الترا عراق - فريق التحرير
جثث مجهولة لا تزال حتى الآن تحت الأنقاض في الموصل القديمة، المركز التاريخي لمدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى (405 كم شمال بغداد)، على الرغم من إنقضاء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، منذ تموز/يوليو 2017.
شاعت اتهامات عن تورط ناشطين بالبحث عن كنوز بين أنقاض الموصل القديمة وبيع جثث عناصر داعش
اقرأ/ي أيضًا: لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟
تنظيم الدولة الذي حكم الموصل لنحو أربعة أعوام، طرد من المدينة بحرب أحرقت اﻷخضر واليابس، دارت رحاها بين الأزقة والمنازل، ما الحق ضررًا كبيرًا بالجزء التاريخي المعروف بالمنطقة القديمة، لقدم المنازل وتهالك المباني، ووجود الآلاف من السكان المحليين المحاصرين هناك حين الحرب.
جثث متفسخة وكنوز!
يقول مدير احدى القواطع البلدية في الموصل رفض الكشف عن هويته لـ "الترا عراق"، انهم انتشلوا خلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، عشر جثث متفسخة، كلها مجهولة الهوية، مرجحًا أن "تكون لعناصر في تنظيم الدولة باعتبار أن أحدًا من الأهالي لم يبحث عنها".
لكن مواطنين من الموصل يؤكدون، أن لديهم مفقودين، إﻻ أنهم غير متأكدين من مصيرهم فيما إن كانوا قد قتلوا على يد التنظيم المتطرف قبل انتهاء سيطرته على المدينة، أو أنهم قتلوا في سجون التنظيم، خلال الحرب برصاص القوات العراقية المحررة.
وفي خضم ذلك كله يبقى ملف الجثث من أكثر الملفات الشائكة والعالقة تعقيدًا بعد التحرير، خاصة مع اتهامات توجه إلى ناشطين بـ "ارتكاب أعمال مشبوهة"، أثناء مشاركتهم إلى جانب عناصر الدفاع المدني والصحة والبلدية في انتشال الجثث بعد الحرب الطاحنة، منها "البحث عن أموال وكنوز تحت الأنقاض، وبيع جثث عناصر داعش مقابل مبالغ من المال تصل حتى 4 ألاف دولار"، وهي اتهامات تنفي الجهات الأمنية في الموصل تسجيلها.
سرور عبد الكريم الحسيني، واحدة من ناشطات مدنيات شاركن في عملية انتشال الجثث خوفًا من "انتشار الأوبئة" في الموصل، تقول لـ"الترا عراق"، ان "الجثث ما تزال موجودة، انتشل بعضها وكانت متفسخة من أحياء الميدان والقليعات"، مبيَنًة أن "مشاركتها بدأت لمساعدة الأهالي في العثور على جثث ذويهم، حين كانت البلاغات تصل منهم إلى الدفاع المدني، لانتشال جثث معلومة الهوية".
ومع عدم ورود بلاغات بشأنها أنهى الدفاع المدني مهام عمله، وتحولت مهمة إخراج الجثث والتي هي على الاغلب لعناصر في "داعش"، إلى فرق تطوعية، منها فريق الحسيني الذي يضم 40 شخصًا، حيث تؤكد أن فريقها انتشل "ألف جثة مجهولة الهوية سلمت إلى بلدية الموصل، قبل أن يصدر قرار حكومي بمنع ذلك النشاط، لكشفه جثثًا تنفي الحكومة وجودها"، على حد تعبيرها.
يبلغ عدد القتلى في عموم محافظة نينوى خلال حرب التحرير، نحو 40 ألف قتيل من المدنيين وعناصر "داعش" والقوات العراقية، كما تقول الحسيني نقلًا عن مصادر كردية، فيما تنفي نفيًا قاطعًا تهم بيع الجثث والبحث عن المصوغات والاموال تحت الانقاض، وتستدل بالقول: "لو كان ذلك صحيحًا، لما بقيت الجثث مدفونة تحت الأنقاض في الموصل حتى الآن".
وتعزو الناشطة بقاء الجثث حتى الآن، إلى "قلة الكوادر البلدية وكوادر الطب العدلي التي لا تتعدى شخصين فقط يعملان على رفع الجثث ودفنها".
هكذا تعامل جثث داعش!
شهدت المدينة القديمة في الموصل، معارك طاحنة ومواجهات شرسة، على خلفية تحصن عناصر تنظيم "داعش"، في مبان ضيقة ومتهالكة، فوق رؤوس السكان المحليين المحاصريين ما سبب دمارًا عظيمًا في تلك المنطقة، لم تشهده مناطق الموصل الأخرى.
بلغ عدد الجثث التي انتشلت من الموصل القديمة 2869 وفق الإحصائيات الرسمية
يقول قائممقام الموصل زهير الأعرجي، إن عدد الجثث التي تم انتشالها من المدينة القديمة فقط، وبحسب الأرقام الرسمية، بلغ 2869 جثة، وما تزال هناك جثث متفسخة في آخر الأحياء التي انتهت فيها المعارك مثل الميدان والقليعات، وما بين الجسر القديم والجسر الخامس.
يرجح الأعرجي لـ "الترا عراق"، أن تكون الجثث المتبقية عائدة لعناصر في تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، مؤكدًا أن "العمل مستمر رفعها من تحت الأنقاض"، فيما يصف معلومات بيع تلك الجثث بـ "الشائعات العارية عن الصحة".
تنقل تلك الجثث من مكان وجودها تحت الأنقاض، من قبل فرق البلدية والصحة والدفاع المدني، ليتم ترقيمها ودفنها في مكان بعيد، حيث ليس هناك من يبحث عنها، كما يؤكد الأعرجي.
ويتهم موصليون ومنظمات حقوقية التحالف الدولي، بالقصف العشوائي للمدينة، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين صفوف المدنيين الذين لاتزال جثث بعضهم تحت الأنقاض، حيث قضت أسر بأكملها.
التحالف الدولي كان قد أقَر، في تقرير له صدر، العام الماضي، بقتله ما لا يقل عن عن 1061 شخصًا من المدنيين، في العراق وسوريا، ما بين آب/ أغسطس 2014 وحتى نهاية تموز/ يوليو 2018.
يقول السياسي الموصلي عامر العمري لـ "الترا عراق"، إن "التحالف الدولي هو المسؤول الفعلي عما جرى في الموصل خلال الحرب، كونه قصف الأهداف اعتمادًا على القيادة الميدانية للجيش العراقي، وتبين أن الاهداف لم تكن دقيقة بما يكفي، ما تسبب بسقوط ضحايا بأعداد كبيرة"، مؤكدًا أن "التحالف الدولي لو استخدم فعليًا عناصره على الأرض واستعان بالموصليين، لكان قد تمكن من تخفيف الخسائر الناتجة عن الأخطاء، خاصة تلك الخسائر التي راح ضحيتها مدنيين".
الجثث تهدد دجلة.. وحتى الهواء!
من جانبه تؤكد قيادة العمليات في نينوى، تقدم تسهيلات كبيرة للدوائر الخدمية، والجهات المدنية الساعية لرفع الجثث واعادة اعمار المناطق المدمرة. يقول نائب قائد العمليات اللواء جاسم خليفة، إن الوضع في الموصل "مستقر" حاليًا، وتعمل "قوى الجيش والحشود الشعبية والعشائرية والشرطة والطوارئ جميعها، على استقرار الوضع في المدينة".
وعن الجثث المنتشرة في المدينة يبيًن خليفة لـ "الترا عراق"، أن "قواته تساعد وفقا لطلب المساعدة المقدم لهم من البلدية والصحة والدفاع المدني، في توفير تصاريح دخول أمنية، دون التدخل في مصير الجثث بعد انتشالها أو أي تفاصيل أخرى تخصها".
تهدد الجثث المتفسخة التي لا تزال تحت الأنقاض في الموصل نهر دجلة وهواء المدينة بالتلوث
اقرأ/ي أيضًا: هل حان حقًا موعد الاحتفال بتحرير الموصل؟
من جانب آخر، تهدد الجثث في الموصل، نهر دجلة بالتلوث، خاصة تلك التي تنتشر في الأحياء المحاذية لمجرى النهر، وفق تحذيرات أكاديميين موصليين.
يقول استاذ كلية العلوم البيئية في جامعة الموصل محمد الشماع لـ"الترا عراق"، إن "إمكانية وجود جثث متفسخة كليًا، لا تجعلنا نستبعد وجود تلوث قد ينتقل الى النهر في حال عثر على تلك الجثث أشخاص غير مؤهلين لانتشالها"، مبيَنًا أن "الخطر لا يقتصر على نهر دجلة فقط، بل حتى هواء المدينة، حيث المخاوف من ذلك التلوث فعلية على الرغم من العدد القليل للجثث المتبقية"، على حد تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا: