ألترا عراق - فريق التحرير
تحدث رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، يوم السبت 30 نيسان/أبريل 2022، عن ملفات عدّة أهمها سعر صرف الدولار والموازنة والسلاح المنفلت والأزمة السياسية في البلاد.
وأكد الكاظمي في حوار أجرته معه الصحيفة الرسمية وتابعه "ألترا عراق"، على ضرورة التفريق "بين السياق الدستوري وأزمة العملية السياسية. أتصور أنَّ الانسداد الحقيقي هو في عدم تطوير العملية السياسية التي تشكّلت على أساس توازنات ورؤى ليست بالضرورة صالحة لكلِّ وقت، لكنَّ بعضها خلقته ظروف البلد. وسبق أنْ تحدثت عن أنَّ الأزمة الحالية هي في جوهرها أزمة ثقة، لأنَّ القوى السياسية بإمكانها الخروج من الانسداد السياسي الحالي وتقديم تضحيات أو تنازلات هنا أو هناك، لو كانت هناك ثقة مشتركة تؤطر الوضع السياسي العراقي".
ويعتقد الكاظمي أن "الحلَّ لا يكون في الخطابات السياسية، وإنما في محاولة استعادة الثقة. والثقة، هنا، لا تعني ضرورة المشاركة أو تشكيل الحكومة من عدمها، بل إنَّ استعادة الثقة تعني أنَّ كلَّ من في الحكومة أو في المعارضة يعدّ أنَّ الدستور والقوانين والثوابت الوطنية ومؤسسات الدولة هي المرتكزات الأساسية التي يستند إليها".
وأضاف: "نحتاج إلى أجواء جديدة ومناقشات عميقة تخصّ مجمل الوضع السياسي، ومن بين ذلك الاتفاق على تعديلات دستورية جوهرية لكي نبدأ خطوات استعادة الثقة، ومن ثم إنهاء الانسدادات السياسية سواء اليوم أو في المستقبل".
ينتقدون الورقة البيضاء دون قراءتها
بخصوص الورقة البيضاء، اتهم الكاظمي "كثيرين ممن انتقدوا الورقة البيضاء لم يتكبّدوا عناء قراءتها ولم يحاولوا مناقشتها، وهي في النهاية ليست نصًّا مقدسًا، بل محاولة لإنقاذ اقتصاد هذا البلد، وهذه الورقة (البيضاء) قابلة للتعديل والإضافة والتحديث بحسب التطورات الاقتصادية المحلية والدولية. قلنا إنَّ استمرار الاعتماد على النفط الذي يموِّل 95% من الموازنة العامة للبلاد جريمة كبيرة وإجحاف لا يمكن قبوله بحقِّ هذا الجيل في العراق والأجيال القادمة، لهذا حاولنا تقليص اعتماد الموازنة على النفط ونجحنا جزئياً، ويجب أن يستمرَّ هذا التقليص لتكون موارد النفط لصالح صندوق الأجيال وليس للاستهلاك الشهري غير الستراتيجي".
أما عن سعر الصرف، فوصف قرار تغييره بأنه "لم يكن قرارًا كيفيًا ولا قرار هذه الحكومة، بل سبقته دراسات استمرَّت سنوات، وتمَّت مشاركة كلِّ القوى السياسية ومجلس النواب قبل اتخاذه، بناءً على حقيقة أنَّ أسعار النفط قد لا تُلبي في أوقات الأزمات الحدود الدنيا من متطلبات شعبنا، وأننا بحاجة إلى العمل معًا لتقويم الاقتصاد العراقي".
لا أطلب الإنصاف الإعلامي أو السياسي
وفي إجابة عن اتهام الكاظمي بأنه لم يفعل شيئًا بخصوص التصدي للسلاح المنفلت، قال إن "هذا اتهام تعوزه صفتان هما المصداقية والإنصاف. المصداقية لأنَّ من يُطلقه عليه أولًا أنْ يراجع كلَّ الخطوات التي اتخذتها الحكومة في ملفِّ السلاح المنفلت، وأنْ يستحضر حقيقة أنَّ هذا ليس قرارًا وقتيًا وآنيًا تتخذه السلطات، بل هو ملفٌّ شائك ومعقد ويحتوي على أبعاد سياسية واجتماعية ودينية، وعلى الحكومة مواجهته بمستويات عدَّة وبرؤية صبورة وتراكمية في الفعل الأمني".
وتابع: "من يراجع الظروف عام 2020 بمصداقية وبعيدًا عن أجواء الانتهازية والاستعراض، لا بدَّ له أنْ يعترف بحصول تطور كبير في الملفِّ الأمني على كلِّ المستويات، ابتداءً من إعادة ضبط مخرجات الأزمة الاجتماعية التي أفرزتها التظاهرات الشعبية بين عامي 2019 و2020، ومن ثمَّ استعادة الثقة التي كانت مكسورة بين الشعب والمؤسسات الأمنية، وبتجفيف منابع الإرهاب وكسر شوكته ومحاصرة الخارجين عن القانون والعمل على تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء".
وزعم الكاظمي بأن "هذا الاتهام يعوزه الإنصاف أيضًا لأنَّ كلَّ منصفٍ عليه أن يستعرض نشاطات القتل والإرهاب والجريمة المنظّمة والاضطراب الأمني عام 2019 - 2020 ويقارنها بالواقع الذي نعيشه الآن"، مضيفًا: "لا نملك العصا السحرية لتغيير الواقع بضربة واحدة، لكننا وضعنا أسس الحياة الطبيعية، وهذه الأسس تحققت بعد خطوات كثيرة ومحاسبات قانونية عدَّة. هنالك اليوم ضباط ومنتسبون وموظفون محكومون بالإعدام أو المؤبد بعد أن طبِّق عليهم القانون، وهنالك مجرمون تجري محاكمتهم بسبب تجاوزهم على القانون كما هي الحال مع فرق الموت في محافظة البصرة وقتلة هشام الهاشمي وعصابات الجريمة المنظمة وغيرهم كثير، ناهيك عن الإرهاب المتربّص".
وسأل الكاظمي نفسه وأجاب: "هل كلُّ هذا يكفي؟ الإجابة: لا. بالتأكيد نحتاج إلى المزيد من العمل لإعادة الأمور إلى نصابها بالكامل وإخضاع الجميع لسلطة القانون. والسؤال الآخر: ألم يتحقق شيء في هذا الملفِّ؟ هنا أترك الإجابة ليس للاجتهادات السياسية أو الاستعراضات الإعلامية، بل إلى الشعب العراقي الذي بات أكثر تمسكًا بالقانون وأكثر تمسكًا بالدولة وتفهمًا للظروف المعقدة وحقل الألغام الذي سارت فيه هذه الحكومة، وبالتالي، لا أطلب الإنصاف الإعلامي أو السياسي لأنني متيقن وواثق بأنَّ شعبنا هو المنصف".
حديث ما يزال مبكرًا
وسألت الصحيفة عن ما سُميت "تغريدة الوداع" التي نشرها الكاظمي عقب انتشار أنباء عن ترشيح جعفر الصدر لمنصب رئاسة مجلس النواب من قبل الكتلة الصدرية.
الكظامي قال ردًا على السؤال: " أقول بصراحة إنني شخصيًا، وأتحمل المسؤولية، عارضت ورفضت كلَّ الطلبات التي كانت تريد مني المشاركة في الانتخابات، وبعضها كان من فريق العمل الخاص بي، ومن قوى سياسية ونواب. وكان الجميع يعتقد أنَّ السياق الطبيعي هو مشاركة رئيس الحكومة في الانتخابات وتحقيق فارق في مقاعد البرلمان. ولكن قلت في حينها وأكرِّر ذلك اليوم، إنني كُلّفت بتشكيل حكومة في ظلِّ أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية طاحنة هدَّدت كلَّ العراق، وكان الهدف الوصول إلى خارطة طريق خاصة تقود إلى انتخابات عادلة وشفافة وتقود البلد إلى برِّ الأمان".
وأضاف: "القرار الذي اتخذته في لحظة التكليف بأنْ تكون هذه الحكومة منظمة للانتخابات وليست طرفًا فيها. ولو كنت شاركت في الانتخابات، لكنت قد نكثت العهد أمام الشعب، وأزعم أنني لا أنكث العهود. وفي ما يتعلق بالشطر الأول من السؤال، فإنَّ إجابته ترتبط أيضاً بشطره الثاني. التغريدة التي أطلقتها تترجم المبادئ الأساسية لأيِّ نظام ديمقراطي، وهي أنَّ الانتخابات تمثل المخرج الطبيعي للأزمات السياسية، وأنَّ آليات تشكيل الحكومة يجب أنْ تستكمل كما حددها الدستور. ترأست حكومة لمرحلة انتقالية وقمت بما يُرضي ضميري في أداء مهامّي في هذه المرحلة، أما على المستوى السياسي فإنَّ الحديث لا يزال مبكرًا بهذا الخصوص".
أتعالج من الضغوط الشخصية
وبخصوص نشاطات الكاظمي الاجتماعية في الآونة الأخيرة ولقاءاته الاجتماعية المتكررة، "اعترف" الكاظمي بالقول: "أنني أُكثر منها لسبب شخصي، فأنا أحيانًا أعالج الضغوطات الشخصية التي أواجهها في العمل الحكومي سواء السياسي أو الأمني، بالعودة إلى الناس من خلال دعوتهم أو زيارتهم في أماكنهم. وهذا يمثل لي استقرارًا شخصيًا. وإذا سُمح لي القول إنه أشبه بالعلاج. ناسنا وأهلنا طيبون ووطنيون ويعانون الكثير، ولكنهم أذكياء أيضًا بكلِّ معنى الكلمة، وهم صادقون، ولهذا يعرفون من هو صادق معهم ومن هو غير صادق".
لن نقدم موازنة 2022
دار حديث عن تخويل البرلمان، الحكومة، صلاحية إرسال موازنة 2022، وقال الكاظمي إن "هذا الموضوع كان محلَّ نقاش خلال المدَّة الماضية، ونعتقد أنَّ من الأفضل لو كانت هناك حكومة كاملة الصلاحيات تقدم مشروع قانون موازنة عام 2022 بالشروط والمواصفات التي يتطلبها مشروع الإصلاح الاقتصادي والتحولات والتحديات السياسية والاقتصادية الحاصلة في العراق والعالم. أما بخصوص ترحيلها إلى الحكومة المقبلة فإنَّ الأمر يعتمد على سرعة تشكيل تلك الحكومة، وهناك حلول قانونية آنية يمكن من خلالها تجاوز الأضرار التي تحصل بسبب غياب الموازنة".
أما عن قانون الأمن الغذائي، قال رئيس الحكومة إن "إعداد هذا القانون وتقديمه إلى مجلس النواب كان بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي سبّبتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع أسعار النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات عالميًا وعدم القدرة على تشريع الموازنة في الوقت الراهن، ولهذا فإنَّ قانون الأمن الغذائي سيمكن الحكومة من تجاوز معوّقات الأزمة الحالية وتوفير الغطاء لدعم الطبقات الفقيرة ودعم البطاقة التموينية وتمويل العديد من المشاريع الستراتيجية المهدَّدة بالإيقاف بسبب نقص التمويل".
انفراجة سعودية - إيرانية
وفي سؤال عن التحركات العراقية للوساطة بين إيران والسعودية، قال الكاظمي إن "العراق لديه مصلحة مباشرة في تحقيق تفاهمات بين دول المنطقة وتحقيق الاستقرار الإقليمي. ولأننا نمتلك علاقات جيدة مع الطرفين ومع أطراف إقليمية ودولية متباينة، تمكنّا من إيجاد أجواء حوار إيجابية على أرض العراق، الكثير منها لم يعلن عنه".
وأضاف: "الإخوة في المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية يتعاملون مع ملفِّ الحوار بمسؤولية عالية ومتطلبات الوضع الحالي للمنطقة، ونحن واثقون بأنَّ التفاهم بات قريبًا إنْ شاء الله، وهناك انفراجة حقيقية واسعة في العلاقات بين كلِّ دول المنطقة، مدعومة بقناعة راسخة ونيّات سليمة بأنَّ مستقبل المنطقة يعتمد على البدء بالنظر إليها كمنظومة مصالح متلاقية وليست متقاطعة، وأنَّ هذه المنظومة لا يمكنها التفرغ للبناء الاقتصادي واللحاق بالتطور العالمي من دون أنْ تحلَّ مشكلاتها وتصفّر أزماتها".