30-يونيو-2024
السوداني

تحول الهواء إلى مسموم في العراق (ألترا عراق)

في 16 شباط/فبراير أطلق سراح الناشط البيئي البارز، جاسم الأسدي، وذلك بعد عدة أيام على اختطافه من قبل مجموعة مسلحة، وكانت روايات ضباط التحقيق وقتها، تشير إلى أنّ "كاميرات المراقبة أظهرت المجموعة المسلحة وهي توقف سيارته التي كان يقودها على تخوم بغداد، عندما كان قادمًا من محافظته، ذي قار". كان هذا الأمر مفاجئًا بالنسبة للكثيرين كونه سيكون بدايةً للتضييق على الحديث حول ما يواجهه العراق من مخاطر بيئية. 

يتعرض الناشطون البيئيون في العراق إلى مضايقات عديدة من قبل السلطات والجماعات المسلّحة 

رئيس منظمة طبيعة العراق، عزام علوش، وهي ذات المنظمة التي ينتمي لها الأسدي، يقول إنّ "المسلحين اتهموا منظمته بتأييد الغرب، والارتباطات مع الكيان الصهيوني"، على الرغم من أن المنظمة ليس لديها أي نشاطات سياسية، سوى ما يتعلّق بالجفاف ومصير العراق في إهمال موضوع الجفاف والتغير المناخي. 

في وقت قريب من اختطاف الأسدي، نشطت فرق منظمة "حماة دجلة" في الترويج لمخاطر انخفاض منسوب المياه في العراق، واتساع التصحر، وإغراق نهر دجلة بالنفايات السامة من قبل مدينة الطب في بغداد، أكبر مستشفى في العاصمة، وعندما استعدت المنظمة لتحدي هذه الممارسات قانونيًا، واجه أحد ممثليها القانونيين تهديدات مباشرة من أحد المسؤولين في وزارة الصحة الذي يرتبط بكتلة دولة القانون، ما دفعها إلى التوقف عن المواجهة القانونية، التي رسموها لرفع دعوى ضد مدينة الطب، وفق مصدر من داخل المنظمة. 

وبحسب عديدين، فإنّ هذه الحوادث تشير إلى نمط متبع داخل البلاد، حيث أنّ "الحركات التي يمكن أن تكشف الفساد النظامي غالبًا ما يتمّ قمعها، مما يؤدي إلى وضع الأفراد والجماعات الداعية إلى معالجات في المناخ بقلب المخاطر"، كما يقول المصدر نفسه. 

القطاع العام يزيد الوضع البيئي تدهورًا

يشكل تغير المناخ تهديدًا كبيرًا للعراق ، كما هو الحال عالميًا، حيث يواجه البلد المخاطر المرتبطة بتراجع هطول الأمطار والتصحر وارتفاع درجات الحرارة، بينما تقوم القطاعات العامة المختلفة في البلد بالمساهمة في تدهور الوضع البيئي، من خلال حرق الغاز الطبيعي، وإلقاء النفايات السامة في الأنهار، وتحويل المساحات الزراعية إلى أراض سكنية، وقطع الأشجار عبر إطلاق إستراتيجيات الاستثمار على حساب مخططات المساحات الخضراء، وسوء إدارة المياه والزراعة، كما يرى مختصون أجريت مقابلات معهم لإنجاز هذا التقرير.

الجهات الأساسية المعنية بالشؤون البيئية في العراق هي وزارتي البيئة والموارد المائية، إلى جانب مديرياتهما المختلفة عبر المحافظات. ومع ذلك، غالبًا ما يُنظر إلى هذه الوزارات على أنها أقل تأثيرًا في مواجهة المخاطر البيئية، وبالتالي تحصل على ميزانيات أصغر، ووزراء أقل قوة، مما يحد من قدرتها على المناصرة الفعّالة للسياسات والموارد البيئية الضرورية، يأتي هذا في وقت يواصل العراق توقيعه على معاهدات واتفاقات دولية تحظى بأهمية كبرى لدى معظم بلدان العالم، لكنه "لا ينجز أي من الالتزامات الخاصة به"، بحسب أحد النشطاء البيئيين.

السياقات الزمنية لانخراط العراق في مواجهة تحديات التغير المناخي

العراق كان أحد البلدان التي قدمت خططًا وطنية للتكيف مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بمواجهة التغير المناخي ومخاطر البيئة، وفق ما أعلنه موقع "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)"، منذ العام 2016، وذلك عقب توقيعه اتفاقية باريس للمناخ، إذ كلّف رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي وزيرة الصحة في حكومته عديلة حمود، بإعداد البلاغ الوطني الأول للعراق إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ.

وقتها، أصدرت وزارة الصحة تقريرًا مكوّنًا من 236 صفحة، مزودة بأرقام وجداول دقيقة عن حجم التلوث البيئي، والغازات المنبعثة، والتصحر، وكمية المياه المستحصلة من الأنهر، والوضع الصحي للناس، كإعلان جدي عن انخراط العراق في الاستراتيجية الأممية لمكافحة التغير المناخي في العالم، لكن مع ذلك، وبحسب مسؤول في وزارة الصحة، فإنّ "إدارة المخاطر المناخية والبيئية في العراق لم تحظ باهتمام كبير، على الرغم من أن الحكومات المتعاقبة منذ إعلان اتفاقية باريس للمناخ في العام 2015 وحتى الآن، تدرج مواجهة المخاطر البيئية ضمن برامجها الحكومية".

وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بوظيفته: "حتى أن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي الذي أعلن انضمام العراق لاتفاقية المناخ الأممية، ألغى وزارة البيئة ودمجها مع وزارة الصحة في إطار سلسلة ما اسماها قرارات إصلاحية لمواجهة انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية"، مشيرًا إلى أنّ "الحكومات السابقة وحين أعادت وزارة البيئة، كانت بهدف تحقيق تقاسم للمناصب بين الأحزاب المتحاصصة، وليس بهدف تحقيق إستراتيجية مواجهة المخاطر البيئية والمناخية".

ولم يحقق العراق العديد من التزاماته التي ذكرها في تقرير الإبلاغ الوطني العام 2016، بل إنّ العديد من الأرقام الخاصة بالمناخ والبيئة أخذت بالتدهور، بسبب غياب المعالجات، كما يرى المسؤول في وزارة الصحة.

مستشارون جدد للسوداني 

بعد أسابيع على تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قام بتعيين عشرات المستشارين في مكتبه، جلهم ينتمون إلى قوى الإطار التنسيقي ولاسيما حركة "عصائب أهل الحق"، وأفراد من أبناء عشيرته، بحسب موظف في مجلس الوزراء.

ولأن السوداني أعلن في برنامجه الحكومي إستراتيجية معالجة قضايا البيئة والطاقة، فقد تعاقد مع الأكاديمي علي اللامي، بوصفه خبيرًا مستقلًا في وزارة البيئة، كما عيّن عماد العلاق، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع شركة "سول"، كمستشار لشؤون الطاقة، وفي أواخر العام 2022، عيّن أيضًا فريد ياسين، مبعوثًا للمناخ في العراق، بوصفه شخصية مستقلة، ليبدو أكثر إقناعًا للمجتمع الدولي، وفق الموظف نفسه. 

ويقول الموظف الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته، إنّ "ياسين يعتبر مقربًا من السوداني، ويتمتع بخلفية دبلوماسية، وقد تم اختياره خصيصًا لتمثيل العراق في مؤتمرات المناخ الدولية والمشاركة في المناقشات العالمية حول مشاكل المناخ بالمنطقة، من أجل إقناع المجتمع الدولي بوجود مساعي عراقية لتحقيق الالتزامات الخاصة بالتغير المناخي". 

ولم يقدم ياسين أي "تقرير أو إعلان أو خطة العراق أو أجراءاته بهذا الشأن، ويكتفي بالحضور إلى المنتديات والمؤتمرات الدولية والإقليمية الخاصة بالمياه وتحديات المناخ الدولية".

ويلاحظ أنّ التقرير الوطني الوحيد المقدم إلى الأمم المتحدة كان في العام 2016، ولم يلحقه أي تقرير آخر، على الرغم من إعادة فصل وزارة البيئة بوصفها وزارة مختصة بهذا القطاع.

"البيئة ضحية للتحاصص" 

في ظل نظام والعرف السائد حول اختياء الوزراء ضمن خط "المحاصصة"، يُنظر إلى وزارة البيئة على أنها إحدى الوزارات الأقل نفوذًا، والتي تتطلب نقاطًا سياسية أقل للسيطرة عليها. تاريخيًا وحسب العرف السياسي المتبع بين الأحزاب، فإنّ هذه الوزارة تكون من حصة الكتل الكردية بالعادة، وبالتناوب بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني. واُتفق على أن يتولى الاتحاد الوطني الكردستاني "اليكتي"، وزارة البيئة خلال هذه الفترة، بينما يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة.

يقود وزارة البيئة حاليًا نزار محمد سعيد آميدي، الذي شغل سابقًا منصب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في فترة الرئيسين السابقين فؤاد معصوم وبرهم صالح، وفي السابق، تم تخصيص وزارة البيئة كجزء من "حصة الأقليات"، وكان يقودها سرجون لازر صليوه، وهو عضو في الحركة الديمقراطية الآشورية، وبعد 5 سنوات في المنصب، واجه صليوه تهم فساد، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.

ويمكن سرد التوزيع السياسي للمناصب في هذه الوزارة التي يفترض أن تحظى بـ"اهتمام أعلى" في العراق، كما علم "ألترا عراق" من مسؤول داخل الوزارة: 

وكلاء الوزارة:

  • اكتفاء الحسناوي: مرتبطة بـ"عصائب أهل الحق" وتشغل منصب الوكيل الإداري والمالي لوزارة البيئة، وعينت في هذا المنصب في كانون الثاني/ يناير 2024، لتحل محل كاميران علي حسن، المقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي شغل هذا المنصب منذ العام 2013. 
  • جاسم عبد العزيز حمادي المحيمدي: مستقل، عيّن في عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ليكون وكيل الوزارة للشؤون الفنية، وهو طبيب من الأنبار، وعينه العبادي في هذا المنصب، بهدف التعامل والتفاعل مع الوكالات الدولية، ورفع مستوى الوعي حول المواضيع البيئية.

ويتحدث المسؤول في وزارة البيئة عن "العديد من المحاولات لإعفاء المحيمدي من منصبه خلال حكومة السوداني، بحكم التحاصص الحاصل في المناصب الثانوية، لكنها لم تنجح حتى الآن، بالنظر إلى حاجة الوزارة إلى خبرته"، كما يعتقد أن "الوجبة الثانية من التغييرات ستطاله".

المديريات العامة في وزارة البيئة

مديرية الشؤون الفنية: 

كما علم "ألترا عراق"، من المسؤول في وزارة البيئة، أنّ "نجلاء محسن الوائلي"، هي من يتولى رئاسة مديرية الشؤون الفنية في الوزارة، حيث تسلمت المنصب في عام 2023 بعد إقالة عيسى الفياض، وهو من المنتمين المعروفين إلى تحالف "دولة القانون"، وقد دعم الوزير الحالي ترشيح الوائلي نظرًا لخبرتها الواسعة في المسائل البيئية الفنية، وذلك لمعالجة الحاجة إلى قائد أكثر خبرة في هذا الدور، حيث كان الفياض في المقام الأول معيّنًا لأسباب سياسية، وعلى الرغم من أن الوائلي لا تنتمي إلى أي حزب سياسي، إلا أنها معروفة بشكل عام بعلاقاتها الوطيدة مع "الإطار التنسيقي".

مديرية التخطيط والمتابعة: 

تقود "رغد أسعد العبيدي" حاليًا مديرية التخطيط والمتابعة، والتي تم تعيينها في هذا المنصب في أوائل عام 2024 وسط سلسلة من التحركات والتغييرات التي طرأت على المدراء العامين داخل الوزارة، وقبل توليها هذا المنصب، كانت تشغل منصب المدير العام للبيئة في المناطق الوسطى.

والعبيدي تدعي أنها لا تنتمي إلى أي حزب سياسي، لكنها تتمتع بعلاقات طيبة بالعديد من الكتل السياسية النافذة في الوزارة بشكل عام والكتل السنية بشكل خاص، بحسب المسؤول نفسه. 

مديرية حماية وتعزيز البيئة ـ وسط العراق: 

رشحت قوى "الإطار التنسيقي" سنان جعفر محمد لإدارة مديرية حماية وتعزيز البيئة لمنطقة وسط العراق أوائل العام 2024، كجزء من حركة إعادة تشكيل وظيفية حديثة في ظل حكومة السوداني، وعلى الرغم من أن محمد يعلن أنه ليس مواليًا وليس منتميًا لأي حزب سياسي، ولكنه مرشح بشكل رسمي من قبل قوى "الإطار التنسيقي".

مديرية الوقاية من الإشعاع:

ويرأس مديرية الوقاية من الإشعاع الدكتور صباح حسين الحسيني المرتبط بالتيار الصدري والمرشح من قبله. في البداية، تم نقله من وزارة الصحة ليرأس مديرية مكافحة الألغام خلال فترة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وبعد ذلك، تعرض للإقالة من المديرية، ليعاد تعيينه في مديرية الوقاية من الإشعاع والمخاطر.

مديرية مكافحة الألغام: 

يقود مديرية مكافحة الألغام (DMA) حاليًا المدير العام "شوكت تايه مسعود"، المنتمي إلى دولة القانون، ولديه علاقات وطيدة بقيادات حزب الدعوة الإسلامية. تحقق هذه المديرية إيرادات كبيرة من خلال إصدار تصاريح لشركات النفط العاملة في العراق، حيث يتعيّن على هذه الشركات الحصول على شهادة من مديرية مكافحة الألغام للمضي قدمًا في عملياتها.

ويقول المسؤول في الوزارة إنّ هذه المديرية "تحظى باهتمام كل الكتل السياسية، وتشهد تنافسًا شرسًا على هذا المنصب، اذ يمكّن هذا المنصب المديرية من استغلال سلطتها واستخلاص رسوم كبيرة من هذه الشركات".

وبحسب النائب عالية نصيف، فإنّ "مديرية مكافحة الألغام تورطت في فساد كلّف العراق ما يقارب ملياري دولار، وذلك بفضل الحماية السياسية لمديرها".

تاريخيًا، كان هناك تنافس شديد على السيطرة على هذه المديرية بين التيار الصدري ودولة القانون، واشتد التنافس عندما تم دمج وزارة البيئة مع وزارة الصحة، وخلال هذه الفترة سيطر الصدريون لفترة وجيزة على المديرية، مما أثار استياء أعضاء دولة القانون الذين كانوا حريصين على استعادة هذا المنصب.

مديرية التوعية والإعلام البيئي: 

يشرف حاليًا على مديرية التوعية والإعلام البيئي المدير العام، أمير علي الحسون، الذي له ارتباطات مع "عصائب أهل الحق"، وكان الحسون جزءًا لا يتجزأ من فريق إعلامي أكبر يركز على الترويج لأنشطة وبرامج الحكومة الحالية عبر منصات إعلامية مختلفة، بما في ذلك الجهود الرامية لإشراك المجتمع الدولي في القضايا البيئية.

ارتبط الحسون سابقًا بدولة القانون وكان مرتبطًا بقناة آفاق الممولة من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. إلا أنه في الآونة الأخيرة، ـ والكلام للمسؤول بوزارة البيئة ـ "حوّل الولاء إلى عصائب أهل الحق بشكل أكبر، مما يعكس إعادة تنظيم مهمة في ارتباطاته المهنية وتحالفاته السياسية". 

"مواطن الفساد الخطيرة في وزارة البيئة"

في عام 2022، اكتشفت وزارة البيئة أن وزارة الصناعة قد أصدرت تراخيصًا وخصصت أراضٍ لشركة لبناء ثلاثة مصانع. كان من المقرر أن تنتج هذه المصانع 500 ألف طن من أسمدة فوسفات الأمونيوم ثنائي (DAP) سنويًا لدعم القطاع الزراعي. ومع ذلك، كان في المبادرة شبهات فساد واضحة، حيث كُشف أن "95٪ من الأرباح ستذهب إلى المستثمرين، والأهم من ذلك، أن "الأسمدة المنتجة لم تستوفِ معايير الصحة والسلامة"، كما أشار النواب والهيئات التنظيمية.

تم تعليق المشروع في العام 2023، حيث جاء هذا القرار وسط مخاوف من عدم إدراج العديد من أعضاء الحكومة الجدد ضمن المستفيدين الماليين للمشروع. وبناءً على ذلك، تم إطلاق مبادرة جديدة لإصلاح الشركات المشاركة من خلال التعاقد مع شركات عالمية جديدة لضمان الامتثال لمعايير السلامة وضمان توزيع الأرباح على الأطراف السياسية بالتساوي.

وزارة الموارد المائية:

على غرار وزارة البيئة، يُنظر إلى وزارة الموارد المائية في كثير من الأحيان على أنها كيان أقل نفوذًا، ويرتبط عادة بالمرشحين السياسيين الأضعف. الوزير الحالي للموارد المائية، عون ذياب عبد الله، له روابط وثيقة مع "الإطار التنسيقي"، خاصة مع فالح الفياض الذي تم تعيينه بناءً على ترشيحه، بحسب أحد المسؤولين القدماء في الوزارة.

وكان الوزير يشغل منصب المتحدث باسم وزارة الموارد المائية في الحكومات السابقة، وكان بحسب المسؤول "أحد أضعف المتحدثين على مستوى خلية الإعلام الحكومي التي كانت تدار من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء"، مستدركًا بالقول: "لكنه أحد الموظفين المسلكيين في وزارتي الزراعة والموارد المائية منذ نحو 3 عقود".

وبالإضافة إلى ما سبق، فإنّ نائب الوزير للشؤون الإدارية، رائد عبد الزيد الجشعمي، يحافظ على علاقات وثيقة مع الحشد الشعبي والفصائل المسلحة المختلفة، وله روابط مع "كتائب حزب الله" بشكل خاص، وفق المسؤول نفسه الذي يشير إلى أنّ "الجشعمي دعم بشكل ملحوظ مشاريع شركة المهندس في مدينة السماوة، من خلال التسهيلات الحكومية والاستفادة من موارد الوزارة لدعم الشركة في مشروعها لزرع النخيل في صحراء السماوة، وأمام انظار الوزير الذي يخشى كثيرًا رد أي مطالب من الفصائل المسلحة أو هيئة الحشد الشعبي".

على الصعيد الفني، نائب وزير الشؤون الفنية هو د. حسين عبد الأمير البكاء، وهو تكنوقراط مخضرم يشغل منصبه لأكثر من أربع سنوات. يُقدَّر لمعرفته المؤسسية العميقة، ومع ذلك فإن قدرته على إحداث التغيير محدودة داخل الوزارة بسبب عدم وجود دعم سياسي، على حد تعبير المسؤول الذي أجريت مقابلة معه في العاصمة بغداد.

نور زهير يطل برأسه .. شركة "العراق"

بينما كان أحد الباحثين يحقق في شركة "العراق" لتنفيذ مشاريع الري، وهي مؤسسة حكومية تابعة لوزارة الموارد المائية، اكتشف تورطها في أنشطة فساد متنوعة. على الرغم من عدم إنتاجيتها وكونها عبئًا ماليًا على الوزارة، إلا أنها ما تزال تعمل، وتمول من قبل الميزانية العامة، بحكم الضغط السياسي لإبقائها.

تواصل "ألترا عراق"، العديد من المسؤولين والموظفين، وعلم أنّ غني محمد رضا هو من يدير الشركة، والذي تربطه صلات بنور زهير وسياسيين نافذين آخرين، ويتمتع بدعم المسؤولين في الوزارة، بما في ذلك وكيل الوزارة رائد عبد زيد الجشعمي.

وبحسب موظف داخل الوزارة، فإنه "كانت هناك مزاعم فساد متعددة ضد الشركة، بادرت بها بشكل أساسي نواب مرتبطون بدولة القانون. أدت هذه المزاعم إلى صدور أمر بإقالة المدير، لكن ألغي الأمر بعد وساطات وتدخلات من لدن شخصيات سياسية نافذة، على رأسها هادي العامري"، ويعتقد داخل الوزارة أن "وساطة هادي العامري تمت بناءً على طلب من نور زهير، الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع العامري، ومصالح مالية، لاسيما في ميناء الفاو الكبير".

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ "الشركة تشارك في معاملات مع مكاتب صرافة مرتبطة بنور زهير، التي تتتورط في أعمال فساد مع مؤسسات ومشاريع حكومية مختلفة مرتبطة بالعديد من المشاريع، مثل البنية التحتية والموانئ وصرف العملات"، بحسب الموظف نفسه.

وعلى الرغم من كون الشركة غير منتجة، فإنها مرهقة ماليًا للوزارة، لأنها "تستمر في العمل والاستحواذ على العقود، ويرجع ذلك إلى علاقاتها ونفوذها".

النفط المهرب والغاز المحترق 

قال الخبير الاقتصادي، محمد علّوش إنّ "قطاع النفط في العراق هو أحد أهم قطاعات التنافس بين الكتل السياسية، بالنظر إلى الثروة الهائلة التي تحققها اقتصاديات الكتل السياسية وأحزاب السلطة من خلال السيطرة على وزارة النفط وشركاتها"، مستدركًا بالقول: "لكن البلد يقع في حلقة مفرغة مكلفة، حيث تنفق مليارات الدولارات سنويًا على استيراد الغاز من إيران لتوليد الكهرباء بينما يحترق الغاز المحلي الذي يمكن أن يلبي جزءًا كبيرًا من هذه الاحتياجات، مما يؤدي إلى خسائر مالية، وتدهور بيئي و مخاطر صحية".

قطعت حكومة السوداني المئات من الأشجار في بغداد وأبرزها شارع العطيفية الذي كان يعد غابة صغيرة في العاصمة

بالنسبة لعلّوش فإنّ هذا "يعود إلى فساد الحكومة وسوء القرارات السياسية، وعلى الرغم من إمكانية الاستفادة من الغاز المحلي، فإن التقدم بطيء".

وفي الآونة الأخيرة، شرعت الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق في مشروع بقيمة 2.6 مليار دولار يهدف إلى استغلال 300 مليون متر مكعب قياسي يوميًا من الغاز المصاحب لتعويض جزء كبير من هذه الواردات، وقد اتخذت الأمم المتحدة العديد من الخطوات لمساعدة العراق على خفض حرق الغاز المصاحب، كتقديم الدعم المالي والفني، وإعداد دراسات لتطوير مشاريع الاستفادة من الغاز المصاحب، والعمل مع الوزارات المعنية لتطوير إستراتيجية وطنية لخفض حرق الغاز المصاحب، لكن الخبير الاقتصادي يعتبر أن هذا الأمر غير ناجح "بسبب الاعتماد السياسي الكبير المدفوع بالفساد على إيران في مجال الغاز"، إذ "يواجه العراق العواقب الوخيمة على السكان المحليين، ولا سيما في البصرة، التي تشهد ارتفاعًا مضطردًا في عدد الإصابات بالسرطان". 

وبحسب مقابلات أجراها "ألترا عراق"، مع مسؤولين وموظفين، فإنه علم كيف تتم إدارة هذا الأمر من قبل بعض الشخصيات التي تعمل بشكل وثيق مع النخبة السياسية في قطاع النفط والغاز، وتسيطر على مفاصل القرار الخاص بإنتاج أو حرق الغاز المصاحب في الحقول النفطية:

  • حيان عبد الغني، نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير النفط. وهو مقرب من دولة القانون ولديه خلاف شخصي مع وكيل الوزارة ليث الشاهر الذي رشح أيضًا لهذا المنصب من قبل دولة القانون، قبل أن يقع الاختيار عليه.
  • ليث الشاهر: وكيل وزير النفط للتوزيع ورئيس الدائرة القانونية، وهو مقرب من دولة القانون أيضًا. كان يحاول الحصول على المزيد من السلطة داخل الوزارة، لكنه يواجه معارضة من الداخل بسبب خلاف شخصي مع الوزير الحالي.
  • فراس السادر: يشغل منصب مدير عام الشؤون الإدارية والمالية في وزارة النفط، وهو مرتبط بشكل وثيق بتيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم.
  • حمزة عبد الباقي، مدير شركة غاز الجنوب التابعة لوزارة النفط، وهو مقرب من دولة القانون.

التهام الاراضي الزراعية:

يواجه تخصيص الأراضي العامة للمستثمرين الخاصين على حساب المساحات الخضراء العامة جدلاً واسعًا. تشارك لجنة الاستثمار الوطنية، إلى جانب كيانات أخرى مثل البلديات، في توزيع الأراضي العامة بشكل مثير للجدل على المستثمرين الخواص، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب المساحات العامة.

قال عضو في البرلمان العراقي، إنه "في بعض محافظات العراق الأكثر تطورًا، والتي شهدت عمليات إعادة إعمار كبيرة - مثل بغداد والأنبار والبصرة والنجف وكربلاء - كان هناك انخفاض كبير في المساحات الخضراء العامة". يرجع هذا الانخفاض بشكل أساسي إلى تخصيص الأراضي "بشكل قانوني" للمستثمرين من القطاع الخاص لبناء مراكز التسوق والمجمعات السكنية كما تشير التقديرات إلى تحول ما لا يقل عن 60 بالمئة من المساحات العامة في جميع أنحاء العراق إلى مشاريع تجارية وسكنية.

تشير التقديرات إلى تحول ما لا يقل عن 60 بالمئة من المساحات العامة الخضراء إلى سكنية واستثمارية

مؤخرًا، وفي خضم المشاريع التي تعلن حكومة محمد شياع السوداني عنها، تم قطع المئات من الأشجار في شوارع بغداد، وأبرزها شارع العطيفية الذي كان يعد غابة صغيرة ورقعة خضراء في العاصمة، وتشير تقارير صحفية ومؤشرات دولية إلى أنّ الوضع البيئي في العراق يتعرض لسلسلة انهيارات، أدت إلى تضاعف أعداد المصابين بالسرطان لاسيما في المناطق النفطية كالبصرة.