جالسًا، يعلوني تماثل الرصافي، ثقله عندي لا يقدر سوى بظله الذي سيحميني من الشمس، منتظرًا صديقًا لي، قال إنه سيبيعني مكتبته الغنية بالنوادر، وبينما أنا كذلك أستغل الوقت بوجبة سريعة، أسرع من أن أتمتع بها، مرت نصف ساعة وأنا أنتظر، ولكثرة ما ننتظر، أصبحنا شعبًا بالفطرة يكره الانتظار، لأن لا ثقة لنا في النتائج من ذلك.
المهم، عدت إلى محلي، ترددت في ذهني لقاءات سريعة، وكأني سأواجه شخصًا ما أعرفه، وهذا الأمر يحصل معي عادة، قبالة باب مكتبتي، يقف رجل كبير في السن، يرتدي سترته وكأنه موظف متقاعد، تقربت منه، قلت: السلام عليكم.
جاءت الأجابة بعربية ركيكة جدًا، استغربت بداية الأمر، وظننتُ أنه قادم من شمال العراق، وأول مرة يزور بغداد، أو منطقة عربية، ودار الحديث على هذه الشاكلة، تارة بالإشارات، وتارة بالذي يعرفه من لغتي.
- وعليكم السلام، أجاب
- تفضل.
- أريد نسخة من كتاب "ألف ليلة وليلة".
نفذت طلبه، أظهر ابتسامة كبيرة، وفرحًا شديد، نظر لي بود كبير، قال: أتعرف لقد فقدنا نسخة الجنة، بعض أصدقائي قالوا إن الملائكة أخفتها فجئت لأحصل على نسخة أرضية من أجل الجنة.
غادرني، وضحكت كثيرًا لدرجة أني كنت ساذج، لكني بعته نسخة من الكتاب، وهذا ما يهمني.
فجأةً، استدركت أني رأيت هذا الرجل من قبل، وعندما أصبح نظري على كتاب "صانع المتاهات" الذي يحمل صورة بورخيس، عرفت مع من كنت أتكلم، خرجت أبحث عنه ولم أجده، وأعرف أني لو حدثت البقية عن زيارته للمتنبي لن يصدقني أحد، وأصبحت الوحيد الذي يعرف بضياع "ألف ليلة وليلة" من الجنة.
اقرأ/ي أيضًا: