تدرك جميع الكتل السياسية قيمة المواقع التنفيذية في المحافظات، بدءًا من منصب المحافظ وصولًا إلى مدير أصغر دائرة خدمية في الأقضية والنواحي، بالوقت الذي تفرض ظروف المشهد السياسي للمحافظة على الكتل السياسية عقد تفاهمات بعيدًا عن خلافات العاصمة بغداد وأنماط العلاقة بين الأحزاب هناك. وتضمن المناصب أنها تحشد الجمهور للحزب الداعم، وهذا التحشيد مرهون بمساحة تأثير المنصب على الموارد المالية، والأوامر الإدارية التي ترتبط بها معظم فئات المجتمع، ما يقوي الموقف في الانتخابات البرلمانية والمحلية، بالإضافة إلى مكاسب تتعلّق بالعقود والمقاولات والمشاريع في المحافظة.
أقال مجلسا الديوانية وذي قار محافظيهما، وتم اختيار عادل الدخيلي عن الحكمة لذي قار فيما اختار مجلس محافظة الديوانية علي الشعلان عن دولة القانون
في انتخابات آيار/مايو 2018 ظفر عشرة مسؤولين تنفيذيين بعضوية البرلمان، بينهم وزراء ومحافظين ومدراء عامين وقادة عسكريين، وحققوا أعلى الأصوات في محافظاتهم، وبين هؤلاء المسؤولين من لم يريد أن يبدأ عمله كعضو برلمان، إنما بقي في منصبه التنفيذي بمحافظته، ولم يؤدي حتى اليمين الدستورية، مثل أسعد العيداني، محافظ البصرة.
تفاهمات جزئية
إلى فترة قريبة، كانت التحالفات في مجالس المحافظات مرهونة بالتفاهمات المركزية في بغداد، حيث اختير محافظو ورؤساء المجالس بعد الانتخابات المحلية في 2013 على ضوء تحالفات موحدة، شملت تسوياتها المناورة بمنصب المحافظ ورئيس مجلس المحافظة في جميع المحافظات.
اقرأ/ي أيضًا: وثيقة| بينهم المالكي والعبادي.. خمسة نواب لم يؤدوا اليمين الدستورية حتى الآن!
وفي حراك متوازي من حيث الوقت، أقال مجلسي الديوانية وذي قار محافظيهما، ويبدو أن تفاهمات الكتل في كل مجلس كانت خاضعة لظروف خاصة، بعيدًا عن رؤيا موحدة للحزب، فاختار مجلس ذي قار عادل الدخيلي عن تيار الحكمة محافظًا خلفًا للمحافظ المقال عن دولة القانون يحيى الناصري، فيما اختار مجلس الديوانية علي الشعلان عن دولة القانون خلفًا لسامي الحسناوي عن حزب الفضيلة.
الدخيلي في ذي قار حصل على 21 صوتًا من أصل 22 حضورًا، بدعم من كتلة الأحرار "سائرون"، وحزب الفضيلة، فيما قاطعت دولة القانون الجلسة.
وحول ذلك، قال مصدر لـ"ألترا عراق"، إن "ما يساعد على تمرير التفاهمات والوصول إلى تسويات، الموقف الحاد من المسؤول المقال وحزبه، لذلك نجد تنازلات وتبادل في الأدوار للدفع باتجاه تغييره"، لافتًا إلى أن "الحكمة وسائرون والفضيلة كانوا في مواجهة دولة القانون في ذي ذقار، فيما انقلبت المعادلة في الديوانية بدخول دولة القانون مع المتحالفين في مواجهة الفضيلة".
أضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بموقعه الوظيفي، أن "التسوية الأخيرة التي توصلت إليها الكتل في مجلس ذي قار، وأفضت إلى تمرير الدخيلي محافظًا هي سحب هيئة الاستثمار من الحكمة، ومنحها لسائرون، بالإضافة لدائرة الصحة، فيما ظفر حزب الفضيلة بمنصب النائب الأول للمحافظ"، لافتًا إلى أن "الاتفقات تقضي بتمرير مجموعة من المشاريع الصغيرة ضمن موازنة 2019 إلى بعض الكتل الصغيرة".
مصدر: الحكمة وسائرون والفضيلة كانوا في مواجهة دولة القانون في ذي ذقار فيما انقلبت المعادلة في الديوانية بدخول دولة القانون مع المتحالفين في مواجهة الفضيلة
في السياق، اعتبر النائب عن دولة القانون، عبد الهادي السعداوي، الطريقة التي تم فيها انتخاب عادل الدخيلي محافظًا ممثلًا عن تيار الحكمة انعكاس لمبدأ المحاصصة المقيتة، مبينًا في بيان تابعه "ألترا عراق" أنه "طالما نادينا وسعينا لإنهائها، لكنه على ما يبدو ما تزال بعض الكتل تعمل على تطبيقها، وهي نفسها التي تتظاهر أمام العلن بمحاربتها".
سيناريو مختلف.. ليس بالانتخابات وحدها يفوز المسؤول!
بعد إقالة محافظ الديوانية، سامي الحسناوي عن حزب الفضيلة، وعلى نحو مختلف عما جرى في ذي قار، شهد ملف اختيار المحافظ فوضى وحديث عن شبهات فساد بشراء المنصب، وعرض مبالغ على أعضاء مجلس المحافظة.
اقرأ/ي أيضًا: مستشارون بلا قانون يتكدسون في مكاتب فخمة.. ماذا يفعلون؟!
قال المرشح لمنصب محافظ الديوانية، الحقوقي أحمد كامل، إنه "سحب ترشيحه لمنصب محافظ الديوانية، بعد أن طلب منه (600) ألف دولار، للفوز بالمنصب، مبينًا "تفاجأت بأشخاص يقودون عملية التفاوض، بينهم سياسيون ورجال أعمال، اشترطوا عليّ دفع (40) ألف دولار لـ(15) عضوًا بمجلس الديوانية".
أضاف في تصريحات صحفية تابعها "ألترا عراق"، أنهم "طلبوا بالإضافة إلى ذلك التعهد بعدم فتح أي ملف فساد للحكومات المحلية السابقة، وكذلك التوقيع على ورقة بيضاء واستقالة عند الإخلال بهذا الشرط غير المقبول"، لافتًا إلى أنني "قمت بتقديم طلب لرئيس المجلس وسحبت ترشحي، كون هذا لا ينسجم مع هدفي".
فيما صوت مجلس محافظة الديوانية على علي الشعلان عن دولة القانون محافظًا، بعد حصوله على 17 صوتًا من أصل 28، بدعم من سائرون والحكمة ودولة القانون، بالإضافة إلى الكتلة البيضاء والمؤتمر الوطني.
وعن ترشيح الشعلان، قال مصدر في مجلس الديوانية لـ"ألترا عراق"، إن "تراكم المشاكل وشبهات الفساد حشدت الكتل المختلفة ضد حزب الفضيلة، والتي تغافلت معظمها عن خلافتها المركزية، وعمدت إلى عقد تسوية متوازنة المكاسب تنهي التفرد بالسلطة في المحافظة"، فيما لفت إلى أن "المحافظ الجديد يقول إنه مستقل، لكنه يحظى بدعم دولة القانون ورشح من قبلهم".
بدعم من سائرون والحكمة صوّت مجلس محافظة الديوانية على مرشح دولة القانون علي الشعلان لمنصب المحافظ
أضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بوظيفته، أن "الاتفاق يقضي بتوزيع حزمة مناصب في المحافظة، تبدأ من المديرية العامة، وتنتهي بأصغر مصنب من صلاحيات المحافظة والمجلس، وأبرزها التربية من حصة الأحرار والبلدية لبدر، فيما ذهبت الصحة للكتلة البيضاء مناصفة مع الأحرار" لافتًا إلى أن "لجان من الكتل السياسية ستشكل بعد عيد الأضحى لجرد تلك المناصب وتوزيعها فيما بينها".
اقرأ/ي أيضًا: مناصب جديدة "تفتح النار" على عبد المهدي.. توقيت "مريب" وأسماء مثيرة للجدل!
في السياق يرى الدكتور علي طاهر الحمود، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة بغداد، أن "الصراع على المناصب التنفيذية في المحافظات يتعلق بريعية الاقتصاد العراقي، ووجود أموال مجانية بعيدة عن الناس، حق التصرف بها محصور بفئة الأحزاب والفصائل الحاكمة، لذلك لا وسيلة لضمان مساحة واسعة للتصرف بهذه الأموال سوى تسنم تلك المناصب".
أضاف الحمود في حديث لـ"ألترا عراق" أن "السبب الآخر هو أن منصب المحافظ تحديدًا يضمن له قرارًا تنفيذيًا مؤثرًا على مستوى الانتخابات المحلية والبرلمانية، خاصة بظل امتلاك المحافظات إمكانيات لوجستية كبيرة، ويمكن أن تسخر لهذا الأمر".
لفت إلى "وجود أثر معنوي يمكن أن يؤثر على الناخب في الانتخابات ما يساعد على إعادة تدوير نفس الوجوه والأحزاب".
أشار الحمود إلى أن "توزيع المناصب في المحافظات كان سابقًا يتم من خلال صفقة واحدة بتشكيل الحكومة المحلية، تنازلات في المحافظات ومكاسب في بغداد والعكس، مستدركًا "ولكن الاختلاف الزمني في الانتخابات بين المحلية والبرلمانية منح القوى السياسية مرونة في التفاهم بالمحافظات بشكل منفصل عن بغداد"، لافتًا إلى أن "حزب الدعوة جناح المالكي استطاع أن يكسب أكبر من حجمه من خلال دعم وتمرير شخصيات غير مرتبطة به تنظيميًا، لكنها في مساحة الأصدقاء والمقربين".
أكاديمي: حزب الدعوة جناح المالكي استطاع أن يكسب أكبر من حجمه من خلال دعم وتمرير شخصيات غير مرتبطة به تنظيميًا، لكنها في مساحة الأصدقاء والمقربين
وختم الحمود حديثه بالقول، إن "المؤشرات الاجتماعية والسياسية لا تشير إلى ظهور تيار ثالث أو بديل، فاللحظة التاريخية لم تحن بعد للتغير الذي ننشده، سوى تغيير بعض الوجوه من حزب إلى آخر، ما يجعل القراءة تشي إلى أن الانتخابات القادمة لن تحدث متغيرًا حاسمًا، خاصة وأن الجميع متفق على إجراءها بوقتها المناسب هذا ما يجعل حدوث تغير دراماتيكي بعيدًا".
اقرأ/ي أيضًا:
"شيخ عشيرة" يشعل منافسة بين سائرون والحكمة في واسط.. مناصب دون "بكالوريوس"!