تضع حكومة محمد شياع السوداني ملف "توطين الصناعة الدوائية" أولويةً على أجندة برنامجها الحكومي، وفي الوقت الذي يبلغ سوق الأدوية في العراق قرابة 3 مليار دولار سنويًا، يريد السوداني أن يذهب معظمها أو جزء منها إلى مصنعي الأدوية في البلاد بدلًا من الخارج.
ما يفوق الـ80% من الأدوية غير المفحوصة لا تعرف الحكومة العراقية كيفية دخولها إلى البلاد
السوداني قال في تصريحات سابقة، إنّ "سوق الأدوية في العراق يبلغ 3 مليار دولار سنويًا، لا تشكل الصناعة المحلية منه سوى 10%"، ما يعني أنّ 90% من الأدوية "مستوردة"، وتتوزع هذه الأدوية بين القطاع الخاص وكذلك القطاع الحكومي.
في 27 شباط/فبراير، أعلن وزير الصحة "إكمال مشروع توطين الصناعة الدوائية وتقديم تسهيلات لمصنعي الأدوية"، فيما كان قد بيّن قبلها بأيام طبيعة هذه التسهيلات، قائلًا في تصريح للوكالة الرسمية إنّها "تتعلق ابتداءً بإجازات فتح المصانع، وإعطاء الإجازة النهائية والتسهيلات الجمركية بإدخال المواد الأولية والتعاقد مع وزارة الصحة من حيث الأسعار ومن حيث شراء المنتج الوطني".
وبحسب وزير الصحة، فإنّ الحكومة الحالية "ستقوم بتوطين الصناعة الدوائية وصناعة المستلزمات والأجهزة الطبية في العراق".
ولا يبدو أنّ الاستيراد هو المشكلة الوحيدة التي تؤرق الحكومة العراقية وتجعلها تتوجه نحو "توطين صناعة الأدوية"، بل المشكلة الأكبر وفق العديد من المختصين، هو أنّ ما يفوق الـ80% من الأدوية المستوردة "غير مفحوصة" وذلك لأنها تدخل عبر التهريب أو من خلال منافذ غير رسمية، ما يدفع إلى طرح السؤال عن الكمية التي سينجح المنتج الوطني بسدها وتقليل الأدوية المستوردة التي تبلغ قيمتها سنويًا 3 مليار دولار؟
وتظهر بيانات وزارة التخطيط أنّ مجمل الأدوية والمستلزمات الطبية المستوردة في 2021 بلغت 412 مليون دولار، فيما بلغت في 2020 ما قيمته 512 مليون دولار، وفي عام 2019 بلغت قيمة الادوية والمستلزمات الطبية المستوردة نحو 683 مليون دولار.
قيمة الأدوية المستوردة للأعوام الثلاثة، والمعتمدة على بيانات هيئة الجمارك، تعني أنها دخلت عبر المنافذ الرسمية ومفحوصة، وتظهر أن الأدوية المستوردة "الرسمية" تشكل ما معدله 500 مليون دولار سنويًا أي نصف مليار دولار، وهو ما يشكل نحو 17% من مجمل قيمة الأدوية المستوردة للعراق من مختلف المنافذ والبالغة 3 مليار دولار، وهي قريبة من نسبة السوداني التي تشير إلى أنّ الأدوية غير المفحوصة "الداخلة بشكل غير رسمي" تبلغ نسبتها 80%.
وجزء من هذه الأدوية الداخلة بشكل رسمي يذهب إلى المؤسسات الحكومية الصحية، والآخر يكون موجودًا في الصيدليات ومؤسسات القطاع الخاص، بالتالي فأنّ المتبقي من الأدوية البالغة قيمتها أكثر من 2.5 مليار دولار جميعها غير مفحوصة.
ووفقًا لذلك، فإنّ الأدوية غير المفحوصة والتي لا تسيطر عليها الحكومة وتشكل 80% من سوق الأدوية، تهيمن على السوق والقطاع الخاص بالكامل. من هنا وفي حال نجح العراق في "توطين الصناعة الدوائية"، وبافتراض أنّ الأدوية المنتجة محليًا "ستوقف المستورد بالكامل"، ففي أحسن الأحوال لن يسد الدواء المحلي سوى الـ17% من الأدوية المستوردة المفحوصة، والتي تستطيع الحكومة إيقاف دخوله إلى العراق لأنه يدخل من المنافذ الرسمية.
أما ما يفوق الـ80% من الأدوية غير المفحوصة، والتي لا تعرف الحكومة كيفية دخولها إلى البلاد، فإنها ربما ستستمر بالدخول والسيطرة على السوق، فلا تسيطر الحكومة على آليات دخولها لتقوم بمنع استيرادها، وبالتالي تعويضها من الأدوية المصنعة محليًا.
ويتحدث نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي عن "مافيات كبيرة تسيطر على جزء كبير من استيراد الأدوية وإدخالها بطرق غير قانونية وعبر منافذ غير شرعية"، مستبعدًا "إمكانية تحقيق الأمن الدوائي والاكتفاء منه محليًا".
ويرى الهيتي في حديث لـ"ألترا عراق" أنّ الأدوية المصنعة في العراق هي أدوية نمطية لا تكفي لتحقيق الأمن الدوائي والاكتفاء الذاتي، حيث أن "العراق لا ينتج أدوية السرطان والأدوية المنقذة للحياة بشكل عام"، مبينًا أنّ "العراق يفتقر أيضًا إلى الصيادلة الصناعيين المطلوبين لزيادة كمية ونوعية الإنتاج الدوائي".
رأى نقيب الصيادلة أنّ إيقاف عمليات استنزاف الأدوية غير المرخصة والاستيراد العشوائي أولى خطوات تطوير الصناعة الدوائية العراقية
واعتبر الهيتي أنّ "إيقاف عمليات استنزاف الأدوية غير المرخصة والاستيراد العشوائي أولى خطوات تطوير الصناعة الدوائية العراقية".