منذ فترة ليست قصيرة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي يتداولون الصورة بعد الأخرى عن انحسار المياه في نهر دجلة، حتى وصلت إلى أن يظهر مقطع مصور لشاب وهو يركض وسط النهر الذي له ارتباطات تاريخية وثقافية كبيرة في العراق، فضلًا عن ارتباطه بعيش الناس وزراعتهم في البلاد، إذ يعاني العراق من أزمة جفاف تنذر بكارثة إنسانية على المدى القريب عقب جفاف بحيرات كبيرة، كساوة وحمرين، بالإضافة إلى تراجع المياه في عموم المحافظات.
يرى وزير الموارد المائية الأسبق حسن الجنابي أنّ التغير المناخي ليس له علاقة بالجفاف الذي يحصل في البلاد
وفي ظل هذه الأزمة، كشفت أرقام رسمية عن اجتياح التصحر العراق بنسبة 39% من الأراضي، كما تهدد زيادة ملوحة التربة القطاعَ الزراعي 54 بالمئة من الأراضي المزروعة عقب قلة الأمطار والجفاف الذي بدأ يظهر تدريجيًا بأماكن مختلفة.
من يتحمل المسؤولية؟
ويرى مختصون أنّ الوضع المائي في العراق يشهد صعوبة بالفعل ليست سهلة، لكنه في ذات الوقت ليس ميؤوسًا منه حسب تصريحات الكوادر المختصة في وزارة الموارد المائية.
وبحسب وزير الموارد المائية الأسبق، حسن الجنابي، فإنّ
القضاء على الجفاف والتصحر في العراق مرتبطة بالعديد من الأمور كـ"تقلبات الجو، والأمطار وغيرها من العوامل التي يجب العمل على حلها أولًا".ويعاني العراق من مشكلة رئيسية يشخصها الجنابي، وتكمن في الزراعة، حيث أنّ "المنتجات الزراعية في البلاد إروائية وتحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وبالتالي هذا يسبب تحدي آخر أمام الحكومات".
وعن الجهات التي تتحمل مسؤولية ما يحدث في العراق من جفاف، يرى الوزير الأسبق في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "التغير المناخي ليس له علاقة بالجفاف الذي يحصل في البلاد، كون التغير في الطقس غير مسؤول عن تلوث الأنهر أو انخفاض المياه في البلاد".
وتابع الجنابي قائلاً إنّ "الجهات التي تقف وراء الإجراءات التنفيذية والتخزينية والتشغيلية في العراق أو دول المنبع هي المسؤولة عن انخفاض منسوب المياه والجفاف الذي بدأ يضرب البلاد خلال الفترة الماضية".
جفاف بحيرة حمرين
عقب جفاف بحيرة ساوة في المثنى الشهر الماضي، تحولت بحيرة حمرين هي أيضًا إلى صحراء قاحلة، حيث قال مدير ناحية السعدية التابعة لقضاء خانقين ضمن محافظة ديالى أحمد الزركوشي، "لا وجود لبحيرة حمرين الآن على أرض الواقع".
وفي حديث لـ "ألترا عراق"، أشار الزركوشي إلى أنّ "نهر ديالى من جانبه بات يعاني كباقي الأنهر في العراق من تراجع حاد في المياه"، محذرًا في الوقت نفسه من دخول المحافظة بـ"جفاف كامل".
وبحسب التقديرات الرسمية، فإنّ الخزين المائي لبحيرة حمرين في محافظة ديالى كان بنحو ملياري و400 مليون لتر مكعب من المياه.
والمتضرر الأكبر من جفاف هذه البحيرة هي مناطق جنوب السعدية كـ(المقدادية وقضاء بعقوبة وقضاء بلدروز)، مطالبًا في الوقت نفسه إيران بـ"إطلاق التدفقات المائية إلى العراق".
اختفت بحيرة حمرين في ديالى من الوجود بسبب توقف الإطلاقات المائية من إيران
وأطلقت الحكومة حراكًا دبلوماسيًا واسعًا مع أنقرة وطهران للتباحث بشأن ملف الأزمة المائية، في حين لم تتوصل المباحثات إلى أي شي يذكر واستمرت الأزمة بالتفاقم خلال الفترة القليلة الماضية.
تطمين حكومي للأزمة
وقللت وزارة الموارد المائية الإطلاقات المائية من السدود والخزانات نظرًا لقلّة الحاجة الفعلية لها، وبعد انتهاء الموسم الزراعي الشتوي، وفقًا للمتحدث باسم وزارة الموارد المائية علي راضي.
واكتفت وزارة الموارد ـ والكلام لراضي ـ بإطلاق دفعات المياه التي تلبي الاحتياجات الرئيسة والتي منها مياه الشرب وبعض الخضار والمحاصيل الزراعية ذات الاستهلاك القليل.
وعن مفاوضات العراق مع دول المنبع، يقول راضي لـ"ألترا عراق"، إنّ "الوزارة تترقب زيارة مبعوث الرئيس التركي إلى العراق فيصل أوغلو، لاستكمال المباحثات بهذا الشأن".
وحول السدود المزمع إجراؤها في كردستان، أوضح أنّ "كردستان اتفقت مع شركة صينية على إنشاء 4 سدود جديدة في الإقليم"، مبينًا أنّ "3 من هذه السدود موجودة ضمن الدراسة الإستراتيجية للوزارة الخاصة بتوليد الطاقة، لكن الإقليم يسعى إلى استعمالها في مجال تخزين المياه".
لكنّ راضي رأى أنّ
بناء هذه السدود الخاصة لتخزين المياه ستكون له "آثار سلبية كبيرة على المياه في العراق، خصوصًا تغذية الأنهر، وتحديدًا نهر دجلة".ينتظر العراق زيارة مبعوث الرئيس التركي فيصل أوغلو لاستكمال المباحثات بشأن المياه
وعلى مدار الأشهر الماضية، تراجعت كميات المياه المتدفقة إلى نهري دجلة والفرات والمئات من فروعها، عقب خفض الإطلاقات المائية من قبل إيران وتركيا، في وقت أجبرت وزارة الزراعة على تقليص الموسم الزراعي إلى النصف.
وبحسب إحصائيات تداولتها وسائل إعلام فإنّ معدلات إيرادات نهري دجلة والفرات تراجعت بنحو 50% عن معدلاتها الطبيعية، مما تسبب بخروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية المنتجة من الخدمة.أزمة في بغداد
ولم يسلم نهر دجلة في العاصمة بغداد، من الأزمة حيث كان له نصيب منها، إذ تفاعل ناشطون ومدونون مع مقطع فيديو تداول على مواقع التواصل الاجتماعي لشاب يعبر نهر دجلة راكضًا من دون أن تغمره المياه، ما يعكس الجفاف غير المسبوق في النهر.
وبحسب الفيديو، فقد ظهر الشاب وهو يركض عند مروره بين جسري الجمهورية والأحرار في بغداد، وهي منطقة كانت مستويات المياه فيها عميقة ومرتفعة جدًا.
وخرجت الحكومة العراقية، العام الماضي، بإعلان رسمي بشأن قطع الحكومة الإيرانية المياه بشكل تام، ملوحة باللجوء إلى المجتمع الدولي في حال استمرار أزمة المياه، ما دفع وزير الموارد المائية، مهدي رشيد الحمداني، إلى الخروج بمؤتمر صحافي عاجل قال فيه إنّ "إيران لم تبادر لتقاسم الضرر المائي مع العراق".
وأضاف رشيد، أنّ "طهران قامت بتحويل مجرى الأنهر داخل أراضيها وحرمت مجتمعات عراقية كاملة من الحصول على المياه"، مؤكدًا أنّ "العراق يمر بشحة للمياه للموسم الثالث على التوالي، وتلك الشحة لها تداعياتها، منها انخفاض مناسيب الخزين المائي، خاصة مع عدم تكون أمطار في حوضي دجلة والفرات".
أسباب الأزمة
وتحتاج الزراعة في العراق إلى 25 مليار متر مكعب من المياه، وفقًا للخبير في الشؤون المائية والزراعية، عادل المختار، الذي يقول إنه
"حسب تصريحات وزارة الموارد المائية فإنّ الخزين المائي انخفض 50% هذا الموسم مما يعني أن الخزين المائي العام الجاري 20 مليارًا والعام الماضي 40 مليارًا استخدم منه 20 مليار متر مكعب للزراعة".تعترف الحكومة العراقية بأنّ طهران قامت بتحويل مجرى الأنهر داخل أراضيها وحرمت مجتمعات عراقية كاملة من الحصول على المياه
وخلال حديث لـ "ألترا عراق"، أوضح الخبير العراقي، أنّ "استخدام هكذا مقدار من الخزين المائي على الزراعة يعد خطأ لا يغتفر للحكومة"، مبينًا أنّ "العراق يستخدم وسائل ري للزراعة بنظام قديم ويحرم كميات كبيرة من المياه"، لافتًا إلى أنه "في حال كان الشتاء المقبل جافًا فسيكون العراق بموقف لا يحسد عليه وسيكون في مرحلة جفاف حقيقي".