04-يوليو-2019

يجب استحصال الموافقات الأمنية قبل التظاهر لكن افتعال نزاع عشائري لا يحتاج لذلك! (Getty)

الترا عراق - فريق التحرير

لم تكن سقطة لسان، بل "تبجح" بالتهديد ووعيد علني بقمع الحريات وإخماد صوت المحتجين ومن يحاول إيصاله، فالقوات الأمنية "قادرة على الضرب بيد من حديد" على رؤس الناشطين والإعلاميين والمدنيين الذين ينادون بالدولة ويؤمنون بالقانون في مختلف مناطق البلاد، لكنها "عاجزة" عن النطق ببيان رسمي أمام فوهات أسلحة العشائر والميليشيات.

أثار تهديد علني باعتقال الإعلاميين صدر عن قائد عمليات البصرة غضبًا كبيرًا وسخرية من "تغول" السلطات الأمنية على المدنيين و"عجزها" أمام الميليشيات والعشائر

هكذا ترجمت ردود فعل غاضبة، تهديد قائد عمليات البصرة الفريق الركن قاسم نزال، الذي لم تحرجه عدسات كاميرات الإعلاميين ولم تثنه عن تهديدهم وجهًا لوجه حين حذرهم من نقل تظاهرات المدينة المنكوبة قائلًا: "التوقيف موجود". لكن انتشار التهديد والتفاعل معه عبر السوشيال ميديا أحرج السلطات الأمنية التي كانت تحاول جاهدة التزام الصمت عن "انتهاك الدولة في بغداد"، حين أحرق سلاح العشائر منزل أحد كبار رجال الدولة وقتلوا نجله ونجل شقيقه.

اقرأ/ي أيضًا: "الميليشيات" تصنع "الرعب" في البصرة.. اختطاف النشطاء وتخريب البيوت وضرب النساء

كان نزال يتحدث في مقطعه المصور عن ضرورة تحصيل الموافقات الرسمية قبل التظاهر في أي مكان من البصرة، فالاحتجاج على سوء الخدمات والفساد والروتين والبطالة في ظل "العراق الديمقراطي يتطلب إذنًا، لكن إذا أردت بدأ نزاع عشائري فلن تضطر لذلك ولن يجرؤ أحد على اعتراض سبيلك أو التدخل حتى لو استخدمت الأسلحة الثقيلة والقنابل والطائرات المسيرة وقتلت الرجال وسبيت النساء"، على حد تعبير ناشط بصري طلب عدم ذكر اسمه.

وأثار التصريح حفيظة نقابة الصحافيين في البصرة ولجنة الثقافة والإعلام في البرلمان، حيث قالت الأولى في بيان لها، إنها "تستغرب وترفض ما جاء في تصريح قائد عمليات البصرة حول توقيف وسجن الإعلامي والصحافي الذي يحضر لتغطية التظاهرات، وتعدّ هذا التصريح انتهاكًا للحريات الصحافية، وخرقًا واضحًا لمواثيق العمل الإعلامي الشفاف الذي أقرته اللوائح والمنظمات الدولية، وأكد عليه قانون حقوق الصحافيين الذي أقره البرلمان العراقي قبل ثماني سنوات"، داعية قيادة العمليات إلى "إعادة النظر بموقفها هذا، والعمل على احترام العمل الصحافي وعدم التضييق على الحريات لتداول المعلومة ونقل الحدث بكل أشكاله وصوره.

من جانبها قالت لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار النيابية في بيان لها، إن تصريح قائد العمليات "لاينم عن الشعور بالمسؤولية ويدل على عدم الدراية بمواد الدستور الذي يرسم السياسة العامة للبلد"، وفيما حذرت من المساس بالإعلاميين والصحافيين، طالبت القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي بـ "اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق قائد عمليات البصرة ومحاسبته لضمان عدم تكرارها مستقبلًا من قبل أي مسؤول عسكري أو مدني".

طالبت جهات برلمانية وحقوقية بمحاسبة قائد عمليات البصرة وحماية الصحافيين والإعلاميين مقابل محاولات لامتصاص الغضب من قبل الجهات الأمنية

وفي الوقت الذي أطلق فيه صحفيو البصرة التي بدأت موجة جديدة من الاحتجاجات وسمًا على صفحات التواصل الاجتماعي والحسابات الشخصية في فيسبوك تحت عنوان "#الاعلام_لا_يقمع"، صدرت عدة بيانات من الجهات الأمنية حاولت امتصاص ردود الفعل الغاضبة التي أثارها تصريح نزال، والذي جاء بعد أيام من اعتداء قوات أمنية على فرق إعلامية كانت تغطي التظاهرات في البصرة.

حيث قالت قيادة العمليات المشتركة إنها "تكن كل الاحترام والتقدير للإعلاميين والمؤسسات التي يعملون بها وفق الصلاحيات الدستورية والقانونية، وتوصي جميع القادة العسكريين بالابتعاد عن التصريحات الإعلامية المتسرعة وتقديم الدعم لوسائل الإعلام"، مؤكدة أن "دور الإعلام مهم ومسؤول في العراق الجديد وأن بإمكان جميع وسائل الإعلام التنسيق مع خلية الإعلام الأمني في قيادة العمليات المشتركة كونها الجهة الوحيدة الرسمية المخولة بالتنسيق مع وسائل الإعلام وتسهيل مهام عملهم في مختلف محافظات البلاد".

فيما أصدرت قيادة عمليات البصرة، "توضيحا بشأن  تصريح قائدها قالت فيه إنها تلقت الفيديو الذي يضم تصريح قائد عمليات البصرة، الفريق الركن قاسم جاسم نزال"، مؤكدة "تقدير الدور الكبير والجهادي لوسائل الإعلام، التي كانت جنبًا إلى جنب مع أبناء القوات المسلحة في ساحات القتال، وعند مواجهة العدو من العصابات الإرهابية"، مضيفة "كذلك لا ننسى شهداء الإعلام ودمائهم التي اختلطت بدماء الضباط والجنود في معارك التحرير".

اقرأ/ي أيضًا: "التخريب" حجة لتصفية ناشطي تظاهرات البصرة

لكن قائد العمليات ذاته لم يتراجع عن موقفه حين قال في حديث صحافي تعليقًا على تصريحه المثير للجدل، إن " كلامه عن اعتقال الصحافيين الذين يخرجون لتغطية التظاهرات كان عن فئة منهم، تتضمن الذين يرغبون بالحصول على السبق الإعلامي فقط دون مراعاة باقي الأمور، وليس عن الجميع"، مضيفًا "نحن نعمل ضمن السياقات القانونية، ومن يريد التظاهر عليه الحصول على الموافقات الرسمية من اللجنة الأمنية، والقوات الأمنية في البصرة، التي ستحمي هذه التظاهرات، وستكون عونًا لها، وأيضًا ستوفر لها الحماية، كما أننا مع مطالب المتظاهرين المشروعة والحقيقية".

كما أكد، أن "القوات الأمنية هي التي تساعد الصحافيين وتوفر لهم الأمن كي ينقلوا صورة حقيقية عن التظاهرات لا العكس، موضحًا بالقول: "نحن نريد أن يصل للعالم مدى التحضر في التظاهر السلمي المشروع وليس صورة عكسية عنه كما يفعل البعض"، فيما أشار إلى أن "التظاهر حق مشروع لكل أبناء الشعب العراقي، بمن فيهم أهل البصرة، كما أن الخروج والمطالبة بالحقوق أمر صحي وديمقراطي، على ألا يتضمن تخريبًا وتدميرًا للبنى التحتية، أو تعطيلًا لمصالح المواطنين".

قبل أن يحاول تدارك الموقف بتأكيده أنه "كان يلاطف الصحافيين حين هدد باعتقالهم"، مبينًا أن "التصريح باعتقال من يغطي التظاهرات غير المرخصة لم يكن رسميًا، وصدر لمجاملة الصحافيين".

كانت قيادة عمليات البصرة، أكدت السبت 29 حزيران/يونيو، ضرورة استحصالها موافقات بخصوص التظاهرات التي تشهدها المحافظة، وتقديم طلب رسمي عن طريق مكتب المحافظ باعتباره رئيس اللجنة الأمنية العليا في محافظة، محذرة بالوقت ذاته من وجود مندسين.

لم يتراجع قائد العمليات عن تهديده للصحافيين والإعلاميين مكتفيًا بالقول إنه لم يكن "يقصد جميع الإعلاميين"!

وتخشى السلطات من الاحتجاجات التي تولد كل صيف في البصرة، بعد موسم أخير تصاعد فيه الغضب الشعبي على نقص الخدمات وسوء الإدارة والفساد إلى مديات غير مسبوقة انتهت إلى صدامات وأعمال شغب وحرق لمؤسسات الدولة ومقار الأحزاب والقنصلية الإيرانية في البصرة، وهو ما ردت عليه الأجهزة الأمنية و"ميليشيات" بقمع المتظاهرين وتصفية عدد منهم وشن حملة اعتقالات ضد ناشطين.

ودفعت الضجة الكبيرة التي أثارها قائد عمليات البصرة وزير الدفاع نجاح الشمري، إلى إصدار أمر يمنع بموجبه الضباط من الإدلاء بأي تصريح لوسائل الإعلام باستثناء المتحدث الرسمي باسم الوزارة وإلغاء "الحسابات العسكرية"، على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

استمرار اغتيال الناشطين في البصرة.. خوف السلطة من تقصيرها

اغتيالات البصرة.. اسأل "باسيج" الحشد الشعبي!