لا يزال العراقيون يعيشون صدمة غرق عبارة الموصل، الكارثة التي أودت بحياة ما يقارب المائة شخص بينهم نساء وأطفال، وسط أنباء عن مفقودين تتجاوز أعدادهم الثلاثين ضاعوا بين حطام العابرة التي كشف فيها عن خمس جثث جديدة وسط تيار نهر دجلة الذي كان عنيفًا مع أجساد الضحايا ظهيرة الخميس 21 آذار/مارس 2019، وقت حدوث الفاجعة.
من يضمن إجراءات السلامة بالمراكز التجارية والمشاريع الاستثمارية؟
سوء الإدارة وغياب إجراءات السلامة بالجزيرة السياحية في مدينة الموصل، سلطتا الضوء على جميع المشاريع الاستثمارية ومراكز التجمع اليومي متمثلة بالمراكز التجارية الضخمة ومدن الألعاب في البلاد، وبعد كارثة العبارة تبات الكثير من العوائل العراقية قد "اهتزت" ثقتها بتلك المراكز والمشاريع الاستثمارية فيما يخص إجراءات الأمن والسلامة العامة.
بسبب فقدان شروط السلامة وسوء الإدارة الكثير من العوائل العراقية "اهتزت" ثقتها بالمراكز والمشاريع السياحية في البلاد
وكشف تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أعده مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان، في محافظة نينوى، أسباب كارثة الغرق التي طالت العائلات في الرحلة السياحية بالموصل.
وأكد التقرير على أن "العبارة محلية الصنع من تاريخ 1997، تابعة "لشركة جزيرة أم الربيعين السياحية"، قطاع خاص، كانت تقل على متنها ما يقارب الـ 200 شخص بين أطفال ونساء ورجال"، مبينًا أن "تهالك العبارة وهي مصنوعة من معدن الحديد بصنع محلي غير متقن، مع مثيلاتها العبارات في الجزيرة السياحية بالموصل، وعدم وجود أدنى إجراءات السلامة، من أطواق نجاة أو مستلزمات أخرى تخص السلامة، جميعها كانت من الأسباب الرئيسية لوقوع الحادثة".
اقرأ/ي أيضًا: الموت بـ"ألف" دينار.. قصص من فاجعة العبّارة في ربيع الموصل!
أشارت اللجنة بتقريرها إلى أسباب أخرى لم تلتزم بها إدارة الجزيرة السياحية، وهو ما يؤكد "تفضيل الربح المادي بالنسبة لإدارة الجزيرة دون الاكتراث بحياة النساء والأطفال"، الأمر الذي يثير تساؤلات عن مدى اهتمام أصحاب المشاريع الاستثمارية والمراكز التجارية الحيوية المكتظة بالعوائل في عموم البلاد بسلامة روادها مقابل الربح المالي.
يقول الناشط تقي حميد، إن "أغلب المجمعات التجارية ومراكز التسوق والمدن السياحية التي تذهب للاستثمار في البلاد، بحاجة لرقابة مستمرة من قبل الأجهزة الحكومة لتنجب وقوع كوارث محتملة، خاصة وأن بعضها لا ترقى للمواصفات العالمية"، لافتًا إلى أن "أغلب المدن السياحية التي تحتوى على ألعاب الأطفال، قد تكون قنابل موقوتة، ومعرضة لوقوع الحوادث بأي لحظة ولأسباب مختلفة، يصنعها الإهمال والاستخفاف بحياة الناس والجشع، إضافة إلى الفساد والرشى التي قد تدفع للتهرب من الرقابة بما يخص إجراءات السلامة".
وأضاف حميد في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنه "لا أنسى ذلك اليوم الذي حبست فيه مع 3 أصدقاء داخل مصعد في أحد المولات التجارية بالعاصمة بغداد، وبقينا لمدة 15 دقيقة داخل حجرة المصعد، قبل أن يخلصنا عمال الصيانة من المأزق".
ويؤكد الباحث الاجتماعي رجاء التميمي، أن "أغلب العوائل بعد حادثة العبارة التي أودت بحياة العشرات من الضحايا، وما رافقها من تداعيات خطيرة، فقدت الثقة بأغلب مراكز الترفيه ومدن الألعاب التي ترتادها خلال المناسبات المختلفة".
فضيحة إدارة الجزيرة السياحية في الموصل أكدت سهولة منح إجازة استثمار لإنشاء مدينة ألعاب أو جزيرة سياحية بمواصفات رديئة دون المستوى المطلوب!
أضاف التميمي، خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "فضيحة إدارة الجزيرة السياحية في الموصل وإهمالها الكبير لإجراءات السلامة، مع الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة، يؤكد سهولة منح إجازة استثمار لإنشاء مدينة ألعاب، أو جزيرة سياحية بمواصفات رديئة وآلات دون المستوى المطلوب من الرصانة وإجراءات السلامة، خاصة وإن جميعها تسعى للربح المادي قبل كل شيء"، لافتًا إلى أن "غياب الرقابة يدفع لإهمال جانب السلامة تدريجيًا ومن ثم تجاهله تمامًا كما حدث في العبارة المنكوبة".
إجازة الاستثمار لا تعني إجازة "الاستهتار"!
أكدت لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان، عزمها اتخاذ إجراءات سريعة بشأن جميع المشاريع الاستثمارية الموجودة في البلاد، على خلفية الاستهتار المرعب بأرواح الناس وتسببه بغرق عبارة جزيرة الموصل السياحية بمحافظة نينوى.
وقال النائب عن اللجنة، عبدالله الخربيط، في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "اللجنة ستتخذ قرارًا سريعًا خلال الساعات المقبلة يتضمن توصيات صارمة إلى وزارة السياحة وهيئة الاستثمار لإعادة تدقيق جميع المشاريع الاستثمارية السياحية والتجارية الموجودة حاليًا في البلاد ومعرفة مدى سلامتها أو مناسبتها أمنيًا للمواطنين، وكذلك ضوابط منح الإجازات الاستثمارية".
أضاف الخربيط، أنه "بعد حادثة العبارة تفاجأنا بحجم الاستهتار المرعب بحياة الناس لدى إدارة الجزيرة السياحية في الموصل"، مضيفًا أن "صنع عبارة محليًا واستخدمها لنقل مئات الأشخاص بهذا الاستهتار دون رقيب أو حسيب، يشير إلى أنه بعد الحصول على إجازة الاستثمار كل يعمل كما يشاء، وهنا يجب التدقيق، لأن إجازة الاستثمار لا تعني إجازة استهتار".
وتابع عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، أن "الإجازة للاستثمار يجب أن تتم بشكل أصولي وقانوني، كما هو الحال بدوائر الدولة، مع رقابة المهندسين المقيمين من هيئة الاستثمار والأسكان والبلديات وإدارات المحافظات جميعها يجب أن تشرف وتتأكد من جميع المنشآت الاستثمارية وسلامتها ومتانتها وقدرتها على التعامل مع الحوادث المختلفة حال وقوعها".
وكان رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، قال بمؤتمره الأسبوعي في 26 آذار/مارس، إن "حادثة العبّارة في الموصل تكشف عن سلوك غير مسؤول للمستثمر، وابسط مستلزمات النجاة لم تكن موجودة في العبّارة، وهناك جشع ولا مبالاة".
نائب: صنع عبارة محليًا واستخدمها لنقل مئات الأشخاص بهذا الاستهتار دون رقيب أو حسيب، يشير إلى أنه بعد الحصول على إجازة الاستثمار كل يعمل كما يشاء ودون رقيب!
أضاف عبد المهدي، أنه "وجهنا بتفتيش عام على جميع المرافق والوسائط السياحية ولا نسمح بالاستهانة في شروط السلامة، ووجهنا توجيهات مشددة حول هذا الموضوع ولن نسمح بتكرار مثل هذه الأمور جراء الإهمال".
اقرأ/ي أيضًا:
العبّارة "تفضح" العصائب وتُغرق حكومة نينوى.. والعاكوب يتشبث بـ"طوق" السيستاني!
فاجعة الموصل.. عراقيون يتضامنون وسياسيون يتناحرون وصهاينة يطبّعون!