بعد جدل واسع وخلافات سياسية، جاءت الولادة العسيرة جدًا لموعد انتخابات مجالس المحافظات التي أثار تأخرها علامات استفهام كثيرة، ليكون تحديدها في 20 نيسان/أبريل 2020 هو القرار الأخير، بحسب ما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على لسان حازم الرديني عضو مجلس المفوضين.
حدّدت المفوضية العليا للانتخابات موعد انتخابات مجالس المحافظات في نيسان 2020 لكن الكثير من الناخبين لم يحدثوا بياناتهم إلى الآن، خاصة بالمحافظات الجنوبية
على ما يبدو، أنه اتفاق ربما سيكون نهائيًا بانتظار الحسم الأخير، فيما تتوجه الأنظار نحو عملية تصويت جديدة بدأت ملامحها بعزوف كبير عن تحديث بيانات الناخبين من قبل المواطنين خاصة بالمحافظات الجنوبية، فيما يرى مراقبون أن الهدف القادم سيشغل الأحزاب السياسية عن الخلافات الدائرة بينها حول التشكيلة الحكومية ناقصة العدد وتقسيم الدرجات الخاصة، كون "المغانم" في المحافظات هي تشكل نسبة الاهتمام الأكبر لدى الأحزاب بمختلف مسمياتها.
المحافظات الجنوبية.. أيقونة الأضراب!
مدن البصرة وكربلاء والنجف وبابل وذي قار والديوانية تعتبر مستقرة مقارنة بالمناطق الأخرى في الشمال والوسط والغرب، ولم تشهد منذ سنوات طويلة أي أنشطة إرهابية، لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن الفقر والبطالة وانعدام الخدمات وانهيار القطاع الصحي والتعليمي، وانتشار الجماعات المسلحة التابعة للأحزاب والجهات السياسية هو ما يخيم على تلك المناطق الغنية، في الوقت ذاته بالموارد الطبيعية، كالنفط والغاز، التي يعتمد عليها العراق كمصدر دخل وحيد له.
اقرأ/ي أيضًا: حرب "الدرجات الخاصة" وتقاسم المناصب.. الحنطة أبرز ضحاياها!
30 في المئة هي نسبة من قاموا بتحديث بياناتهم الانتخابية، بحسب تقارير محلية تابعها "ألترا عراق"، والمقصود بتحديث البيانات الانتخابية هو تسلم البطاقات الخاصة لمن يحق لهم الاقتراع، وشمول من بلغ 18 سنة من أفراد العائلة، وحذف المتوفي منهم وأيضًا تعديل عنوان السكن، ويعزو مراقبون ومواطنون عراقيون من أبناء مدن الجنوب ذلك إلى أسباب عدة، أبرزها عدم الشعور بوجود أمل في التغيير، بعد 6 عمليات انتخابية لمجالس المحافظات والبرلمان جرت وشاركوا فيها مسبقًا، مع تكرار الوعود الانتخابية في كل مرة، إضافة الى أن الوجوه والأحزاب هي نفسها تعاد أيضًا بلا تغيير.
تعديل قانون الانتخابات.. بين الواقع والدعوات
النائب عن تيار الحكمة حسن خلاطي، قال في تصريح صحافي، تابعه "ألترا عراق"، إن "التعديل الأول لقانون انتخابات مجالس المحافظات اثمر وجود توجه لتخفيض عمر المرشح من 30 إلى 25 عامًا، مؤكدًا أن "التعديل تضمن إضافة فقرة جديدة تعطي 30% من المقاعد في كل دائرة انتخابية للحاصلين على أعلى الأصوات بغض النظر عن قوائمهم الانتخابية سواء كانت فائزة أو خاسرة"، لافتًا إلى أن "اعتماد الفقرة الجديدة ستجعل نظام سانت ليغو بحاجة منطقية إلى رفع النسبة وقد تصل إلى 1،9".
أضاف خلاطي أن "القوائم الانتخابية ستكون مفتوحة وتبقى النسب كما معمول بها سابقًا من خلال وضع 25% كوتا النساء".
من جانبه، دعا رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي إلى إعادة النظر في بعض التعديلات الواردة بقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية، بما يضمن التمثيل العادل لكل الكيانات الصغيرة والكبيرة، واحترام إرادة الناخبين، مشيرًا إلى ضرورة حسم الجدل بشأن معادلة احتساب الأصوات ونسبة القاسم الانتخابي.
المعارضة "التقويمية" أو "البناءة" في البرلمان.. هل ستكون في مجالس المحافظات؟
مصطلح سياسي يظهر على الساحة السياسية العراقية بعد "التكنوقراط" الذي رافق حكومة حيدر العبادي السابقة، مبدأ تبناه وأعلنه رسميًا زعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم بالإضافة إلى تحالف النصر، فيما قامت الكتلة النيابية للتيار بإبلاغ رئيس البرلمان بكتاب رسمي تضمن أشعار المجلس بوجود "كتلة معارضة" داخل البيت التشريعي، راجية معاملتها على هذا الأساس.
أعلن تحالف سائرون عزمه استضافة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي إلى البرلمان لمعرفة تفاصيل تطبيق البرنامج الحكومي واستكمال الكابينة
فيما يبقى التلميح سيد الموقف بالنسبة لتحالف سائرون بزعامة الصدر وائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي، إذ أعلن تحالف سائرون عزمه استضافة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي إلى البرلمان لمعرفة تفاصيل تطبيق البرنامج الحكومي واستكمال الكابينة، فيما عبر النصر عن حرصه بأن لا تفهم "المعارضة" بأنها محاولة لإسقاط الحكومة.
اقرأ/ي أيضًا: عام على انتخابات 2018.. كيف أجهض حلم التغيير؟
بيانات الوعيد وإعلان إمكانية سلك طريق المعارضة "التقويمية" أو غيرها من الأشكال، يوضح احتمالية تطبيق هذه الخيارات وأكثر في الحكومات المحلية التي سترسم ملامحها انتخابات مجالس المحافظة في نيسان/أبريل 2020 القادم.
من المحدثين لبياناتهم.. ومن العازفين؟
مسؤول سياسي أكد لـ"ألترا عراق" إن "نسب تجاوب المواطنين مع تحديث بياناتهم الانتخابية، لإعداد قاعدة بيانات جديدة استعدادًا للانتخابات المحلية، هي الأدنى من نوعها منذ الاحتلال الأمريكي، مضيفًا أن "مدنًا كاملة لم تصل فيها نسبة التحديث لأكثر من 10 في المائة، وهؤلاء هم من أنصار الأحزاب التي باشرت منذ الآن حملاتها الانتخابية بصور وأشكال عدة".
أوضح المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته، أن "العزوف عن الانتخابات يجب أن يُفهم على أنه يأس أو احباط من الشارع العراقي ككل، وقد تصاب العملية الديمقراطية بعوق كبير بعد فعالية انتخابية أخرى أو اثنتين، في حال لم تأت بتغيير للعراقيين، كما أن العزوف يعني أيضًا بقاء الأحزاب الحالية مسيطرة بأعداد جماهيرها "في الانتخابات"، وهذا خطر أيضًا".
من جانبه أشار الناشط وعضو تنسيقية تظاهرات محافظة النجف جنوب العراق، أيهم آل حويش، في تصريح صحافي تابعه "ألترا عراق"، إن "الأحزاب الدينية قل حضورها في النجف ومدن جنوبية أخرى، وهي حالة شبيهة للأحزاب الإسلامية، أو ذات الصبغة الدينية والمذهبية في الغرب والشمال العراقي".
أضاف "هذا الأمر صار تحديدًا بعد حادثة سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش الإرهابي، مبينًا "تأكد لنا من خلالها أن هذه الأحزاب لا تستطيع حماية مصالح الشعب وأمنه واستقراره. كما أنها أثبتت فشلها بكل ما لديها من قوة، في عدم إمكانيتها التعامل مع الأجيال الشابة الحالية وتطلعاتها"، مستدركًا بالقول "لو أن هذه الأحزاب لم تقم بعمليات تزوير كبيرة خلال الانتخابات البرلمانية الماضية، لما تمكنت من تشكيل الحكومة الحالية".
بعد سقوط الموصل.. تأكد للشعب أن الأحزاب لا تستطيع حماية مصالحه وأمنه واستقراره. كما أثبتت فشلها في عدم إمكانيتها التعامل مع الأجيال الشابة وتطلعاتها
وبعد مضي 16 عامًا على مراودة أحلام العراقيين كابوس الانتخابات وجدلية المشاركة من عدمه، يقول المقاطعون إن رأينا في العزوف كان هو "الأصح"، بينما يقابلهم الذين شاركوا بأن مشاركتهم أيضًا كانت صحيحة لانتخاب غير الفاسد، فيما لا تزال المواضيع التي تشغل الشارع على حالها، تبدأ بالخدمات والاستقرار والوظائف والاقتصاد المتهالك، ولا تنتهي بسيطرة الأحزاب على الدولة وثرواتها ومؤسساتها وهويتها السياسية.
اقرأ/ي أيضًا:
أكثر من 6 أشهر على عهدة عبد المهدي.. مالذي تغيّر؟
بين "سائرون" و "الفتح".. القصة الكاملة لصفقة المناصب السيادية وغيرها!