ما تزال الأجواء متوترة في مدينة سنجار في غربي محافظة نينوى بعد احتكاكات على خلفية محاولة عائلات عربية العودة إلى المدينة في ظل هيمنة وحدات موالية لحزب العمال الكردستاني.
نهاية شهر نيسان/أبريل حاولت بضع عائلات عربية العودة إلى المدينة بعد رحلة نزوح استمرت ما يقرب 10 أعوام، عندما اجتاح تنظيم "داعش" المدينة وارتكب مجزرة كبرى واستعبد النساء من الإيزيديين.
يحمل سكان في سنجار مسؤولية الأجواء المتوترة لحزب العمل الكردستاني الذي يفرض سيطرته على المدينة منذ خريف 2017
النازحون العائدون وهم يمثلون 25 عائلة عربية كانت تقطن مخيم الجدعة جنوبي نينوى، والذي أغلقته وزارة الهجرة قبل عدة أيام، واجهوا رفضًا من السكان الإيزيديين، وتهديدات من بعض الأشخاص والعائلات، الذين لاحقوهم الى داخل مسجد الرحمن الذي تعرض للاعتداء هو الآخر.
يقول مصدر إيزيدي من داخل سنجار لـ "الترا عراق"، إنّ "المدينة تعاني في الأساس من تغلغل حزب العمال الكردستاني وأجنحته المحلية في المدينة، والحزب يحاول أن يعتاش على الأزمات، لذلك حرك بعض أنصاره في داخل المدينة لإثارة البلبلة".
هذه الأحداث ليس الأولى من نوعها، وفق المصدر الذي طلب عدم كشف هويته، كما أنّها لن تكون الأخيرة، على حد تعبيره.
يبلغ تعداد الإيزيديين قبل اجتياح "داعش" نحو نصف مليون نسمة، يعيش منهم نحو 250 ألفًا الآن في دهوك داخل مخيمات للنازحين، فيما عادت 3500 عائلة إلى سنجار.
وسيطر عناصر حزب العمال على سنجار بعد انسحاب قوات البيشمركة خريف 2017، حيث يمتلكون أذرعًا محلية مثل "اليبشة" الذين شاركوا في معارك طرد "داعش" عام 2015 من القضاء، مما سهل عليهم فرض السيطرة.
ومنذ ذلك الحين يتخوف السكان المحليون النازحون من إيزيديين وعرب من العودة إلى سنجار، حيث تعاني المدينة أيضًا من نقص الخدمات.
يقول الكاتب والصحافي الإيزيدي خدر خلات لـ "الترا عراق"، إنّ "من عاد إلى سنجار هم إيزديون، ولكن هناك عشرات العائلات العربية عادت وتسكن مع النازحين، كما يوجد عشرة مساجد في سنجار لم تتعرض في أي يوم لأذى".
وشرح خلات تطورات الأحداث، مبينًا أنّ "25 ممثلاً عن عائلات عربية جاءوا إلى سنجار، وأمهلوا السكان الذين يقطنون في منازلهم بالمغادرة خلال 15 يومًا ليعودا إليها".
يتخوف سكان سنجار من تكرر الاحتكاكات في ظل استمرار محاولات العائلات العربية العودة إلى المدينة
ويوضح خلات، أنّ "حالة فوضى واحتكاك حدثت بين سكان المنازل وبعض العائلات العائدة، تطورت إلى هتافات عنصرية قرب جامع الرحمن وهو ما تسبب بوقوع الإشكال".
في الأثناء تطالب أكثر من عائلة عربية تقطن الموصل الآن بالعودة إلى مدينة سنحار.
ويقول خلات، إنّ هذه العوائل "محل ترحيب شريطة خضوع أفرادها إلى التدقيق الأمني حتى يشعر السكان الإيزيديون أنّ من قتل ذويهم وسبى النساء لن يعود مجددًا"، مبينًا أنّ "التعايش السلمي ودعم الاستقرار ضروري، والأهم هو تطبيق اتفاق سنجار".
واتفاق سنجار هو وثيقة وقعتها وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان مع الأمن الوطني وجهات اتحادية في بغداد لتطبيع الأوضاع في المدينة.
وينص الاتفاق على إخراج عناصر حزب العمال والجماعات غير القانونية، وفتح باب التطوع لأبناء سنجار، وإعادة الإعمار تحت إشراف الحكومة المحلية في نينوى، والدفع بالجيش والبيشمركة لحماية حدودها.
لكن الاتفاق ما يزال حبرًا على ورق إثر "مماطلة" تمارسها جهات بهدف إطالة أمد بقاء حزب العمال، لأهمية سنجار الجغرافية والسياسية.
يقول المصدر الذي تحدث لنا من سنجار، إنّ "حزب العمال يجد سنجار طريقًا مهمًا يربط العراق بسوريا وتركيا، وخط تجارة مهم لبعض الممنوعات، لذلك ليس من السهل أنّ يتخلى عن المدينة".
فيما يقول النائب عن محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري، إنّ "محاولة بعض الأشخاص منع الآخر من العودة إلى سنجار لا يندرج إلاّ ضمن مفهوم التعصب والطائفية، وعلى كافة الأحزاب والجهات المسلحة رفع يدها عن المدينة، وتسليم الأمور للقوات الأمنية الاتحادية".
بدوره، تحدث الباحث في الشأن السياسي من أربيل سعد معتصم لـ "الترا عراق"، عن "مشكلة أساسية تسببت بتأخر حسم ملف سنجار".
وقال معتصم، إنّ هذه المشكلة تتمثل بـ "عدم جدية كافة الأطراف في محاولات الوصول إلى تسوية"، في إشارة إلى إدارة نينوى والحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان.
تمثل مدينة سنجار موقعًا استراتيجيًا لحزب العمال الكردستاني يستخدم لتجارة ممنوعات بين العراق وسوريا وتركيا
ويرى معتصم، أن "الحلّ يكمن في عودة الأطراف كافة لاتفاقية تطبيع الأوضاع، وتطبيقها على أرض الواقع، والأهم هو إعادة تسوية أوضاع الإيزيديين وباقي المكونات، من خلال صرف التعويضات، وإعادة الإعمار، وأيضًا إيجاد مصالحة مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الإيزيديين".
مبالغ التعويضات لم تصرف حتى الآن سوى بشكل محدود شمل أكثر من 100 شخص فقط من المتضررين من أحداث "داعش".
بدورها، تقول خالدة خليل المتحدثة باسم مقر زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، إنّ "معالجة الخطابات المتشنجة التي تهدد التعايش في العراق باتت ضرورية".
وتتهم خليل في حديث لـ "الترا عراق"، بعض الأطراف بـ "تعمد هذا الخطاب، للحصول على امتيازات سياسية على حساب الأطراف الأخرى المشاركة في العملية السياسية، عبر التصعيد بين حين وآخر".
ويعاني السكان الإيزيديون في المخيمات من مشاكل متعددة، كما يعيش السكان العرب في مخيمات ذات الظروف، وأبرزها الحرائق التي تطال خيامهم وقلة المساعدات الإغاثية والمشاكل المتعلقة بالخدمات الأساسية من الكهرباء والماء الصالح للشرب، فضلاً عن تردي مستوى التعليم.
ويتطلع النازحون للعودة أكثر من أي وقت مضى إلى مدنهم المحررة، لكن المخاوف ما تزال حاضرة من لحظات القتل الجماعي والسبي، واغتصاب النساء.
يعيش النازحون الإيزيديون ظروفًا قاسية هي ذاتها التي يرزح تحتها النازحون العرب وسط مطالبات بتطبيق اتفاق تطبيع الأوضاع تمهيدًا لعودتهم
ويبلغ عدد المفقودين نحو 2700 شخص من الإيزيديين، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة (IOM).
وبحسب مكتب إنقاذ الإيزيديات التابع لحكومة إقليم كردستان، فقد تعرضت أكثر من 6400 إيزيدي من كلا الجنسين للاختطاف أثناء اجتياح سنجار، لم يطلق سراح سوى نصفهم من مناطق مختلفة من العراق وسوريا وتركيا.