03-فبراير-2021

التظاهرات فقدت مكاسبها تباعًا (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

"مجلس النواب القادم المنبثق عن إرادة الشعب الحرة هو المعني باتخاذ خطوات الإصلاح"، جملة قد تكون "مزلزلة" ومصيرية، تضمنتها خطبة للمرجعية الدينية المتمثلة بعلي السيستاني في اليوم الأخير من شهر كانون الثاني/يناير من عام 2020 الماضي، قبل أن تعلق صلاة الجمعة بعد 4 خطب فقط من الخطبة التي تضمنت هذه الجملة بسبب تداعيات دخول فيروس كورونا إلى البلاد، وتحديدًا في 6 آذار/مارس 2020، ولم تستأنفها حتى الآن بعد مرور قرابة العام.

ربما انتهت تظاهرات واعتصامات تشرين، دون الحصول على أي ضمانات باستكمال ما تبقى من مطالب

جملة احتوت رسالة مباشرة إلى البرلمان الحالي، بكونه "عديم الضرورة" ولا يرجى منه أي خطوة تخص الإصلاح في البلاد، الأمر الذي قد يُترجم بشكل جلي، بخطوات وتحركات وقرارات مجلس النواب والجهات المعنية عمومًا في البلاد، فيما يتعلق بالقضايا المصيرية للبلاد والتي ولد لأجلها "حراك تشرين"، الذي اعتبر الحدث الأول والأهم الذي شهده العراق على الإطلاق منذ 2003، وفق تقييمات عبر عنها باحثون ومراقبون، بل ذهبوا إلى أنه الأهم بالتاريخ العراقي الحديث من حيث استمراريته وعدم انجراره للعنف رغم سقوط نحو 800 ضحية وآلاف الجرحى والمعاقين، فضلًا عن نوعية المطالب التي توشحت بها لافتات وبيانات هذا الحراك.

اقرأ/ي أيضًا: المفاهيم العميقة ونظامنا البدائي.. تعقيد بلا معنى

ربما انتهت تظاهرات واعتصامات تشرين، دون الحصول على أي ضمانات باستكمال ما تبقى من مطالب، وفقًا لمراقبين، فضلًا عن استمرار فقدان الانتصارات المعنوية أو المادية المتحققة فعليًا خلال فترة الاحجاجات.

كانت لافتات وبيانات ومواقع التواصل الاجتماعي لمتظاهري وناشطي تشرين، متوشحة بمطالب رئيسية منذ انطلاق الحراك، تتلخص بتعديل الدستور، وما يترتب عليه بالنتيجة من تغيير شكل نظام الحكم وإلغاء مجالس المحافظات وتعديل قانون الانتخابات، إلى صيغة تسمح للكتل الناشئة والأحزاب الصغيرة وتلك التي لا تمتلك المال والسلاح، بإمكانية منافسة وإزاحة الكتل والأحزاب السياسية المتصدرة للمشهد منذ 2003، وتتحكم بمفاصل السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث وجه المتظاهرون فوهة المطالب إلى رأس المشهد السياسي وأركانه، للحصول فيما بعد على النتائج الثانوية المتمثلة بتحسين سبل العيش وفرض القانون وغيرها من المطبات التي تعرقل سير الشعب عمومًا نحو الحياة الكريمة، بحسب البيانات التي راجعها "ألترا عراق"، وخرجت من الساحات على مدى أكثر من عام، منذ انطلاق الموجة الأولى للاحتجاجات في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

نفق مظلم يبتلع "تعديل الدستور"

شكّل مجلس النواب لجنة لتعديل الدستور من داخل البرلمان، وبعد مرور أكثر من عام على تشكيل اللجنة وعقد أكثر من 24 اجتماعًا، ما زال مصير تعديل الدستور "مجهولًا" وقراره بيد رؤساء الأحزاب والكتل التي خرج المتظاهرون ضدهم منذ البداية، فيما ترجح اللجنة ذاتها عدم حسم الأمر وتركه إلى البرلمان المقبل، الذي تستعد ذات الكتل والأحزاب السياسية إلى اقتحامه والسيطرة على مفاصله عبر الانتخابات القادمة المبكرة التي قد لا تغيّر قواعد اللعبة كما تعبر عن ذلك استطلاعات وآراء لباحثين عراقيين.

عضو اللجنة القانونية حسين العقابي قال في تصريحات صحفية، إنه "يجدر بالبرلمان استكمال التعديلات الدستورية بعد الانتخابات المبكرة كون الجو السياسي غير مناسب الآن"، معتبرًا أنه "لو كان هناك اتفاقًا سياسيًا عليها فلا بد لها الخضوع للتوافقات السياسية لا محال، لكونها يجب أن تكون جوهريةً"، مشيرًا إلى أن "الدستور العراقي ألزم نفسه بآليات معقدة تجعل تعديله أمرًا صعبًا، لا سيما ما يتعلق بالحاجة إلى الاستفتاء الشعبي".

مجالس المحافظات.. باقية

كانت مجالس المحافظات، على رأس قائمة أهداف المتظاهرين في عموم المحافظات التي انضمت لحراك تشرين، حتى أغلقت في جميع المحافظات، فيما أقدم البرلمان على التصويت على قرار يقضي بإلغاء وحل مجالس المحافظات، الأمر الذي دخل هو الأخر في مطبات قانونية ودستورية، حيث تجري اتفاقات وتحضيرات داخل البرلمان  لإعادة مجالس المحافظات مجددًا عبر دمج انتخاباتها بالانتخابات البرلمانية التي من المفترض أن تجري في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وهي الموعد المؤجل عن الموعد "المبكر" السابق الذي حددته الحكومة في حزيران/يونيو من العام الجاري 2021، ليكون المتظاهرون أمام فقدان انتصار آخر كان قد تم تحقيقه في وقت سابق ضمن قائمة مطالب تشرين المتمثل بإلغاء مجالس المحافظات.

البرلمان لا يحل نفسه

منذ انطلاق التظاهرات قبل أكثر من عام، والمتظاهرون يطالبون بحل البرلمان وتشكيل حكومة طوارئ، وإجراء انتخابات مبكرة، وبينما أخذ البرلمان والكتل السياسية وقتًا طويلًا بين الاتفاق على مرشح بديل لرئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي بعد شهرين على اندلاع التظاهرات، وصولًا إلى الانشغال بالعطل التشريعية، وتأخير حسم القوانين الضرورية لإجراء الانتخابات المبكرة ومن ثم تأجيل الانتخابات المبكرة إلى تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري 2021، حتى لم يتبق سوى أشهر قليلة على انتهاء الدورة البرلمانية رسميًا، ما يجهض وصف الانتخابات بالمبكرة، ويمنع قيام البرلمان بحل نفسه، كشرط رئيس لإجراء الانتخابات المبكرة.

قانون انتخابات لا يثلج القلب

ربما يعد قانون الانتخابات، هو المطلب الأبرز الذي حقق جزء منه ما كان يرنو إليه المتظاهرون، حيث ذهب نحو الدوائر المتعددة بدلًا من الدائرة الواحدة، فضلًا عن السماح بالترشيح الفردي بدلًا من القوائم، ما يمنع ذهاب الأصوات التي يحصل عليها مرشح ما إلى القائمة التي تضمه والتي يترأسها بالضرورة أحد رؤساء ورموز الأحزاب الحاكمة، إلا أنه ومع ذلك، لم يكن القانون بشكل كامل وفق ما كان يتمناه المتظاهرون، حيث أن أبرز ما يسجل اعتراضهم عليه، هو اعتبار القضاء دائرة انتخابية واحدة، فضلًا عن احتساب المرشح الحاصل على أعلى الأصوات من بين المرشحين الآخرين "الفائز"، مهما كان عدد الأصوات التي حصل عليها، في الوقت الذي طالب المتظاهرون بأن يكون الفائز هو الحاصل على 50+1، وفقًا لنشطاء تواصل معهم "ألترا عراق"، بهذا الشأن.

لم يتبق سوى أشهر قليلة على انتهاء الدورة البرلمانية رسميًا، ما يجهض وصف الانتخابات بالمبكرة، ويمنع قيام البرلمان بحل نفسه، كشرط رئيس لإجراء الانتخابات المبكرة

وبينما يعتبر رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري قانون الانتخابات الجديد إنجازًا كبيرًا، ألا إنه أشار إلى أن "رسمَ الدوائر الانتخابية اعتمد على مصلحة الأحزاب ومناطق وجود جمهورها"، مبينًا في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "المشكلة الحقيقية لا تتعلق بعدد الدوائر بل بتوفير معايير النزاهة والشفافية الدولية، التي ستكون مكسبًا للعملية السياسية في حال توفرها".

هل يشعر "التشرينيون" بالخسارة؟

ويظهر مما تقدم، تلقي المطالب التي رفعت في الاحتجاجات ما وصفه نشطاء بـ"الخسائر المتكررة" التي لا تنتهي، والتي تبدأ كذلك؛ بعدم محاسبة الفاسدين واتخاذ إجراءات حكومية "حاسمة"، من بينها محاسبة قتلة المتظاهرين وحسم ملف التحقيقات، لتكون عدم الاستجابة الحكومية مكملًا للفقرات الرئيسية التي تم تسويفها داخل مجلس النواب، ولكن يبقى السؤال عن كيفية تلقي المتظاهرين هذه "الخسائر"، وما إذا كانوا يرون أن حراك تشرين قد حقق انتصارات بالفعل أم لا وسط تسويف معظم المطالب المرجوة.

اقرأ/ي أيضًا: أكثر من عام على قرار تعديل الدستور العراقي.. ما الذي أنجز منه؟

يقول المتظاهر والناشط البارز في حراك تشرين في إحدى المحافظات الجنوبية سجاد ثاني في حديث لـ"ألترا عراق": "بصراحة نحن لم نتوقع أن تحدث الحلول السحرية والسريعة لوضع البلد، فنحن ندرك حجم المعوقات وتراكمات الفساد والفشل التي تعرقل أي عملية إصلاحية"، معتبرًا أن "الطريق طويل ويحتاج إلى جهود جبارة وتضحيات كبيرة".

يقول ثاني إن "هذا رأيه منذ مظاهرات 2015 و ليس الآن، وحتى مع انطلاق تشرين التي كانت تمثل نقلة نوعية في الحركة الاحتجاجية في العراق، ورفع شعار المطالبة بإسقاط نظام (الفساد والمحاصصة) بدلًا من شعارات المطالبة بإصلاح ذلك النظام في التظاهرات السابقة، لم نتوقع أن يحدث ذلك التغيير المنشود".

يبيّن ثاني أنه "كان من المتوقع أن ينتهي حراك تشرين دون أن يجني ثماره، وإذا حدث هذا فعلًا والأسباب ذاتها موجودة لانفجار الشارع من جديد فأن الحراك القادم سيكون قاسيًا لا يرحم و لا يمكن ترويضه".

رأي السيستاني يعود على لسان تشرين

يؤكد ثاني أن "ندوات وجلسات حوارية كانت تعقد في الساحات عن القوانين والآليات  المطلوبة وكيفية تنفيذها"، ولكنه يشير إلى نقطة وصفها بـ"الهامة جدًا"، وهي أن "القوانين لا تطبق نفسها بنفسها، ما لم تكن هناك إرادة صادقة لتطبيق القانون والالتزام به".

وتابع متسائلًا: "رأينا عدد المرات التي خالف بها البرلمان القوانين العامة بشكل صريح، فما فائدة وضع القوانين و تغييرها وهم لا يلتزمون بها أصلًا؟!".

الانتصار مؤجل

يوجز ثاني مكسبًا واضحًا لتشرين، التي وصفها بـ"النقلة النوعية في الحركة الاحتجاجية العراقية، فلأول مرة في تاريخ العراق الحديث تتمكن الحركة الاحتجاجية في العراق بتغيير الحكومة بطريقة سلمية".

 يمكن الاستنتاج أن رؤية متظاهري وناشطي تشرين، تتماشى بشكل واضح مع ما تراه المرجعية، والذي يتلخص بشكل واضح بـ"عدم التعويل" على البرلمان الحالي

ويوضح أن "الحديث عن الانتصار بالمعنى الذي يعني تحقق كل مطالب المتظاهرين من محاسبة الفاسدين وإرجاع أموال الدولة والقضاء على السلاح المنفلت والقضاء على البطالة وغيرها، فأننا نأمل أن ما سيثمر عن تشرين هو بداية الطريق لتحقق ذلك".

اقرأ/ي أيضًا: بعد عام من غياب "غير مؤثر".. ما الضرورة لعودة مجالس المحافظات؟

وعلى ما يبدو، يمكن الاستنتاج أن رؤية متظاهري وناشطي تشرين، تتماشى بشكل واضح مع ما تراه المرجعية، والذي يتلخص بشكل واضح بـ"عدم التعويل" على البرلمان الحالي، الذي "عزله" السيستاني بخطبته آنفة الذكر، في الـ31 كانون الثاني/يناير 2020، عن أي إجراء إصلاحي ونافع للشعب والبلاد، حيث تتشارك المرجعية الدينية وبعض المتظاهرين التعويل على "الانتصار المؤجل".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

100 عام من الأحداث الدامية والتحولات في العراق

حيدر سعيد: احتجاجات تشرين ثورة ولحظة مهمة في بناء الوطنية العراقية