يجلس عدد من المراهقين في (كوفي شوب) شمالي العاصمة العراقية بغداد لتدخين النرجيلة التي دخلت حياتهم مبكرًا، غير آبهين للأضرار التي قد تلحق بهم نتيجة تدخينها. أحمد طفل في السادسة عشرة من عمره، يأتي كل يوم مع مجموعة من أصدقائه الذين يصغرونه سنًا وصديقين آخرين يكبرونه بعامين للجلوس ساعات طويلة في المقهى القريب من بيتهم بمدينة الحرية. وعندما يطلبون النرجيلة لديهم مواصفات خاصة، وفي بعض الأحيان يطلبون تجهيزها بأنفسهم.
انتشرت النرجيلة في السنوات الأخيرة بشكل كبير في العراق، وانتشرت كذلك المقاهي الشعبية التي تقدمها، كما أن بيع النراجيل وملحقاتها في أماكن خاصة يلفت الأنظار، وربما تكون بشكل عشوائي دون وجود رقابة من وزارتي الصحة والبيئة.
انتشرت النرجيلة في السنوات الأخيرة بشكل كبير في العراق وانتشرت كذلك المقاهي الشعبية التي تقدمها
وتنحسر هذه الظاهرة عند الذكور فقط، لأن النرجيلة لم تنتشر بشكل كبير وفي الأماكن العامة عند النساء، رغم وجود مكانين أو ثلاثة في العاصمة بغداد لكنهن بعيدات عن الأجواء الرافضة لتناول المرأة لها. أحمد الذي طلب أن لا يُنشر اسمه الكامل، يقول لـ"ألترا صوت" إن "الأرجيلة أصبحت منذ عامين تقريبًا جزءًا من يومياتي، فأنا أذهب إلى "الكوفي" عصر كل يوم لتناولها، وبعض الأحيان أقوم أنا بإعدادها لأني أجيد تركيبتها ربما أفضل من غيري".
ويضيف رغم النصائح لا أفكر بتركها، وأصرف يوميًا ما يقارب الأربعة دولارات لقضاء الوقت في المقهى وتناول الأرجيلة، وأتمنى لو كان عمري يسمح لي لاشتريت واحدة في البيت وقمت بتناولها بأي وقت أريد. ليس هذا الطفل وحده يتناول النرجيلة بالسر وبعيدًا عن أعين ذويه، بل هناك المئات مثله لكنهم لم يمنحوا الرافضين من ذويهم والمقربين منهم فرصة محاسبتهم لأنهم دائماً ما يجلسون في أماكن ومقاهٍ بعيدة عنهم.
وأعمار المراهقين المدخنين للنرجيلة تنحسر بين عمري الثالثة عشر إلى السابعة عشر عامًا، حيث تكثر هذه الظاهرة في المناطق الشعبية في بغداد والتي تكثر فيها المقاهي ذات الكلفة الأقل، وكذلك بين المراهقين الذين يعملون في الأحياء الصناعية.
من جهته يقول الدكتور حارث سهيل، لـ"ألترا صوت" إن "ظاهرة التدخين لدى من هم دون الثامنة عشرة من العمر تتسع بشكل أكبر لكن وبحسب مسح بسيط أجريته لاحظت ارتفاع نسبة تدخين السجائر بين المراهقين أكثر من النرجيلة لاعتبارات تتعلق بسهولة الوصول إليها أو حتى التفاخر بها أمام الآخرين، والذكور هم الأكثر تدخينًا بحسب مسح أجريته شخصيًا".
ويضيف أن "للنرجيلة الخطر الأكبر على هؤلاء المراهقين لما لها من تأثير يفوق تأثير السيجارة، لأنها تقف في سلم الأولويات للمعنيين خصوصًا إذا ما أدركنا بأن قرابة الخمسة وثمانين بالمائة من المدمنين على التدخين بشقيه السجائري والنرجيلي كانو قد ابتدأوا مشوارهم قبل سن البلوغ، مما يدلل على أن هناك ارتباط وثيق بين البدايات والنتائج وهو ما يعطي انطباعًا عن خطورة الموضوع وآثاره الوخيمة على الفرد والمجتمع".
ويشير الدكتور سهيل إلى أنه "صادف مراهقين بعمر السادسة عشر والسابعة عشر يدخنون النرجيلة لكنهم يعادلون ثلث أو ربما أقل من عدد مدخني السجائر، وهذه الظاهرة خطرة عليهم وقد يصابون بأمراض الرئة وسرطان القلب في المستقبل، خاصة وأن هناك حالات مرضية كثيرة نتجت عن تدخين النرجيلة وتأثرت رئة المدخنين من المراهقين بإصابات قد تكون خطيرة".
اقرأ/ي أيضًا: في بغداد.. الموتى أكثر من الشوارع
إلى ذلك يقول الباحث الاجتماعي واثق صادق لـ"ألترا صوت" إن "ظاهرة تعاطي المراهقين العراقيين من كلا الجنسين للنرجيلة ترتبط بمجموعة من الأسباب الاجتماعية والنفسية والثقافية، أولها ضعف عوامل الضبط الاجتماعي وفي مقدمتها الضبط الذي يمارسه المجتمع عبر الأسرة، وانعدام الرقابة والمتابعة والنصح، وهذا مرتبط بالظروف السيئة التي يمر بها المجتمع العراقي عمومًا".
ويضيف أن "فقدان عامل التوعية والتثقيف من قبل الأسرة ومؤسسات المجتمع عمومًا ممكن أن يقود إلى شيوع العديد من الظواهر السلبية اجتماعيًا وصحيًا ومنها ظاهرة النرجيلة، ومن الجانب النفسي، يلعب الفراغ دورًا كبيرًا في هدر أوقات الشباب في المقاهي وقاعات الترفيه، وهي المكان الآخر بعد البيت الذي يمكن أن يلتقط منه المراهق السلوكيات السلبية، بحكم ميلهم إلى تقليد الآخرين".
المراهقون يتأثرون بوالديهما إن كانا مدخنين أو لا فإذا كان الأبوان مدخنين فالتأثر يكون كبيرًا
ويشير صادق إلى أن "المراهقين يتأثرون بوالديهما إن كانا مدخنين أو لا، فإذا كان الأبوان مدخنين فالتأثر يكون في مجال التقليد والتماهي مع صورتهم، وإذا كانا من غير المدخنين ويضغطون باتجاه الابتعاد عن التدخين بطريقة مرفوضة وغير صحيحة ممكن أن يدفع هذا المراهق إلى تجريب الممنوع".
وفي الأعياد والمناسبات العامة في العراق يندفع بعض هؤلاء المراهقين إلى استثمار وقتهم وانشغال أهليهم بتفاصيل أخرى والذهاب إلى الكوفي شوب أو الحدائق العامة.. لتناول النرجيلة!
اقرأ/ي أيضًا: بغداد تتشح بالسواد