ألترا عراق ـ فريق التحرير
علّق الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية"، حيدر سعيد، على الاحتجاجات العراقية بمناسبة مرور عام عليها.
حيدر سعيد: ما حدث في تشرين الأول/أكتوبر 2019 كان لحظة مهمة في بناء الوطنية العراقية، وأهمية ثورة تشرين أنها تحولت إلى حالة يكتشف الجيل فيها هويته الوطنية
ووصف سعيد في تصريحات لبرنامج "المحايد"، على القناة الرسمية، وتابعه "ألترا عراق"، ما جرى أنه "ثورة"، مبرهنًا أنه "تحول نوعي فيما راكمته الحركة الاحتجاجية في العراق منذ 2009 و 2010، مشيرًا إلى أن "كل أدبيات في العلوم الاجتماعية تصف الثورة للأحداث هي التي تحدث تحولًا بنيويًا عميقًا في مجتمعاتها، ولسنا بحدث من هذا النوع، مستدركًا "لكن التحول الذي حدث في 25 تشرين الأول/أكتوبر أفرز شعور مجتمعي عام يرى أن إصلاح النظام غير ممكن ولا بدّ أن يستبدل، مستندًا إلى "استطلاعات رأي تقول إن نسبة التأيد للاحتجاجات في العراق تصل 80 إلى 85 بالمائة".
اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة تشرين: الموت من أجل الحياة
وقال سعيد إن "عمومية الشعار في تشرين الأول/أكتوبر 2019 كان هذا النظام يجب أن يغيّر، والتغيير يجب أن يكون تغييرًا راديكاليًا وإصلاحات جذرية بما يقود إلى نظام آخر، وليس إصلاحات ترقيعية بالطريقة التي كانت تنادي بها أطراف من داخل النظام"، مبينًا أن "الكتلة الأساسية في الحركة الاحتجاجية لم تفكر بثورة بمعنى القطع الذي حصل في 9 نيسان/أبريل 2003. قوة أجنبية استبدلت النظام بآخر، لافتًا إلى أنها "ثورة إصلاحية تبقي إطار النظام قائمًا، لكنها تحدث إصلاحات جذرية".
وأوضح سعيد أنه "منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 لم تعد القضية قضية فئات مهمشة ومطالب توظيف، هناك تغيير حتى في الشعار، شعار نريد وطن بمعنى نريد دولة، شعار نريد وطن بمعنى هو شعار الوطن الذي هو ضد طائفة"، مبينًا أن "هذا الجيل الذي يخوض الحركة الاحتجاجية غالبًا هو مولود في سنة 1998 وحين حدث تغيير 2003 كانوا أطفالًا، ولم يلحقوا على صدام حسين، ووعيهم السياسي لم يتشكل بعد، لافتًا إلى أن "التخويف من البعث لم يعد مجديًا معه".
ويرى سعيد أن "ما حدث في تشرين الأول/أكتوبر 2019 كان لحظة مهمة في بناء الوطنية العراقية، وأهمية ثورة تشرين أنها تحولت إلى حالة يكتشف الجيل فيها هويته الوطنية، مبينًا أن "الوطنية ليست شيئًا مثاليًا، الوطنية تبنيها الوقائع".
وعن التداخل الإقليمي بالاحتجاجات العراقية، قال سعيد إن "أكثر من طرف إقليمي كان يريد أن يوظف الاحتجاجات لصالحه، والعراق يشهد صراعًا أمريكيًا إيرانيًا، وكل طرف كان يريد أن يرى ما يفيده في هذه الثورة، وأطرف عربية دخلت في الخط، لافتًا إلى أن "أكثر من لحظة اختبار مرت بها الثورة ومر بها الثوار، وكانت أقسى لحظة اختبار أمام الثورة، هي لحظة اغتيال سليماني والمهندس، وكان وعي الثوار وعيًا شديد الأهمية وقالوا نحن لسنا طرفًا، نخن لا نتبع الأجندة الأمريكية، لا نتبع الأجندة الإيرانية، نحن نتبع الأجندة الوطنية".
وبيّن سعيد "هناك إيرادات إقليمية تريد أن توظف الحركة الاحتجاجية لصالحها، لكن الحركة الاحتجاجية واعية بأهمية استقلالها الوطني".
وحول المشاركة السياسية للمتظاهرين، قال سعيد إن "واحدًا من عوامل ثورة تشرين كان البحث عن إطار للمشاركة السياسية لجيل حرم من المشاركة، مشيرًا إلى أن "العراق انتقل في 2003 من نظام مغلق لا حياة فيه إلى نظام مفتوح، مستدركًا "لكن لم يستطع نظام ما بعد 2003 أن ينتج نخبة سياسية جديدة غير النخبة التي تشكلت في إطار المعارضة وتسلمت الحكم".
حيدر سعيد: التركة أكبر من الكاظمي والوضع أعقد من أن يخوض المعركة فيه مع "دولة الظل"
وأضاف أن "طبيعة النظام الطائفي الذي يستند إلى بنية ريعية تحولت فيه التنظيمات السياسية إلى أطر للتكسب السياسي وإعادة توزيع الريع على المجموعات الأثنية والطائفية، وبالتالي أن هذا الجيل لم تتح له المشاركة السياسية، والانتخابات الموجودة لا تعني المشاركة في السياسة، مؤكدًا أن "السؤال في تقديري ليس الشباب قادرين على المشاركة السياسية الآ أو لا يقدرون، بل النظام نفسه قادر على الاستمرار؟".
اقرأ/ي أيضًا: 25 تشرين.. فاصل تاريخي بطله التحدي
ويعتقد سعيد أن "الحركة الاحتجاجية في العراق يجب يجب أن تمأسس لاستعادة النظام الديمقراطي"، مشيرًا إلى أن "النظام السياسي بعد 17 سنة، لا يمكن إصلاحه من داخل المنظومة السيايية والحزبية القائمة"، لافتًا إلى أن "كل الاحتجاجات التي بدأت سواء في 2015 2016 أو 2017 أو 2018 خلفيتها الأولى هي عجز الدولة عن أداء الخدمات العامة، مستدركًا "لكن مع 2019 وصلنا إلى مرحلة التحول أن القضية ليست إصلاحًا بالدولة، إنما مرحلة إصلاح راديكالي لهذه الدولة".
وعن قدرة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، قال سعيد إن "الكاظمي أتى من داخل النظام وتسلم مسؤولية أمنية عليا بسبب وضع قرابي ما، وتدرجه داخل النظام هو تدرج تقليدي، مستدركًا لكنه أراد أن يكتسب شرعيته من ثورة تشرين، وأراد أن يجعلها أطارًا له"، مضيفًا "كان التوقع أن يذهب الكاظمي إلى نوع من الصدام مع دولة الظل التي تتحكم بالدولة، الخفية التي تمارس الاغتيالات ولها اقتصاد خاص بها ولها علاقاتها الاقليمية ولها منظومتها الأيديولجية، وهي عائق أساسي مع حركة الإصلاح، لكن التركة أكبر من الكاظمي والوضع أعقد من أن يخوض الكاظمي المعركة".
لفت سعيد إلى أن "أطراف المواجهة أصبحت بينة وواضحة، والعائق أمام إصلاح النظام السياسي صار واضحًا، نحن أمام مسار طويل ليس بالضرورة أن ينجز في 2020 وهنا أهمية مأسسة الاحتجاج كأداة لاستعادة المسار الديمقراطي".
ويعوّل سعيد على ما وصفه بـ"الوضع الصعب"، مبينًا "انهيار النظام، العجز عن دفع الرواتب، عدم قدرة النظام على الديمومة، هو ما سيدفع حتى الأطراف المتشددة داخل النظام إلى تقديم تنازلات والقبول بإجراء إصلاحات جذرية أو أقل جذرية داخل النظام".
وعن عدم مشاركة المحافظات التي يسكنها غالبية سنية، قال سعيد إن "تشرين كانت ثورة وطنية حتى لو كان جزءًا أساسيًا منها يتحدرون من أصول شيعية، فإن الأفق لم يكن أفقا شيعيًا، والتحرك كان وطنيًا، لافتًا إلى أن "المحافظات السنية انهكت بما يكفي، هناك انهاك شديد بسبب تجربة داعش، قائلًا "لا نستطيع أن نصف التظاهرات ذات لون طائفي أو حركة اصلاح داخل الطائفة".
حيدر سعيد: انهيار النظام، والعجز عن دفع الرواتب هو ما سيدفع حتى الأطراف المتشددة داخل النظام إلى تقديم تنازلات والقبول بإجراء إصلاحات جذرية أو أقل جذرية
وختم سعيد حديثه بالقول إن "السؤال الأكثر أهمية ليس السؤال هي حركة إصلاح داخل الفضاء الشيعي، لكن واحدًا من أسئلتها المهمة هو علاقتها بالفضاء الصدري، مشيرًا إلى "جزء أساسي من قادة الحراك، هم يتحدرون من مدينة الصدر أو من عوائل صدرية أو مناطق صدرية أو كانوا صدريين سابقًا، والسؤال ما الذي حدث داخل الفضاء الصدري بحيث حرّك جيل من أبناء الصدريين باتجاه هذا الفعل الأوديبي، أو "مخالفة الأب"؟
اقرأ/ي أيضًا:
25 تشرين.. رفاق صفاء السرايّ يطلقون جولة جديدة من الاحتجاجات