الترا عراق - فريق التحرير
وجه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الجمعة، بنقل جثمان الشاعر الراحل مظفر النواب إلى العراق.
وذكر مكتب الكاظمي في بيان، أنّ الأخير "وجّه بنقل جثمان شاعر العراق الكبير مظفر النوّاب بالطائرة الرئاسية، ليوارى الثرى في أرض الوطن".
أعلنت وزارة الثقافة العراقية، في وقت سابق اليوم، وفاة الشاعر مظفر النواب في مستشفى الشارقة بالإمارات.
ولد الشاعر مظفر النواب في العام 1934 بالعاصمة العراقية بغداد لعائلة لم يغب الشعر عنها، حيث كان جده لوالده يكتب القصائد باللغتين العربية والفارسية، لتبدأ حياة ستكون ملأى بالشعر والسجون معاً، ثم تنتهي في المنفى عن عمر ناهز 88 عامًا.
أحد ركّاب قطار الموت
بسبب حفظه للقصائد عن طريق جده لأبيه، قدم مظفر النواب أول بيت شعري كتبه لأستاذ له، هكذا يقول في أحد لقاءاته، ثمّ استطاع أن يكتب قصيدة كاملة في مرحلة الثانوية، لتبدأ هنا رحلة مدرس تخرج من جامعة بغداد شاعرًا معروفًا ومطاردًا من الأنظمة السياسية في الوقت نفسه.
قبل أن يتخرج النواب من جامعة بغداد، انتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي، وكان من الأسماء البارزة فيه نهاية الخمسينيات والستينيات التي شهدت فترة انقلابات وصراعات شديدة بين الشيوعيين والقوميين، وهو ما جعل النواب يترك العراق وينتقل إلى إيران لتكون محطة انتقال نحو موسكو، لكنّ السلطات الإيرانية، لم تمنح الشاعر فرصة الوصول إلى روسيا، وقامت بتسليمه إلى العراق، فحكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم ليكون مؤبدًا في سجن "نقرة السلمان" سيئ الصيت، الذي طالما تم توصيف حكم الاستبداد من خلاله.
كان مظفر النواب أحد ركّاب ما يعرف بـ"قطار الموت"، والذي كان يحمل أكثر من 500 سجين سياسي من الضباط والمدنيين في عربات مقفلة في صباح الرابع من تموز/يوليو 1963 إذ تحرك ما سمي بـ"التابوت الحديدي" في درجة حرارة تصل إلى 50 درجة وكان القطار متجهًا إلى سجن نقرة السلمان الصحراوي وبتوجيه من قادة انقلاب 8 شباط، وكاد السجناء يموتون جميعًا لولا أن سائق القطار قد بادر لإنقاذهم من خلال إطلاق صفارة السرعة القصوى ليصل القطار قبل موعده.
قضى النواب فترة في سجن "نقرة السلمان" والذي يعتبر من أقدم السجون القاسية في العراق، والذي يقع في منطقة صحراوية على الحدود العراقية السعودية، ليتمّ نقله بعد ذلك إلى سجن الحلة، وهو في جنوب بغداد، وهنا كانت الانتقالة الكبيرة في حياة الشاعر، حيث استطاع أن يحفر نفقًا ويهرب ويختفي في أهوار جنوب العراق ويكتب من هناك أكثر قصائده العامية شعبية، معبرًا فيها عن حياة الجنوب العراقي وأنماط عيشه في الأهوار.
كان ديوان مظفر النواب باللهجة العامية العراقية الأول، وحمل عنوان قصيدته الشهيرة "الريل حمد" والتي بدأ في كتابتها عام 1956 وانتهى منها عام 1958، واحتوى الديوان على الكثير من القصائد التي تنقل الملاحم الشعبية داخل جنوب العراق، وكذلك الهجاء السياسي الرمزي، فضلًا عن الصراع الذي يخوضه معظم العشاق في البيئة الريفية العراقية، وكانت منه أشهر الأغاني العراقية، ومنها "البنفسج"، و"حن وآنه حن"، و"روحي"، والتي غناها المطرب العراقي المعروف ياس خضر.
بعد حياة قضاها مع الفلاحين في أهوار جنوب العراق، ثم عودة إلى بغداد، غادر النواب إلى بيروت، وبعدها انتقل إلى دمشق، وظل يسافر بين العواصم العربية والأوروبية، لكنّه لم يترك دمشق وبيروت أبدًا، وظل يقرأ القصائد فيهما ويحضر المهرجانات، لكنّه حتى بعد أن غادر بلاده، لم يأمن على حياته وظل ملاحقًا حيث تعرّض لمحاولة اغتيال في اليونان عام 1981.
في قصيدته التي حملت شيئًا من السخرية "بالخمر والحزن فؤادي" تحدث النواب عن ملاحقته في المنفى، وكانت فيها إشارات إلى أن الذين يلاحقونه في شوارع الشام كانوا من أجهزة نظام صدام حسين في العراق.
في العراق وخارجه، كتب مظفر النواب الشعر بالعربية الفصحى، وترك العامية منذ عقود طويلة، لكن رحلة الشهرة عربيًا بدأت من ملحمة شعرية سميت بـ"وتريات ليلية"، لتمتد السلسلة بقصائد كثيرة عبرت عن مواكبة الشاعر لقضايا العرب في مواجهة الحكام المستبدين والقضية الفلسطينية تحديدًا، حيث كانت لغته قاسية في تناول تعامل بعض الحكام العرب مع القدس وفلسطين.
ظل مظفر النواب يدعو إلى مقاومة إسرائيل ويساند النضال الفلسطيني الداخلي، وكان في كل قصيدة بنفس الشدة، وكذلك بقي موقفه شديدًا من نظام صدام حسين، ليقضي أكثر من 50 عامًا خارج العراق دون أي وثيقة رسمية.
في 2011، عاد الشاعر إلى العراق بعد رحلة منفى طويلة، لكنه لم يستقر فيه غير أيام لأن وضع البلاد بالنسبة إليه لم يختلف كثيرًا عما كان يجري قبل أن يخرج، ليموت اليوم بعيدًا عن البلاد التي طالما تحمل عذابات السجن والملاحقة لأجلها.