بات ملف الإنترنت في العراق شائكًا بين وزارة الاتصالات والشركات الأهلية، في ظل ارتفاع أسعار الاشتراكات الشهرية مع سوء الخدمة في جميع المحافظات باستثناء إقليم كردستان، فيما تقف الوزارة والجهات الأخرى عاجزة عن حلّ هذه الأزمة.
وتبدأ أسعار الاشتراكات الشهرية للإنترنت التي تقدمها الشركات الأهلية في العراق من 35 ألف دينار عراقي، وتصل أحيانًا إلى 180 ألف دينار، مقابل خدمة رديئة تمثل مثارًا دائمًا للسخط وانتقادات المواطنين.
تصل أسعار بعض خطوط الإنترنت في العراق إلى 180 ألف دينار مقابل خدمة رديئة
ويقول حقي أحمد، من سكنة منطقة الشعب شمال العاصمة بغداد، لـ "الترا عراق"، إنّ "خدمة الإنترنت سيئة وأغلب الأيام تشهد انقطاعات مستمرة للخدمة سواءً من الشركات أو من أصحاب الأبراج"، مؤكداً أن "هذا القطاع مهمل وسائب دون رقابة مما سبب أداءً سيئًا من قبل الشركات الأهلية".
ويضيف أحمد في حديث لـ "التراق عراق"، أنّ "سرعة الإنترنت لا تمكنه حتى من لعب الألعاب الإكترونية بشكل (أون لاين)، مهما كان سعر الاشتراك الشهري، فبكل الأحوال النتيجة واحدة".
بينما تتحدث مريم فؤاد، من سكنة الكرادة وسط بغداد، عن مدى سوء الخدمة التي تدفع مقابلها اشتراكًا شهريًا بقيمة 65 ألف دينار، مشيرة إلى اعتمادها، غالب الوقت، على إنترنت خط الهاتف النقال، مقابل أموال إضافية.
ووفقاً لحديث فؤاد لـ "ألترا عراق"، فإنّ أصحاب الأبراج دائمًا ما يرمون الكرة في ملعب الشركات الأهلية، لتمرر الأخيرة اللوم إلى وزارة الاتصالات، وفي النهاية يبقى الحال كما هو.
إلى ذلك، يقول طيف سلام، يسكن العامرية غربي العاصمة، إنّ "الإنترنت في بغداد سيئ جدًا مقارنة بإقليم كردستان، دون التطرق لدول المنطقة"، مبينًا أنّ "ارتباط شركات الخدمة بالأطراف السياسية يمكنها من الاستمرار بهذا النوع من الفساد دون حسيب".
وفي 28 تموز/يوليو 2022، أعلنت وزارة الاتصالات، الاتفاق مع 3 شركات عالمية لزيادة سعات الإنترنت في العراق، مؤكدة أنّ تخفيض أسعار الاشتراكات مرتبط بالموازنة المالية التي فرضت ضرائب بقيمة 20% على الخدمة.
حقائق صادمة!
ويقول أحد أصحاب أبراج الإنترنت في بغداد، إنّ "وزارة الاتصالات تبيع الـ (ميغا) الواحدة بـ 24 دولارًا إلى الشركات الأهلية في العراق"، مشيرًا إلى أنّ "أغلب الشركات توجهت إلى الاعتماد على شراء الإنترنت المهرب إلى العراق".
لا يتجاوز سعر الميغا الواحدة للإنترنت المهرب 4 دولارات فقط، وفق صاحب البرج، مؤكدًا أنّ "السعات المهربة تمر من شمال العراق (إقليم كردستان)".
تبيع وزارة الاتصالات وحدة الإنترنت بـ 24 دولارًا مقابل 2 دولار فقط للوحدة المهربة من إيران
وفي حديث لـ "الترا عراق" يوضح أنّ "هناك شركات تعتمد على شراء الإنترنت المهرب من إيران، حيث يبلغ سعر الميغا الواحدة دولارين فقط"، مشيرًا إلى أنّ "البنى التحتية للشبكة العنكبوتية في العراق مؤسسة من قبل شركة أهلية واحدة معروفة، وبالتالي الحكومة لا تستطيع محاسبة هذه الشركة".
ويؤكد الشاب ذو الـ 30 عامًا، أنّ وزارة الاتصالات غير قادرة على متابعة ومحاسبة الشركات بشأن التسعيرات الخاصة بالإنترنت على "اعتبار أنّ أغلبها مملوكة لأحزاب سياسية، فضلاً عن الرشاوى التي تمنح للمسؤولين في الوزارة من أجل غض النظر عن هذا الملف".
وفي العام الجاري، دعت هيئة النزاهة، هيئة الإعلام والاتصالات إلى التدخل وإعادة النظر في أسعار باقات الإنترنت وزيادة سرعتها، مشيرةً إلى أنّ رفع أسعار الخدمة من قبل الشركات في مأمن من المساءلة القانونية.
وختم صاحب البرج حديثه بالقول إنّ "أغلب الشركات الأهلية تستغل عدم وجود الرقابة عليها، وتعمل على توزيع (الميغا الواحدة) من الإنترنت إلى العديد من المشتركين، بحزم تصل أحيانًا إلى 10 أضعاف طاقة الوحدة، مما يجعل الإنترنت بطيئًا جدًا".
مؤسسة "أكامي" العالمية، المختصة بتحديد سرعات الإنترنت، كشفت في العام 2019، من خلال دراسة شملت 185 دولة، أن العراق حل بالمرتبة 179 بسرعة تنزيل بلغت 0.75 ميغابايت في الثانية، متخلفًا بذلك عن أفغانستان التي حلت في المرتبة 167 والسودان الذي حل بالمرتبة 173.
ما الحلّ؟
ويقول الخبير في مجال الاتصالات أحمد الغالب لـ "الترا عراق"، إنّ "وزارة الاتصالات كما هو المتعارف عليه، مسؤولة عن كل ما يتعلق بشأن الإنترنت، لكنها ضعيفة الرقابة والمتابعة، ما فتح الباب أمام الشركات للتحكم بأسعار الاشتراكات الشهرية للمواطنين والشركات".
وبحسب الغالب، فإنّ الشركات الأهلية هي من تتحمل سوء الخدمة كونها هي المسؤولة الوحيدة عن التلاعب في الحزم وأسعار الاشتراك مقارنة بالخدمة المقدمة.
تتحمل الشركات الأهلية المسؤولية عن سوء الخدمة وفق خبراء مقابل ضعف رقابة وسوء إدارة من قبل وزارة الاتصالات
وتحدث الخبير، حول الحلول التي يمكن من خلالها تحسين خدمة الإنترنت في العراق، بالقول إنّ "القضاء على تهريب السعات من قبل الشركات الأهلية وفتح أكثر من منفذ دخول سعات إنترنت جديدة، مع إعادة تأهيل البنى التحتية في جميع المحافظات، فضلاً عن تقليص الفرص أمام الشركات المسيطرة على هذا القطاع مع رقابة حكومية نزيهة يمكنها تحسين الخدمة في البلاد".
وعلى عكس الواقع الذي يعبر عنه سوء خدمة الإنترنت في البلاد، خرج وزير الاتصالات السابق أركان الشيباني في مؤتمر صحافي يؤكد فيه القضاء على تهريب سعات الإنترنت خلال عام واحد، مبينًا أنّ الوزارة عملت على تطوير قطاع الاتصالات، حيث العراق كان يحل في المرتبة 138 عالميًا على مستوى خدمة الإنترنت، والآن أصبح 47 عالميًا في طفرة في هذا القطاع.