ألترا عراق ـ فريق التحرير
يقترب النظام السياسي في العراق من إكمال 18 عامًا من عمره، ليكون على أعتاب اختتام عقدين من الزمن على وجوده كنظام استمد شرعية انطلاقه من قضيّة محورية تقف على النقيض من النظام السابق بوصفه نظامًا استبداديًا، وهي "الديمقراطية"، التي كانت قوات الاحتلال الأمريكي تبرر غزو العراق عبر الحديث بها وبتطويرها في العراق.
بعد 18 عامًا على نهاية نظام صدام حسين يأتي العراق اليوم في مصاف الدول "غير الحرّة"
الحريّة والديمقراطية، مفردتان أخذتا بالتداول على ألسِنة العراقيين وحتى الأطفال منهم، فور انطلاق الغزو الأمريكي إلى العراق وإسقاط نظام صدام حسين، وهو ما يعكس المطلب الأول والأساس، الذي سيُقام على أساسه النظام الجديد بشخوصه وأحزابه، كرد فعلٍ "إصلاحي" يزيح شكل وآليات وفلسفة حكم النظام السابق.
اقرأ/ي أيضًا: ورطة الديمقراطية
إلا أنه وبعد سنين من ولادة هذا النظام وعلاقاته الدوليّة بمختلف البلدان الديمقراطيّة، يأتي العراق اليوم في مصاف الدول "غير الحرّة"، كوصمة جديدة، من الوصمات التي يستحصلها بمختلف الدراسات والإحصائيات والتصنيفات العالمية على صعيد السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن وغيرها. ووفقًا لتصنيف جديد لمؤشر فريدوم هاوس للحريات، والذي درس وضع الديمقراطيات في العالم، جاء العراق في مراتب متأخرة، بحصوله على 29 نقطة من أصل 100 نقطة، ليصنّف هذا المؤشر العراق بكونه دولة "غير حرّة"، في الوقت الذي توزعت فيه دول العالم والمنطقة العربية بين حرّة وحرّة جزئيًا وغير حرة.
وبحسب التصنيف، فإن الدول غير الحرّة، تشهد انتخابات نادرة أو مزورة أو مؤجلة إلى إشعار آخر، فيما تعاني من مشاكل كبيرة أبرزها المحسوبية، والطائفية، والتدخل الخارجي، وتمركز مفاتيح الثروة والنفوذ في يد فئة معينة، وقمع المعارضة والاحتجاجات الشعبية وحرمان الشعوب من حرية التعبير عن آرائها دون قيود.
هل كل تعددية ديمقراطية؟
يرتكز مفهوم الديمقراطية كنظام حكم سياسي، على مجموعة من المتطلبات والعوامل، ومن بينها "التعددية"، تعددية الأحزاب والتشارك في الحكم عبر ممثلين يتمّ انتخابهم من الشعب، إلا أن هذا المفهوم، هو الأساس الأول الذي تشوّه في العراق، ليصبح التعدد عرقيًا وطائفيًا بدلًا من كونه سياسيًا. وإلى هذه القضيّة المفصلية يشير الكاتب والأكاديمي عقيل عباس، في إحدى مقالاته، والذي اعتبرها أحد التشوهات البنيوية الكبيرة التي أدت إلى إفشال الديمقراطية في العراق.
ويبيّن عباس أن "هذا التشوه قاد إلى ترسيخ مفاهيم إشكالية ذات طابع يقوم على الإنتماءات العرقية والدينية والعشائرية، وتحديد الأغلبية والأقلية على أساسها وبمعناهما الجامد، بدلًا من الأغلبية والأقلية بمعناهما السياسي المتغير على أساس الأفكار والقناعات بعكس الانتماءات الفردية أو الطوعية التي تتشكل من خلال تجربة المرء بالمجتمع، والتي غالبًا تكون لا خيار للفرد في تغييرها وتعديلها".
يرى مدير مركز التفكير السياسي أن الديمقراطية اهتزت في العراق منذ أن شهدت تزويرًا للانتخابات التي تعكس جزءًا من مظاهر الديمقراطية
الأساس الذي وصفه عباس بالتشوه البنيوي، والذي تشكل وفقًا له مفهوم تعددية الانتماءات في ديمقراطية العراق، أصبح المبرر الأول للإقصاء والاستبداد الحاصل في العراق، بحسب مراقبين، وهو المناقض الأول لمفهوم الديمقراطية.
هل تتمثل الديمقراطية بالانتخابات؟
ووفقًا لما شهدته السنوات السابقة منذ لحظة ولادة النظام الحالي فضلًا عن ما شهدته احتجاجات تشرين، من استخدام القوة المفرطة والاغتيالات وتكميم الأفواه بالأسلحة أو عبر القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية وفق مقاسات تؤدي لإسكات الأصوات المخالفة للنظام أو تصادر الحريات، بحسب ما ترى مؤسسات محلية ودولية معنية بالحريات، فإن كل ما سبق، أثبت أن لم يوفر النظام الحالي شرطًا من شروط الديمقراطية، عدا الانتخابات، فيما لم يسلم حتى هذا الشرط الوحيد المتحقق، من التلاعب والتزوير والإفساد.
اقرأ/ي أيضًا: معوقات إقامة النظام الديمقراطي في العراق
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الديمقراطية في العراق انحرفت كنظام سياسي، خصوصًا بعد سيطرة قوى وأحزاب سياسية على هذا النظام، وهي لا تؤمن من الأساس بالديمقراطية والدستور وتتخذ من آلياته منفذًا لتقاسم الدولة والاستحواذ على موارد العراق".
متى اهتزت الديمقراطية؟
ويضيف الشمري أن "الديمقراطية اهتزت في العراق منذ أن شهدت تزويرًا للانتخابات التي تعكس جزءًا من مظاهر الديمقراطية، وعمليات التزوير التي استباحت الانتخابات من قبل هذه القوى التقليدية، مما أفقدَ الديمقراطية في العراق الكثير"، فضلًا عن "عدم وجود دولة المؤسسات، فالديمقراطية لا تعني فقط إجراء انتخابات، بل من شروطها تكوين دولة مؤسسات، في حين عملت الأحزاب السياسية على إضعاف الدولة ومؤسساتها، ولم يعد هناك ما يمكن أن يُدعّم النظام الديمقراطي في العراق نتيجة غياب دولة المؤسسات".
واعتبر أن "تراجع العراق واعتباره غير حر، يتعلق أيضًا بقضية غياب القانون والدستور، حيث أن القوى والأحزاب السياسية فرضت قوانينها وإرادتها على حساب الدستور والقانون العراقي، وهذا أيضًا شوّه الديمقراطية بشكل كبير".
موت الديمقراطية
بعد الانحراف والاهتزاز الذي أصاب الديمقراطية في العراق، يشير الشمري إلى "موت الديمقراطية كمفهوم" في العراق، تحديدًا على أثر تبعات احتجاجات تشرين.
ويبيّن الشمري أن "ما أنهى الديمقراطية كمفهوم وآليات وثقة، هو ما حدث في تشرين من العام 2019، حينما تصدت السلطة آنذاك ومعادلة السلطة من أحزاب إلى الشعب الذي يعد هو صاحب الشرعية الأول، بالقمع والقتل الذي أدى إلى 600 ضحية وأكثر من 25 ألف جريح، هذا أنهى الديمقراطية في العراق".
وأوضح أن "ما شهدناه أثبت أن العراق يعيش تحت نظام استبدادي، يتمثل باستبداد الأحزاب، ولهذا لا أتصور أن هناك ديمقراطية، إضافة إلى التضييق على حرية التعبير وقتل أصحاب الرأي والإعلاميين، وكل هذه لا تضع العراق في مصاف الدول الديمقراطية".
يقول مدير مركز التفكير السياسي إن العراقيين أمام استبداد السلاح لذلك لا يمكن الحديث عن وجود ديمقراطية في العراق
ويضيف الشمري أن "السلاح المنفلت الذي بات يتحكم بالدولة ومؤسساتها على حساب السيادة والشعب والسلطات، لذلك نحن أمام استبداد السلاح في داخل العراق، لذلك لا يمكن الحديث عن وجود ديمقراطية في العراق، والتي أصبحت عنوانًا لا أكثر".
اقرأ/ي أيضًا: