عادت إلى الواجهة قضية سرقة معدات مصفى بيجي بإعلان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني استعادة جزء من المكائن والمضخات التي نهبت بعد عمليات تحرير البلدة في تشرين الأول/أكتوبر 2015، بعد سنوات من الصمت الرسمي وإنكار الحشد الشعبي أي صلات بالقضية.
اكتفى السوداني بإعلان استعادة مواد المصفى المنهوبة بتعاون من "مواطن غيور" دون أي تفاصيل عن الجهة المتورطة بالسرقة
وفي نيسان/أبريل 2019 قال مسؤول في محافظة صلاح الدين لـ "الترا عراق"، إنّ اثنين من الفصائل المسلحة هما المسؤولان عن تفكيك المصفى وتهريبه معداته شمالاً، هما "كتائب الإمام علي"، وحركة "عصائب أهل الحق"، التي يعد زعيمها قيس الخزعلي أحد أبرز أطراف الإطار التنسيقي الذي يقود الحكومة الراهنة.
كلّ الحكومات تعلم!
ورفضت حينها الجهات الرسمية في الحكومة ووزارة النفط إبداء أي تعليق حول الملف، لكنها كانت تعلم قبلها بسنتين موقع المعدات المنهوبة، وحاولت استعادتها عبر لجان "تورطت هي الأخرى بالفساد"، كما يقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي.
ويقدر المرسومي في حديث لـ "الترا عراق" قيمة المواد التي أعادها تاجر كردي إلى السلطات بنحو 300 مليون دولار، ويقول إنّ الجهات التي تقف حول سرقة المصفى "استغلت اعتبار معداته مدمرة إثر القصف والعمليات العسكرية الطاحنة التي شهدها المصفى".
ويوضح المرسومي، أنّ المعدات المنهوبة تفوق ما أعيد إلى الدولة والذي يقدر بـ "60 شاحنة"، حيث يعد المصفى أكبر منشأة نفطية عراقية بطاقة 310 آلاف برميل يوميًا.
وصية لم تتوقعها العصائب!
ويشير المرسومي، إلى أنّ هذه المعدات "لم تكن لتعود لولا وصية التاجر الكردي التي تركها لعائلته بعد وفاته، والتي أبلغهم فيها بضرورة إعادة المسروقات إلى الدولة، إذ تعثرت حياته منذ شرائها".
أعادت عائلة التاجر الكردي المعدات بناءً على وصية مكتوبة بخط يده حذرهم فيها من التصرف بالمسروقات أو السماح بتدخل "السماسرة"
وفي وقت سابق، كشف عضو لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب هيبت الحلبوسي، والذي قال إنّ استعادة المعدات جرى تحت إشرافه، عن جزء من وصية التاجر، التي حذرت العائلة من "التصرف بأي جزء من المواد"، كما حذرتهم ممن وصفهم بـ "السماسرة".
وبيّن الحلبوسي في تصريح، إنّ عائلة التاجر أعادت المواد المنهوبة دون أي مقابل، بل إنّها "تحملت كلفة نقلها أيضًا".
الباقي في إيران
وقاطع "الترا عراق" معلومات أطراف عدة على اطلاع أشارت جميعها إلى أنّ المعدات نقلت في عام 2017 على يد فصيل في الحشد، إلى أربيل والسليمانية ونينوى وكركوك، بهدف تهريبها إلى خارج البلاد.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد، إنّ "حكومة إقليم كردستان تعاونت وبشكل كبير لتسليم الحكومة الاتحادية معدات مصفى بيجي المسروقة منذ سنوات سيطرة داعش ومعارك التحرير، وهو ما أشارت إليه تصريحات رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ووزارة النفط".
ويضيف محمد في حديث لـ "الترا عراق"، إنّ "المعدات سرقها فصيل من فصائل الحشد الشعبي بعد تفكيكها بالكامل ونقلها ثم بيعها إلى عدة أشخاص في محافظات أربيل وكركوك ونينوى والسليمانية"، مبينًا أنّ "هناك أجزاء ومعدات أخرى بيعت إلى أشخاص وجهات في إيران منذ تلك الفترة".
ويؤكّد محمد أنّ المواد التي أعيدت "كانت في أربيل"، مشيرًا إلى أنّ "التاجر اشترى هذه المعدات دون علم السلطات في كردستان، وبشكل مباشر من فصيل مسلح".
كما أكّد أنّ "سلطات الاقليم تحفظت على المعدات المنهوبة بعد علمها بدخولها إلى أربيل، ومنعت بيعها أو استخدامها"، مشيرًا في ذات الوقت أنّ الحكومات السابقة "كانت على علم بهذه التفاصيل، وفق معلومات قدمتها حكومة كردستان".
ويقول القيادي في البارتي، إنّ "التاجر الكردي، الذي توفي خلال الفترة الماضية واسمه محفوظ لدى سلطات الإقليم، دفع 100 مليون دولار إلى الفصيل المتورط بالسرقة، لكن شقيقه نفذ وصيته بتسليم المعدات إلى الحكومة الاتحادية دون المطالبة بأي تعويضات بدافع عقائدي وديني".
يقول قيادي في حزب بارزاني إنّ حكومة كردستان لم تعلم بالصفقة بين الفصيل المسلح والتاجر الكردي
ويعتقد محمد أنّ الدافع الأساس وراء سرقة المصفى الأكبر في البلاد، كان "عرقلة إجراءات تشغيل المصفى لأطول فترة ممكنة لضمان استمرار استيراد الغاز والمشتقات النفطية من إيران".
بدوره، اتهم السياسي المقرب من الحزب الديمقراطي عماد باجلان، حركة "عصائب أهل الحق" صراحة بالمسؤولية عن سرقة مصفى بيجي.
الصمت مجددًا.. لا تحقيق
وقال باجلان، إنّ رئيس الحكومة "ترك الأمور مبهمة بإعلان مقتضب عن استعادة المعدات المنهوبة"، مشيرًا إلى أنّ "الحركة حاولت تهريب معدات المصفى إلى إيران، عبر 100 شاحنة عن طريق محافظة السليمانية، لكنهم فشلوا حين تدخل التحالف الدولي وهدد بقصف الشاحنات".
وأضاف، أنّ "المعدات بقيت منذ ذلك الحين في إقليم كردستان، وقد طالب رئيس الحكومة حينها حيدر العبادي زعماء الحركة بإعادة المعدات، لكنهم طلبوا مبالغ طائلة مقابل ذلك".
ومطلع عام 2019 اتهمت شخصيات على صلة بتار الحكمة، حركة العصائب بسرقة مصفى بيجي، قبل أنّ يعود زعيم التيار عمار الحكيم إلى التحالف مع الحركة المسلحة الموالية للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ضمن الإطار التنسيقي.
لم تعلن الحكومة فتح تحقيق في القضية على الرغم من تواتر الاتهامات الموجهة إلى حركة العصائب وبعض أطراف الحشد الشعبي
ومع بلوغ الأزمة ذروتها بين أطراف الإطار الشيعية والتيار الصدري في آب/أغسطس 2022، كتب وزير زعيم التيار "صالح العراقي"، بيانًا شديد اللهجة اتهم فيها حركة العصائب بنهب المصفى صراحةً، لكن الحكومة لم تتخذ أي إجراء بشأن الملف حتى اليوم، ولم تعلن فتح تحقيق على الأقل.
وكان من المفترض أن يعود مصفى بيجي للعمل بالطاقة القصوى خلال هذا العام، وفق حديث لوزير النفط السابق إحسان عبد الجبار، الذي قال في آب/أغسطس 2020، إنّ حكومة مصطفى الكاظمي وضعت "خطة متكاملة لإنجاز المنشأة بالكامل"، لكن ذلك لم يتحقق، فيما قال السوداني في تصريحاته الأخيرة إلى أنّ استعادة المعدات المنهوبة "سيسرع إجراءات تشغيل المصفى".