت هذه السيارة المحملة بالمواد المتفجرة وعبرت الكثير من نقاط التفتيش الأمنية ووصلت إلى منطقة الكرادة؟". الأمر الذي أكدته مصادر أمنية في وقت الانفجار، أن السيارة كانت آتية من محافظة ديالى.
قام "ألترا عراق" بالتحري وجمع بعض الحقائق حول هذا التفجير الدامي والذي يعتبر أكثر الانفجارات وحشية بعد الاحتلال الأمريكي بسبب عدد الضحايا الكبير الذي وصل إلى أكثر من 500 ضحية، وكانت نهايتهم مأساوية، حيث الأطفال والنساء والشباب اجتمعوا في هذا المجمع ليشتروا احتياجات العيد، ولكنهم ذهبوا جميعًا ولم يلحقوا على العيد وملابسه.
يرى مصدر أمني، أن "هناك حقائق قد أهملت بحجة أنها رويت من قبل أشخاص غير مختصين، ومن هذه الحقائق هو أن أغلب ضحايا التفجير في الطابق الثالث من المجمع، والطابق الأخير قد وجد فيه عيارات نارية قد أطلقت على الضحايا عند محاولتهم للصعود في هذا الطابق".
الكثير ممن شهد انفجار "مجمع الليث" لا يزال يتعالج نفسيًا ولم يستطع أن ينسى ما حصل في ذلك اليوم
بيّن كذلك أن "الباب الذي يؤدي إلى سطح المجمع مقفول ولم يستطع أحد العبور إلى سطح المجمع"، مشيرًا إلى "تأخر سيارات الإسعاف والإطفاء إلى مكان الحادث، إذ وصلوا بعد أن قضي على أغلب الأشخاص داخل المجمع".
ذوو الشهداء.. قصص للضحايا وتحقيق لم يفتح!
الكثير من ذوي الضحايا، وبعد مرور ثلاث سنوات يطالبون بفتح ملف التحقيق وعدم إغلاقه إلى أن يتم العثور على الجناة، حيث أغلق ملف الانفجار منذ حدوثه ولم يسمع المواطن عنه منذ أن انتهت زيارة المكان من قبل السياسيين.
واتضح لـ"ألترا عراق"، أن الكثير ممن شهد هذه الحادثة لا يزال يتعالج نفسيًا ولم يستطع أن ينسى ما حصل في ذلك اليوم وهناك آثارة كثيرة لا تزال واضحة عليهم.
محمد خليل الذي فقد 6 أفراد من عائلته، يروي لنا قصته ويقول "فقدت زوجتي وأطفالي الأربعة ووالدتي، مبينًا أنني "إلى اليوم أعيش ذلك الكابوس المؤلم، إذ أن لعنة الانفجار ما زالت ترافقني من يومها، وأنا أردد سؤال واحد بيني وبين نفسي وأقول: كيف كانت لحظات الانفجار تمر على عائلتي وبماذا شعروا؟".
لفت خليل في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أنني "لم استطع العثور على جثة زوجتي ووالدتي وأصغر أطفالي الذي يبلغ من العمر سنة واحدة، فقط عثرت على أشلاء جثة أطفالي الثلاثة وكانت أشلاء محترقة، كان المنظر مؤلم جدًا بالنسبة لي، فأنا اليوم مشتاق لهم ولم استطع استيعاب رحيلهم عني".
أحد ذوي ضحايا انفجار الكرادة: لم استطع العثور على جثة زوجتي ووالدتي وأصغر أطفالي الذي يبلغ من العمر سنة واحدة، فقط عثرت على أشلاء جثة أطفالي الثلاثة وكانت أشلاء محترقة
فيما حمّل خليل مسؤولية ما حدث على الحكومة العراقية، مضيفًا أن "الحكومة تعرف من هم الجناة ولكنها تتستر عليهم لأنهم جزءًا منها، فمثل هذه الجريمة يجب أن لا يغلق ملف لتحقيق الخاص بها".
اقرأ/ي أيضًا: سيارة مفخخة في الكرّادة
إما قصة إحسان ناصر، وهو أحد الناجين من انفجار مجمع الليث بعد أن فقد صديقه عندما كانوا سوية، ووصف لنا اللحظات الأخيرة التي شهدها قبل أن يخرج ناجيًا من المجمع، فقال "في لحظة مفاجأة شاهدنا دخان يتعالى مع نيران سوداء تلتهم القريب والبعيد منها، مبينًا "كان المنظر مرعبًا جدًا، أصوات الأطفال وصراخ النساء تتعالى وكل من في المجمع يبحث عن وسيلة ليخرج، مستدركًا "لكن "التخطيط الإرهابي" كان ذكيًا جدًا حيث لن نستطيع أن نخرج من أي منفذ، مشيرًا إلى أن "الناس تجمعوا وبدأوا بتلاوة الأدعية المختلفة ليخرجوا سالمين من المجمع".
أضاف ناصر "كانت النساء تقوم باحتضان أطفالها لكي لا تلتهم النيران أجسادهم الغضة، هذا آخر منظر رأيته لأن من بعدها بلحظات قليلة صارت الرؤيا منعدمة بسبب الظلام الذي حل في جميع أرجاء المكان".
أشار إلى أنه "بدأت بالاختناق وقمت بلفظ الشهادة مثل ما فعل غيري، وبدأ الصمت يسيطر على المكان، فقط أصوات النيران التي تملأ أرجاء المكان، مضيفًا "حاولت أن لا استسلم فشجعت صديقي الذي كان يرافقني بأن نبحث عن وسيلة للخروج فبدأنا ننتقل من المكان الذي نحن فيه إلى مكان بعيدُ عن النار".
لفت ناصر إلى أن "صديقي لم ينج، وأنا قد أغمي عليّ بسبب الاختناق وبعد أن فتحت عيني وجدت نفسي خارج المجمع بفضل بعض المواطنين الذين استطاعوا إنقاذ عدد قليل من الأشخاص داخل المجمع وأنا واحد منهم".
وحول مسألة معالجة الحرائق، قال المحلل السياسي علي عودة قال لـ"ألترا عراق"، إنه "من خلال متابعتي للفاجعة فأُرجع السبب الأهم هو عدم وجود منافذ للطوارئ في معظم البنايات والعمارات السكنية والتجارية في العراق مقارنة بما موجود في الخارج".
أضاف أن "مسؤولية الحكومة كبيرة في الحد من هكذا جرائم من خلال تفعيل الجهد الاستخباري والتثقيف على زرع روح الشعور بالمسؤولية الوطنية لدى المواطن العراقي".
إما المحلل السياسي، باسل الكاظمي، قال إن "ما حدث في الكرادة، هذه الفاجعة الأليمة ليس اعتباطًا أو أنه مجرد حريق، وإنما هو بفعل فاعل، مبينًا "وأنا في رأيي الشخصي، أقول إن كل ما يحدث في العراق من انفجارات وحرائق هي إفرازات الخلافات السياسية".
أضاف الكاظمي في حديث لـ"ألترا عراق"، أننا "لاحظنا منذ عام 2003 وإلى يومنا هذا، أي خلافات تحدث داخل العملية السياسية يكون انعكاساتها سلبية على الشارع العراقي، مشيرًا إلى أن "العراق أعطى قوافل من الشهداء ومن الجرحى بسبب الخلافات بين السياسيين".
أحد الناجين من الانفجار: كانت النساء تقوم باحتضان أطفالها لكي لا تلتهم النيران أجسادهم الغضة فيما قام بعض المواطنين بإنقاذ عدد قليل من الأشخاص داخل المجمع وأنا واحد منهم!
لفت الكاظمي إلى أن "التحقيق كان مخجلًا للغاية، وليس بالمستوى المطلوب لأن في العراق أصحاب القرار لا يهتمون إلى دماء وأرواح المواطنين الأبرياء، مبينًا أن "هذه الفاجعة والكثير من الفاجعات التي حلت بكل محافظات العراق لو حدثت بأي بلد من بلدان العالم لرأينا تنقلب الدنيا ولا تقعد، أما في العراق فأن أرخص شيء في هذا البلد هو دماء الناس الأبرياء".
اقرأ/ي أيضًا: