يقول حميد الحريزي متحدثًا عن العنوان في مقدمة مقاله عن رواية (مرحبًا أيها الأسفل) إن عنوان الرواية حامل مفتاح متن الرواية والهامس بمضمونها وبعدها الفكري، وهو الضوء الوامض للمتلقي ولفت انتباهه، وربما إثارة الأسئلة في مخيلته لمبنى ومعنى الرواية، مما يثير اهتمامه لفك شفرته، وقد يكون العنوان مجرد لافتة تثير الأنظار والانبهار لدى المتلقي لا يربطها أي رابط بالمتن الروائي.
تقول أمرأة نجفية متحدثةً عن (مرحبًا أيها الأسفل) سأخفي الرواية تحت عباءتي، تحت قميص البيت، أو قميص الاحتفالات الدينية سأخفيها، خلف صورة المرجع الكبيرة، سـأخفيها في المخزن واطالعها حين تغادر العائلة، ولن أحرقها أبدًا. لا أفكر في الحرق، قلبي مع الكاتب في دعوته السرية. ويقول روائي ما، إن القلب محبرة والرأس علبة تحتوي على قصاصات مسطورة بالأسئلة، الطاولة التي أكتب عليها روايتي تسري فيها هزة أرضية برفقة المرارة والتفاؤل، أواصل الكتابة، سأسمي روايتي الأسئلة الخضراء وجحيمها!
يقول صالح مهدي، إن هذه الرواية جعلتني أقول بكل صراحة، إن الرواية خرجت من مرحلة التأثر ودخلت في مرحلة الإحاطة، الإحاطة بالأشياء والمفاهيم والتدخل في كل شيء، فهي أصبحت هكذا بالضبط، تسأل وتعرف ولا تهتم بصنع النهايات الحزينة أو الدهشة، ولا تتملق وتقدم المواساة، دخلت في مرحلة الصفع. يتساءل خيري لا أدري من كان المفرط في إنسانيته، إنسان الإله أم إنسان دارون؟ ويضيف: هل يدخل الله الصالحين غير الدينيين الجنة؟
محسن ضيهود، روائي عراقي ولد في النجف 1975، وهو مؤسس مجلة وجه الغد العراقية، ناقد في مجال في مجال الصوت، أصدر روايته "مرحبًا أيها الأسفل" عن دار القلم للنشر والتوزيع في النجف، وهي رواية من الحجم المتوسط، ولوحة الغلاف كانت فتاة تحت الماء يكمل وجهها خارج الماء نصف قمر. بدأ روايته بمقولات لادونيس وتشارلز بوكوفسكي وأميل سيوران، وهذا حوار معه:
- قبل الدخول في عالم الرواية كنت تكتب الشعر العامي ولا أريد أن أقول الشعبي؟ هل كنت في هذ المجال تعتبر نفسك ضيفًا يعرف نفسه سيغادر يومًا ما هذا العالم نحو عالم آخر أوسع؟ أم أنك ما زلت مرتبطًا به، ومن حقك أن ترتبط بنوع أدبي آخر، وبنوع ثالث ورابع كما يقول (قرآن ما أو كتاب مقدس) يضعه الأدباء على رفوفهم العالية؟
لا يوجد ضيف أو مقيم في الكتابة، ولا يوجد انتماء لشكل خاص أو عام، بل هو الانتماء للكتابة، سواء كانت سردًا أو شعرًا أو مقالًا، وغير ذلك من أصناف الكتابة.
- ما الذي يجذبك نحو عالم الرواية، هل كانت رغبة قديمة ومؤجلة، أم أنها جاءت لأن الرواية نوع أدبي مغري في هذه المرحلة؟ خاصة وهنالك الكثير من الشعراء الآن وبعد مرحلة متأخرة خاضوا تجربة الكتابة الروائية؟
هناك من يكتب حسب الموضة، فحتى الكتابة لغير الكتّاب أصبحت متأثرة بالموضة، تشبه في ذلك الثياب وقصات الشعر. أنا أمتلك قدرة على السرد، كان هذا واضحًا لدي في مادة الإنشاء والتعبير في درس اللغة العربية، كنت أكتب أشياء متقدمة على الكل، والرواية هي أرض واسعة يمكن أن يتحرك بها الكاتب براحة تامة، بشرط أن يتقن معايير الحركة.
- جئت إلى عالم الرواية متسلحًا بتجربة شعرية ـ قراءة وكتابة ـ كذلك بالفلسفة، وكان هذا واضحًا في روايتك (مرحبًا أيها الأسفل) في جديدك ومشاريعك الروائية القادمة، هل تظل متواصلًا في هذا المشروع في أن يكون البطل ينتج الأسئلة الفلسفية؟
هناك شيء مهم جدًا، وخاص في نجاح الأعمال الروائية الكبيرة، وهو وجود سؤال مضمر تجيب عنه الرواية داخل النص، طرح الأسئلة أو السؤال المستمر هو يدعم دفع السرد والتخييل إلى الأمام، ويدعم كذلك النص الموازي والمونولوج.
- ما هي الأسماء الروائية التي ترى أنها أعطت طاقةً روائية كبيرة، غائب طعمة فرمان؟ فؤاد التكرلي؟ عبد الرحمن مجيد الربيعي؟
غائب طعمة وفؤاد التكرلي وعبد الرحمن الرببعي، فريق مهم جدًا في تصدير الطاقة الإبداعية للرواية العراقية والعربية، لكن غائب طعمة وفؤاد التكرلي، كانا مادتين مهمتين للنقد، تم استدعاء أعمالهما في ميدان النقد العربي المعاصر، بالرغم من أن الربيعي يمتلك منتوجًا أدبيًا أكبر.
- ما رأيك بالأسماء الروائية من جيل علي بدر وأحمد سعداوي، أو الجيل الذي بعده مرتضى كزار مثلًا؟
علي بدر وسعدواي ومرتضى كزار، من جيل واحد، يتقدمهم علي بدر في النتاج والشهرة، بالرغم من أن سعداوي في "فرنكشتاين في بغداد" اقترب من العالمية.
- هل تكتب قصة قصيرة؟
أكتب القصة داخل الرواية.
- هل تكتب الرواية وفق مشروع معين مثل نجيب محفوظ أو في الأسماء المعاصرة، علي بدر مثالًا؟ أم حالة مزاج مثل فؤاد التكرلي؟
مشروع الكتابة لدي غير ملتزم بمدرسة أو اتجاه معين، ولو كنت ملتزمًا بنموذج معين فهناك نماذج عالمية غير عربية مهمة، كون أن الرواية جنس أدبي غربي.
- الشاعر العامي في داخلك هل ما زال مستيقظًا أو يستيقظ بين حين وآخر، هل تسمح لهذا الشاعر أن يفرغ جنونه على الورق أم تمنعه؟
يوجد في داخلي، كل شيء، الموسيقي والفنان والشاعر.
- مرحبًا أيها الأسفل، روايتك الأولى نشرًا أم كتابة ونشرًا؟ هل ما زلت محتفظًا بروايات كتبتها قبل هذه الرواية؟
أمتلك تجارب كتابة روائية عديدة لكنها غير مكتملة، وكانت رواية "مرحبًا أيها الأسفل" أولى تلك التجارب، وأنا الآن بصدد كتابة روائية ثانية.
- االلون الأسود ماذا يرمز لك، هل يرمز للحزن، وهل ترتديه في مناسبات دينية حزينة مثلً وفاة إمام ما؟ أم يرمزللجمال والدفء؟
لا يوجد كاتب ينفعل ويخضع لتأثير إيديولوجيا دينية. الكاتب قلق أبدي وشكّاك ولا يرضى عن كل شيء. اللون الأسود هو كان مادة حكائية في النص الخاص بمرحبًا أيها الأسفل.
- أيهما الأكثر متعة لديك وتمارسه بانسيابية وتوظفه بسهولة وبمتعة، الشعر أم الفلسفة، أو بالأحرى، هذا الكم الهائل من الأسئلة الوجودية؟ وهي موجودة بكثرة في روايتك مرحبًا أيها الأسفل؟
الفلسفة هي من يطرح الأسئلة، ويبتكر أسئلة جديدة، والفيلسوف هو من يعيد ترتيب الوجود حسب وجهة نظر معرفية خاصة، لذا السؤال هو حركة الفكر، وكما يقول موريس بلانشو: العالم يتسع بالأسئلة.
- هل أطلع على روايتك الأصدقاء والأقارب، وأقصد بدافع الزمالة في العمل وصلة القرابة، وإذا أبدوا ملاحظات هل تستمع إليها؟
نعم، هناك قارئ أول لكل عمل، وهذا القارئ لا يشترط به كونه صديقًا أو قريبًا، بقدر ما أنه يمتلك رأيا خاصًا ومعرفيًا.
مَن من الروائيين في العالم قديمًا وحديثًا يثير اهتمامك؟
عالميًا: توماس هاردي، أريك استورياس، ماريا ريمارك وميلان كونديرا.
- مَن من الروائين العرب والعراق قديمًا وحديثًا يثير اهتمامك؟
إسماعيل فهد إسماعيل، صنع الله إبراهيم، فؤاد التكرلي، الماحي بينبين وواسيني الأعرج.
- أنت من محافظة دينية لها قوانينها الخاصة ترضى بالتسليم، ولا تقبل طرح الأسئلة ليس الوجودية، فقط بل حتى الاجتماعية والبسيطة، كيف طرحت وفي عقر دارها هذه الأسئلة العنيدة؟ ألم تخف؟
.........
- لماذا لا تجيب يا صديقي؟
لأنني لا أؤمن بالمكان. أنا أسكن النجف لكنها لا تسكنني.
في نهاية الحوار، أتقدم بالشكر الجزيل لك صديقي الرائع الشاعر عمار كشيش، على قراءة روايتي مرحبًا أيها الأسفل، وعلى الاسئلة التي تهتم وتخص الوعي والمعرفة.
اقرأ/ي أيضًا:
حوار| ميثم راضي: أحلم أن يُعلم الخيال في المدارس!
حوار| شهيد شهيد: العراقيون جميعهم في منطقة الخطر ولن تتوقف قافلة المغدورين!