غادر العراق منذ 43 عامًا نحو بيروت، تحديدًا في عام 1979، لكن حل العودة ظل يلاحقه دائمًا، أنه الشاعر العراقي عوّاد ناصر، الذي ولد في محافظة ميسان عام 1950، ونشر أول قصائده من خلال النوافذ الصحفية التي كان يتيحها الحزب الشيوعي العراقي للشباب، كما عمل في الصحافة، ومنها صحف المقاومة الفلسطينية، وأبرزها "صحيفة الحرية".
كتب عواد ناصر الكثير من القصائد ضد الحروب التي حدثت في العراق
التحق ناصر بمقاتلي الحزب الشيوعي العراقي في إقليم كردستان ضد نظام حزب البعث، وكانت له مسيرة نضالية طويلة، وهنا حوار خاص لمعرفة مسارات عديدة من حياة عواد ناصر الذي يقيم في لندن الآن.
- مجموعتك "حدث ذات وطن"، الصادرة عام 1986، بعد هذه السنوات الطويلة وبعد الخبرة الشعرية، وربما الكتابة بأسلوب آخر، كيف تتعامل مع هذه المجموعة الآن؛ هل تشعر بالندم، أم تجدها ثمرة طبيعية ولدتها تلك الظروف؟ وأين كتبتها؟
كتاب "حدث ذات وطن" ليس مجموعة شعرية، كان نصًا نثريًا مفتوحًا وإن تضمن بعض القصائد القصيرة، تفعيليًا ونثريًا. بدأت كتابته في قرية سورية على الحدود السورية بانتظار المسير إلى كردستان للانضمام إلى حركة الأنصار الشيوعيين.
الكتاب صدر في دمشق بينما كنت في كردستان. علمت لاحقًا أن الكتاب استنسخ في بغداد ووزع بشكل سري خلال أيام الحصار (أواسط التسعينيات).
تلك هي بعض ظروف وبيئة الكتاب.الكتاب أعتز به، بل من كتبي الأثيرة على نفسي، لأنه مثّل لي تجربة جديدة خارج نسق الكتابة الشعرية/النثرية وما بينهما. هل أنا نادم؟ لماذا أندم؟ أنا لا أندم حتى على أخطائي التي ارتكبتها لأنها جزء من وجودي في هذا العالم.
- لو طلب منك أحدهم أن تقرأ له قصيدة وأنت تعرف تمامًا مستوى ثقافة وذوق الشخص الهابط، هل تقرأ له أم تعتذر، ماذا تقول له؟
لن أتعالى على مثل هذا الشخص. سأحاول أن أقرأ له ما اعتقده أقصر قصائدي وأقلها غموضًا. لأن بعض الناس قد لا يستوعبون الشعر كما يجب ولكنهم يحسونه.
- في المهرجات، هل تحاول أن ترضي الجمهور أم ترضي رغباتك السرية؟ تقترب من العمود الشعري أم تظل متشبثًا بقصيدة النثر؟
مزاج الشاعر على المنبر أولًا، وما عداه يأتي تاليًا. في أحد المرابد لم أقرأ أكثر من خمس دقائق على جمهور صاخب جاء ليتفرج على الشعراء لا أن ينصت لقصائدهم. كان ذلك احتجاجًا مني بشكل غير مباشر.
- سعدي يوسف يقول إن أفضل مجاميعه هي "الليالي كلها"، هل لديك مجموعة مفضلة؟
لكل مجموعة شعرية ظرفها الخاص وشرطها السيكولوجي وشخصيتها الفنية. الاختلاف بين مجموعة وأخرى يشي باختلافي الشخصي مع نفسي ومجمل تغيراتي الداخلية والمعرفية. لا أفضل مجموعة على أخرى، إذ تتجاور مجموعاتي الشعرية وتتفاعل وتأخذ كل منها بأردان الأخرى.
- يقول حسين بن حمزة "كتب عواد ناصر قصيدة التفعيلة بلغة متينة، ذات إيقاعات غير عالية، مستدرجًا صورها الموزونة إلى تأمل أبطأ من حركتها"، هل تجد نفسك متأثرًا بسعدي يوسف؟
الشاعر حسين بن حمزة موهوب وموضوعي ناقدًا، عدا كونه شاعرًا ذَا تقنية مشهودة. أما بشأن سعدي يوسف فهو من بين الأوائل الذين قرأتهم وتأثرت بهم طبعًا، لكنني لم أقلده. سعدي، نفسه، قال في أمسية أقمناها له في لندن: "عواد ناصر كتب قصيدته الخاصة وهو ليس من تلاميذي".
- هل لديك صداقات مع شعراء من العالم، في بريطانيا، مثلًا، هل ترجمت شعرًا إلى اللغة العربية؟
ليس لدي صداقات مع شعراء بريطانيين بل ثمة معارف، وهذا عائد إلى اختلاف الثقافة الاجتماعية والأدبية. دعك عن أن للشعر فقهه المحلي، حيث يصعب تبادل التجارب وحواراتها مع الآخر. أما عن الترجمة، فقد ترجمت بعض حوارات لا قصائد لبعض الكتاب والشعراء الإنجليز في أعمدتي الصحفية ومقالات محدودة، لأن ترجمة الشعر، عندي من أصعب المهمات، ترجمته هي الوجه الآخر للسجادة، حسب الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف.
- "الحرب شتاء، تهطل فوقنا جثة جثة، من شجرة العائلة". قصيدتك الحرب كتبتها عام 1996، لماذا لم تكتبها أثناء الحرب الثمانينية، في حين أن عبد الرزاق عبد الواحد، وهو شاعر كبير بنظر الآلهة الشعرية وعامة الناس، كان يهتف عاليًا.. قصيدة عبد الرزاق عبد الواحد نطقت، وقصيدتك صمتت أو تأجلت، لماذا؟
كتبت الكثير من القصائد ضد الحرب العراقية الإيرانية. نشر بعضها في مختاراتي "أحاديث المارة" وفي مجموعات أخرى بعد أن نشر بعضها في صحف عراقية وعربية. أي لم أؤجل أي نصوص ضد الحرب. المقارنة ظالمة بيني وعبد الواحد. ذلك أنّ "الشعراء النجوم" من مداحي صدام حسين ظلوا نجومًا بعده بسبب ما تثيره علاقتهم الشخصية بالحاكم السابق، وما تحصل عليه من "مشاهدة" تلفزيونية مثيرة لدى المشاهد العادي.
- هل جربت الكتابة باللهجة العراقية؟
جربت الكتابة بالدارجة، لكن بما يسمى بـ"اللهجة البيضاء". جاء ذلك بطلب من صديقي الفنان كوكب حمزة الذي لحّن بعضها، لكنها ظلت حبيسة شريط الكاسيت.
- هل تفكر بالعودة والاستقرار في العراق؟
وجودي في لندن هو خيار اضطراري، إذا صحت التسمية. وقيل "خير البلاد من حملك". فكرت بالعودة إلى العراق، لكنني فوجئت بحجم الأصدقاء الذين يحلمون بالهجرة! لذا أنا مع أصدقائي أخطأوا أم أصابوا.
أحد النقاد الإنجليز (جون برجر) وصف القرن العشرين بأنه "قرن اللجوء السياسي". شخصيًا، لم أجد خيارًا، وإن كان اضطراريًا، أفضل من الاغتراب حفاظًا على ما تبقى من حياتي، بالمعنى الحرفي للكلمة، وما تبقى من كرامتي. إن بلدان الكفار أرحم بكثير من بلدان المسلمين، يا صديقي.
- هل تتابع النشاطات الثقافية العراقية الشبابية؟
طبعاً، أتابع ما يتيسر لي من كتب ونتاجات بعض الشعراء والكتاب الشباب، أو على وسائل التواصل الاجتماعي، هي كتابات ذكية وموهوبة لكنها متفاوتة الذكاء والموهبة، ويتسم بعضهم بالتعجل كمن يريد أن يطير بلا أجنحة كافية.
- ما رأيك بالشعر العراقي الآن بالنسبة للكبار والشباب؟
الشعر العراقي، اليوم يشبه العراق، بيأسه والتباساته. بأحلامه وأوهامه، لكن البطولة تكمن في أن شعرنا لم يزل على قيد الحياة، رغم ما يطوقه من سلاسل وأسوار وممنوعات، فالشعر ابن الحرية.
- ما رايك بالدراما العراقية؟
وهل هناك دراما عراقية بلا مسارح ودور سينما، بلا إنتاج مسرحي جاد وسينما هادفة؟
أما دراما التلفزيون فلا أتابعها للأسف.