الترا عراق - فريق التحرير
بسيارات مظللة، وأسلحة كاتمة تخفيها المعاطف، وأخرى ظاهرة باسم القانون، تفرض الأتاوات على الملاهي والبارات ومحال بيع المشروبات الكحولية في بغداد، تؤخذ المشروبات مجانًا والفتيات عنوة، تحت عيون رجال الأمن وعلى يدهم أيضًا، فيضطر أصحابها إلى دفع مئات الدولارات يوميًا، تذهب معظمها إلى فصائل "تدعي" الانتماء إلى الحشد الشعبي تقاسمت النفوذ في العاصمة، لتجنب القتل أو التفجير.
تفرض جهات تدعي الانتماء إلى الحشد الشعبي وعناصر تابعة لوزارة الداخلية أتاوات يومية على محال بيع الكحول والملاهي الليلية في بغداد
حصص من تلك الأتاوات تذهب فضلًا عن تلك الفصائل إلى جهات نافذة في الدولة، ودوريات الشرطة. يقول النائب السابق عن المكون المسيحي جوزيف صليوا، إن "مقدار المبالغ تكون بحسب المنطقة ومقدار رقيها أو شعبيتها، وحجم الملهى ونوعه، أو على مزاج المبتز، فهذا باب رزقهم".
اقرأ/ي أيضًا: طريق الكحول إلى العراق.. تجارة تحكمها ميليشيات دينية وأحزاب سياسية
يصف صليوا في حديث لـ "الترا عراق"، الأتاوات المفروضة بـ "عملية سطو منظمة، تبدو قانونية؛ فالسراق ينتسبون إلى جهات أمنية أو يدعون انتمائهم إلى فصائل في الحشد الشعبي، يستغلون الناس ويسرقونهم باسم الدولة أو الحشد"، معربًا عن أسفه لـ "فشل" كل المناشدات والمطالب بمعالجة هذه الظاهرة.
يبين النائب السابق، أن "هناك من امتعض من تصريحاتنا بهذا الصدد ووجه لنا التهم، لكن الحشد فعل خيرًا بإغلاقه مقرات وهمية مؤخرًا"، مرجحًا تورط تلك المقرات "بعمليات السرقة والابتزاز".
ويشكو أصحاب محال وبارات، قابلهم "الترا عراق"، من تكلفة "الأتاوات" التي تقدم لأكثر من جهة، ولكل دوريات الشرطة القريبة من محالهم. يقول مالك مخزن لبيع المشروبات بالجملة في مدينة الكرادة، اشترط عدم ذكر اسمه، إن "هذه الجهات تهددنا بالدفع أو إغلاق المحل، وإذا ما امتنعنا لا تتورع عن تهديدينا بالتصفية أو تفجير المحل، ولطالما حصل ذلك في أكثر من حادثة؛ طالت كثيرًا من المحلات في الكرادة لامتناع أصحابها عن الدفع".
يضيف وهو يشدد لنا على ضرورة عدم الإشارة إلى هويته، أن "حجة هذه الجهات هي توفير الحماية لنا، ونحن مجبرون على الدفع خوفًا، لأننا تحت تهديد السلاح"، فيما روى لنا قصة كاشير كان مصيره القتل بعد أن طالب مجموعة ما، بدفع الحساب في أحد بارات العاصمة، "دون أن يعلم أنهم ضباط في وزارة الداخلية!".
تمتلك المحال الخاصة بييع المشروبات والبارات والملاهي إجازات رسمية ومسجلة بموجب القانون العراقي، لكن ومنذ 2003 تتعرض هذه المحال إلى التضييق والمراقبة ومحاولات لإغلاقها، تارة عبر تهديد أصحابها وقتلهم، أو استهدافها بعبوات ناسفة وأسلحة خفيفة بواسطة مجهولين، وعلى إثر ذلك أغلقت ودمرت العديد من المحال في مناطق بغداد الجديدة، الكرادة، المنصور، كسرة وعطش، وغيرها.
وعن هوية الجهات التي تطالب أصحاب المحال والبارات بالدفع، يقول أيمن وهو صاحب متجر للمشروبات في منطقة البتاوين، إن "جميع فصائل الحشد الشعبي تأخذ الأتاوات بحسب منطقة نفوذها، كلها دون استثناء، وأبرزها: العصائب، كتائب حزب الله، وسرايا الخراساني"، مبينًا أن "حصة الأتاوات من الكرادة والبتاوين تذهب لصالح عصائب أهل الحق، فنحن ندفع لهم شهريًا".
500 دولار يدفعها أيمن لعناصر العصائب مقابل "حماية" محله الصغير، كما يقول، لكن ملاه وبارات تدفع مبالغ أكبر بكثير، كما أنه يدفع 50 ألف دينار يوميًا لدوريات الشرطة ونحو 150 دولارًا لشرطة السياحة، على حد قوله.
يدفع أصحاب محال الكحول الصغيرة نحو 700 دولار يوميًا إلى فصائل وعناصر أمن، فيما تدفع البارات الكبيرة والملاهي مبالغ أكبر بكثير
يضيف أيمن،: "يأتون بسيارات مظللة، اثنان أو ثلاث، وبأسلحتهم الشخصية، يعرفون أنفسهم صراحة؛ تابعون إلى هذا الفصيل أو ذاك أو إلى هذه الجهة الأمنية أو تلك، ولا يكتفون بجبرنا على الدفع فقط، بل يأخذون ما يحلو لهم من المشروبات مجانًا، أما في الملاهي فيأخذون الفتاة التي تعجبهم دون أن يجرؤ أحد على مناقشتهم".
لكن رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي، يشكك بهوية وادعاءات هذه الجهات، مؤكدًا أنهم "يدعون الانتماء لفصائل الحشد ويستغلونه اسمه"، فيما تعهد بـ "برفع توصيات إلى الجهات التنفيذية لمنع عمليات التهديد والابتزاز هذه".
دعا الزاملي في حديث لـ"الترا عراق"، هيئة الحشد الشعبي إلى "التحرك وملاحقة كل من يدعي الانتماء لها ممن يفرض الأتاوات أو يجبر الناس على الدفع بحجة حمايتهم"، مشيرًا إلى أن "هذه الممارسات تسيء إلى دماء وتضحيات الحشد".
وأثار قرار البرلمان، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2016، حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بجميع انواعها، غضب الأقليات ومستهلكي المشروبات، وأحدث موجة سخط وانتقادات بين الأوساط السياسية والشعبية، لكن وعلى الرغم من القرار الذي يفرض على من يخالفه غرامة تتراوح بين 10 - 25 مليون دينار، لا زالت أسواق المشروبات الكحولية تلقى رواجًا كبيرًا، إذ تزدحم الحانات والبارات والملاهي، في أيام العطل والمناسبات، بالزبائن من بغداد والمحافظات.
كان تصويت البرلمان على القانون قد دفع إلى خرج العشرات من محبي الكحول ونشطاء مدنيين وأصحاب فنادق ونوادي الليلية، بتظاهرة وسط بغداد استنكروا فيها قرار المنع، وطالبوا فيها بحماية الملاهي والبارات بدلًا من منعها.
وعلى عكس بغداد التي تحظى بتشريعات اتحادية تسهل إجراءات فتح المحال والبارات، يتيح الدستور العراقي للحكومات المحلية في المحافظات إصدار تشريعات تحمي خصوصياتها الدينية والقومية، حيث تتفق أغلب تلك الحكومات على منع الكحول ومحالها والمتاجرة بها، باستثناء محافظات كردستان وكركوك والموصل؛ الأمر الذي يدفع المئات من المحافظات المحرومة من الكحول إلى حانات بغداد ملاهيها أفرادًا وجماعات.
يقول أحد العاملين في بار بمنطقة السعدون طلب عدم ذكر اسمه، إن "نصف مرتادي البارات هم من المحافظات، يأتون على شكل مجموعات"، مؤكدًا أن "البار يتحول إلى عراق مصغر ليلة الجمعة من كل أسبوع".
"كل ممنوع مرغوب"، يضيف العامل لـ "الترا عراق"، مبينًا أن "هؤلاء الزبائن يضطرون إلى دفع الكثير من الأموال كأجور نقل وسكن حتى يحظون بليلة خمر".
تعج الملاهي بالمحرومين من الكحول في المحافظات الجنوبية وغيرها فتتحول إلى عراق مصغر كل ليلة جمعة، لكنهم يضطرون إلى تحمل تكاليف كبيرة مقابل "ليلة خمر"
كان النائب عن التحالف المدني فائق الشيخ علي قد اتهم، في مؤتمر صحفي في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2016، فصائل مسلحة وأحزاب إسلامية بحماية "الملاهي والبارات بالعراق مقابل أموال"، مشيرًا إلى وجود صالات خاصة بممارسة القمار في العراق "لا نظير لها حتى في مونتكارلو و لندن أو بيروت"، في إشارة الى تطورها وحجمها، فيما أكد أن بعض الأحزاب الإسلامية الشيعية والتي تمتلك مليشيات وعناصر مسلحة منها تتقاسم واردات تلك الصالات.
اقرأ/ي أيضًا: قصّة "الجنس" مقابل الغذاء.. شهادة حية من مخيمات النزوح في نينوى
وفرض قانون الموازنة العام لعام 2018 الماضي، ضرائب على المشروبات الكحولية المستوردة بنسبة 300%، وهو ما رفع من أسعار جميع أنواع المشروبات في بغداد، بينما يتضاعف سعرها كثيرًا في المحافظات، حيث تدخل المشروبات الكحولية عبر مهربين.
فيما تقوم وزارة الداخلية والحكومات المحلية بحملات بين الحين والآخر، لإغلاق محلات بيع المشروبات الكحولية والنوادي الليلية استنادًا إلى قوانين وتعليمات أصدرها النظام السابق ضمن ما يسمى بـ"الحملة الايمانية". والتي صدر على إثرها في سنة 1994 قرار من مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (82) تضمن منع بيع وتناول المشروبات الكحولية في النوادي والفنادق والمطاعم والمرافق السياحية، لكنه أباح ذلك في غير هذه المحلات، وسمي هذا القرار في وقته بـ(قرار المفرد المختوم) حيث توضع هذه العبارة على قناني المشروبات التي تبيعها محال الكحول.
اقرأ/ي أيضًا:
ظاهرة "العطواني" تثير شبهات "المثلية" في مدينة الصدر.. من هؤلاء وأين العروس؟
لماذا يفضل العشّاق قضاء مواعيدهم الغرامية بـ"السيارات" في بغداد؟