الترا عراق - فريق التحرير
منذ نحو خمسين عامًا والخراف العراقية محصورة بحدود سايكس بيكو، فهي ممنوعة من التصدير، لأسباب تتعلق غالبًا بالعقل الإداري في المؤسسات المعنية، مثل وزارة الزراعة، فيما ينعش ارتفاع الطلب على اللحوم العراقية عمليات التهريب على مدى عقود.
تسلك الأغنام منذ عقود طرقًا غير شرعية إلى الخارج فيما تصاعدت عمليات التهريب مع الانفلات الأمني وفقدان السيطرة على الحدود
وتعتمد أشهر الآكلات في العراق ودول الخليج وبعض بلدان المنطقة على اللحوم العراقية كعنصر أساسي للأطباق المميزة مثل "التشريب" و"القوزي" و"الكبسة" وغيرها.
وما تزال المشاريع الاستثمارية الخاصة بتربية الخراف العراقية دون مستوى الطموح، فضلاً عن غياب المشاريع الحكومية، وهو ما يثير تساؤلات عن الأسباب الحقيقة وراء عدم إيجاد حلول لتعزيز قدرات الإنتاج مع ما تمثله اللحوم العراقية من مورد اقتصادي مهم.
اقرأ/ي أيضًا: أموال الجوار "تفتح النار" على الدواجن.. "النفر الضال" يشعل الأسواق"؟
ويرى مختصون، أنّ العراق لو أشبع الطلب العالمي على الخراف العراقية منذ عدة قرون لهرعت الشركات الاستثمارية، من كل البلدان المتقدمة، وأدخلت التكنولوجيا وآليات العمل والإدارة وأقاموا مزارع نموذجية خاصة في صحاري العراق، وهو ما سيخلق للموازنات العامة رافعات مالية تعيد الاستقرار وتخلق استدامة بدل الاتكال الكامل على النفط.
لحوم متميزة في "مأزق"!
ويؤكد المتحدث باسم وزارة الزراعية، حميد النايف، أنّ "اللحوم الحمراء العراقية متميزة بشكل عام، سواء كان الغنم أو الماعز أو حتى الأبقار، لكنها لا تكفي لسد الحاجة، ما يفرض منع تصديرها إلى الخارج".
ويضيف النايف في حديث لـ "الترا عراق"، أنّ "هذا القطاع يواجه مأزقًا يتمثل بعدم توفر الأعلاف الخاصة بالثروة الحيوانية، ولو كان هناك فائضًا في تلك الأعلاف لمنحناها للعاملين في هذا المجال، وحقّقنا الاكتفاء الذاتي، فهدفنا الأول، هو ليس تصدير هذا المنتج، بل تحقيق الاكتفاء الداخلي".
ويبيّن النايف، أنّ "اللحوم العراقية مرغوبة خليجيًا، لكن التصدير غير مسموح، والطريق الوحيد هو التهريب"، مشيرًا إلى أنّ الوزارة "تسعى إلى الحفاظ على مصادر اللحوم العراقية وإدامتها، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي التام".
ويوضح المتحدث، أنّ "جهود تنمية موارد اللحوم تواجه معوقات، مثل قلة الدعم بالنسبة للأعلاف، فضلاً عن تذبذب الأمطار الذي أثّر على قطاع الثروة الحيوانية".
وبلغ إنتاج العراق من اللحوم الحمراء 111.4 ألف طن في عام 2020، وفق وزارة الزراعة.
بالمقابل، يتحدث خبراء، عن جملة فوائد سيجنيها العراق لو سمح تصدير الخراف، مثل زراعة آلاف الدونمات بالأعلاف التي تحتاجها تلك الخراف، حيث يفقد العراق سنويًا 100 ألف دونم من أراضيه الزراعية منذ أكثر من عشرين سنة مضت وإلى الآن، فضلاً عن دخول كبار المستثمرين، وهو ما سينعش صناعات جانبية ويتيح موارد إضافية، مثل إنتاج اللحوم والمقطعات ومجال تجميد اللحوم وجزر الخراف وسلخها، فضلاً الصناعات المعتمدة على الصوف.
طرق وعرة.. وحل واحد
وتسمح المادة (53/ثالثًا) من قانون الموازنة المالية لعام 2021، بـ "بتصدير جميع أنواع المواد الأولية والمصنعة ونصف المصنعة والغذائية والحيوانية، استثناءً من جميع القوانين والقرارات النافذة ويستثنى من ذلك خام الحديد والسكراب والنحاس والألمنيوم"، لكن القرار لم يُطبق وفق المطلوب بما يتعلق باللحوم.
ويرى أستاذ السياسة الزراعية في كلية العلوم الزراعية في جامعة بغداد، باسم البدري، أنّ "الحل يكمن في جذب الاستثمارات العربية والأجنبية، وتشجيع المستثمر المحلي على إنشاء الحقول النموذجية، من خلال التركيز على السلالات ذات الإنتاجية العالية".
ويؤكد البدري في حديث لـ "التر عراق"، أنّ "هذا المسار لو طُبق بشكل جيد، سيرفع بشكل سريع، الميزة النسبية للحوم العراقية، ويدفع باتجاه جعلها سلعًا تصديرية، خاصة وأنّها مرغوبة في مختلف الدول العربية"، مبينًا أنّ "تلك المشاريع تمتاز بمردوداتها الاقتصادية الجيدة، بسبب تصاعد الطلب على اللحوم، ما يجعل الاهتمام بالمراعي الطبيعية الخضراء أمرًا واجبًا على الحكومة، فضلاً عن تقديم القروض طويلة الفائدة والتركيز على خلق ميزة تنافسية لهذا الجزء من الثروة الحيوانية".
وتسلك الأغنام والمواشي العراقية منذ عقود طرقًا غير شرعية إلى الخارج، حيث تصاعدت عمليات التهريب مع الانفلات الأمني وفقدان السيطرة على الحدود الطولية مع دول الجوار، أهمها إيران وسوريا، منذ عام 2003.
وعلى رغم من تشديد الإجراءات الأمنية مؤخرًا، فإنّ حجم الطلب والقيمة العالية التي تدفع مقابل اللحوم العراقية من المستفيدين في دول الجوار، اللذين خبروا المواشي العراقية منذ تسعينيات القرن الماضي على الأقلّ، تغري التجار للاستمرار في أعمال التهريب وابتكار أساليب جديدة.
ويقول خبراء أمنيون، إنّ تقنين مجال اللحوم العراقية، سيفكك المليشيات والشبكات العاملة في هذا المجال، سواءً تلك التي تهرب الخراف إلى الداخل العراقي أو العكس، مع خلق نشاط تبادل رسمي وقانوني دون حاجة إلى الاختباء وتحمل مخاطر تكاليف عالية لعبور الحدود، بدفع الرشاوى والعمولات أو الخضوع للابتزاز من قبل الفاسدين في الأجهزة الأمنية.
اقرأ/ي أيضًا:
من القلية إلى الدولمة.. أشهر 10 أكلات في الموصل
قدرة العراقيين الشرائية.. من مغامرات صدّام إلى فقدان 790 مليار دولار!