ألترا عراق ـ فريق التحرير
تكثّفت الهجمات الصاروخية التي تحمل بصمات إيرانية خلال الفترة الماضية على قطّاع الطاقة في إقليم كردستان، مرّة بهجوم إيراني صريح، وأخرى بـ"الوكالة" من داخل الأراضي العراقية، وهي هجمات قُرأت لها العديد من الرسائل السياسية والاقتصادية.
إنتاج الإقليم من الغاز حاليًا يعادل ما يقارب نصف ما يستورده العراق من إيران
واستهدفت 6 صواريخ مساء الأحد انطلقت من محافظة نينوى، مصفى "كار" في محافظة أربيل، وذلك بعد أقل من 50 يومًا من تبني الحرس الثوري الإيراني هجومًا بـ12 صاروخًا باليستيًا، طال منزل المدير التنفيذي لشركة "كار" باز البرزنجي، في حين ادّعى الحرس الثوري أنّ المبنى المقصوف هو "مقر يستخدم للتجسس الإسرائيلي"، الأمر الذي نفته تقارير اللجنة التحقيقية العراقية الاتحادية.
وبينما ذهب محلّلون إلى عدّة رسائل وراء هذه الهجمات من بينها سياسيّة تتمثل بالضغط على الحزب الديمقراطي الكردستاني للتخلي عن "تمسكه" بالائتلاف مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وإبعاد الكتل المقربة من إيران من التشكيلة الحكومية المقبلة، أرجع خبراء إلى الأبعاد الاقتصادية للمسألة، وهي تتمثل بمخاوف إيران من التحرّكات الكرديّة ولا سيما شركة "كار" في الدخول لمضمار تصدير الغاز إلى أوروبا، وبالتالي منافسة الجانب الإيراني بسوق الطاقة وتحديدًا مجال الغاز.
ويعدّ الحديث عن المساعي الكرديّة لتصدير الغاز، أمرًا بالغ الأهميّة للجانب العراقي وقد يفوق مسألة المنافسة الإيرانيّة، فبينما تدور هذه الأحاديث، يجري العراق مفاوضات مع الجانب الإيراني على أمل إقناعه بإعادة ضخ الغاز الذي يكلف العراق قرابة 3 مليار دولار سنويًا، وهو مسؤول عن تشغيل نحو 30% من الطاقة الإنتاجية الكهربائية للعراق.
وفي نيسان/أبريل الماضي وخلال زيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني إلى بريطانيا، تضمن بيان الزيارة والصادر من الجانب البريطاني، أنّ "رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بحث مع رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني تصدير الطاقة إلى أوروبا لتقليل اعتمادها على النفط والغاز من روسيا"، وقبل ذلك بشهر قال بارزاني خلال كلمة له في مؤتمر الطاقة العالمي المقام في الإمارات: "سنصبح مصدرًا للغاز إلى بقية العراق وتركيا وأوروبا في المستقبل القريب، وسنساعد في تلبية احتياجاتهم من أمن الطاقة، ولدينا بالفعل قدرة نفطية تصديرية، تعمل كشريان حياة اقتصادي أساسي لنا ومورد محتمل حيوي لشركائنا".
غاز الإقليم يخطو لسد نحو 60% من الغاز الإيراني
ومن هنا تُطرح تساؤلات عن حجم ما ينتجه الإقليم من الغاز، وقيمته بالنسبة لأوروبا والعراق، حيث وصل إنتاج الاقليم من الغاز العام الماضي إلى 452 مليون قدم مكعب، فيما من المرجح أن يرتفع إلى 700 مليون قدم مكعب في نيسان/أبريل 2023.
وتمثّل هذه الكمية أكثر من 40% مما يستورده العراق من إيران، فيما لا تمثل سوى 19% من حاجة بريطانيا اليومية للغاز، فيما تخطط "دانة غاز ونفط الهلال" لإطلاق مشروع "خورمور 500" من خلال إضافة خط ثان ورفع إنتاج الغاز ليقارب المليار قدم مكعب يوميًا، وهو ما يسد قرابة 60% مما يستورده العراق من إيران.
وتشير الدراسات إلى إمكانية بلوغ إنتاج إقليم كردستان 40 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا بحلول عام 2035، وهو ضعف ما يستورده العراق من إيران.
ومن الملاحظ، أنّ عمليات القصف لمنشآت الغاز الكرديّة، تأتي بالتزامن مع المحادثات العراقية مع إيران لإعادة إطلاق الغاز لتشغيل المحطات الكهربائية، ما يجعل المخاوف الإيرانية من منافسة غاز الإقليم في السوق العراقي، أكثر منطقيّة من المخاوف الإيرانية على منافستها في السوق الأوروبي، خصوصًا مع معرفة أنّ إنتاج الإقليم حاليًا يعادل ما يقارب نصف ما يستورده العراق من إيران.
غاز الجنوب "ممنوع" من الجمع
وربما يعد العقد مع شركة توتال الفرنسية، أحد اهم العقود للاستثمار الغاز المصاحب بدلًا من حرقه التي أبرمتها وزارة النفط أواخر العام الماضي، حيث يتضمن العقد استثمار 600 مليون قدم مكعب قياسي في حقل أرطاوي، وهي كمية تمثل قرابة 50% مما يحرقه العراق من الغاز، وتعادل 35% مما يستورده العراق من ايران.
إلا أنّ هذا العقد الذي بقيمة 27 مليار دولار تم تعليقه وتوقف العمل به فجأة، بحسبما كشفت تقارير عالمية، التي تحدثت عن أن وزارة النفط لم تتوصل إلى اتفاق بشأن التفاصيل المالية للصفقة مع جميع الإدارات الحكومية التي كانت بحاجة إلى الموافقة عليها، حسبما أفادت ثلاثة مصادر في وزارة النفط العراقية ومصادر صناعية مشاركة أو مطلعة على المفاوضات لـ"رويترز"، وكذلك أنها "غارقة في الخلافات منذ ذلك الحين".
ويأتي هذا الأمر كمثال على "التعثر الدائم" لأي صفقات ومشاريع تصب باتجاه إيقاف حرق الغاز في جنوب العراق، والذي سيؤدي بالنهاية إلى حرمان إيران من قرابة 3 مليار دولار سنويًا.
ومؤخرًا، تصدّر شرط "مراجعة جميع العقود في حكومة تسيير الأعمال اليومية"، قائمة التعهدات في المبادرة الأخيرة التي طرحها الإطار التنسيقي لحل الأزمة السياسية القائمة، ويأتي هذا الأمر في سياق الهجمات المستمرة التي تتعرض لها عقود المشاريع الجديدة ولا سيما في القطاع النفطي من قبل الكتل السياسية المقربة من إيران.
مصدر خطر
ويرى الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي أن إقليم كردستان يمتلك إمكانيات غازية وموقعًا هامًا قد يجعله مصدر خطر للجانب الإيراني.
ويقول المرسومي في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "إقليم كردستان تتميز بأهمية جيوستراتيجية بالنسبة للغاز، فضلًا عن الإمكانيات الغازية والاحتياطات الكبيرة التي تتراوح بحدود 45 تريليون قدم مكعب حسب التقديرات، وممكن أن ترتفع كما تقول وزارة الثروات الموارد الطبيعية في الإقليم إلى 200 تريليون قدم مكعب".
وأوضح أنّ "إقليم كردستان ينتج حاليًا 452 مقمق وهي تكفي لسد الحاجة المحلية للإقليم التي تقدر بحدود 440 مليون قدم مكعب تستخدم لغرض توليد الطاقة"، مشيرًا إلى إمكانية هذا الإقليم الذي ينتج اليوم بحدود 5 مليار متر مكعب أن "يرفع إنتاجه في 2035 إلى 40 مليار متر مكعب، لافتًا إلى "خطط يقوم بها إقليم كردستان لغرض مد بغداد بالغاز فضلًا عن نقله لتركيا مع وجود اتفاق عقدته مع كار كروب، لمد الأنابيب إلى تركيا ويستغرق هذا الأمر بحدود 16 شهرًا، أي حتى منتصف العام القادم".
وأشار المرسومي إلى أن "إقليم كردستان يمتلك إمكانيات التصدير إلى العراق و تركيا وأوروبا لذلك من المحتمل أن يبدأ التصدير على نطاق محدود منتصف العام القادم، وإذا تطور قطاع الغاز في كردستان بسرعة قد يساهم بالحصول على عقود لإمداد تركيا بالغاز، خصوصًا مع انتهاء صفقة الغاز بين إيران وتركيا في 2026، لذلك الغاز الكردي سيكون منافسًا للغاز الإيراني في تركيا التي تستورد أكثر من 9 مليار متر مكعب من إيران".
وتواجه الإمدادات والقطاع الغازي الإيراني جملة من المشاكل، واحتياج لمليارات الدولارات لتحديث وتطوير البنية التحتية لإنتاج الغاز، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على الإمدادات الغازية المصدرة من إيران إلى تركيا والعراق، الأمر الذي سيدفع زبائن إيران للبحث عن موردين جدد بعيدًا عن إيران، ومن بينهم إقليم كردستان، كما يشير المرسومي.
وبشأن ما إذا كانت تحركات إيران ضد "الغاز الكردي" تتعلق بالخشية من منافستها في سوق العراق أكثر من الأسواق الخارجية الأخرى، اكتفى المرسومي بالقول إن "ليس كل ما يعرف يقال وليس كل ما يقال هو وقته الصحيح"، إلا أنه يعتبر أن "البنى التحتية وموقع كردستان والأسباب الجيوستراتيجية يعطي لتركيا أهمية أكثر من العراق للحصول على الغاز الكردي".
خسارة العراق 5 مليار دولار سنويًا
من جانب آخر، يرى خبير الطاقة الدكتور بلال خليفة حديث إقليم كردستان عن تصدير الغاز لأوروبا وسط احتياج العراق للغاز، هو "تحدي للدستور والعراق والحكومة والشعب".
ويقول خليفة في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "الحقول التي تحتوي على غاز هو حقل خورمور الغازي والذي يقع في محافظة كركوك، والذي كانت شركة نفط الشمال هي من تديره، وتم الاستيلاء عليه من قبل الاقليم بعد عام 2006".
وأضاف أنّ "العراق يعاني من أزمة كبيرة في الطاقة الكهربائية وأحد أهم الأسباب في تلك المشكلة هي النقص الحاصل في الغاز المجهز لمحطات توليد الطاقة الكهربائية، ولهذا السبب اتجه العراق لاستيراد الغاز من إيران، مستدركًا "لكن الغريب أن العراق يغض الطرف عن استيلاء الكرد على حقل غازي مهم وهو خورمور والذي تعاقد الكرد مع شركة إماراتية وهي دانه غاز والهلال الخصيب بعقد نوع المشاركة دون علم الحكومة".
الغاز الكردي سيكون منافسًا للغاز الإيراني في تركيا التي تستورد أكثر من 9 مليار متر مكعب من إيران
ويعتبر خليفة أنّ "الأغرب من ذلك أنّ الإقليم لا يبيع الغاز للعراق بل يريد أن يوصل أنابيب غاز إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، والأدهى أن ذلك يجري بعد قرار المحكمة الاتحادية القاضي بعدم دستورية الأعمال النفطية وقانون الطاقة في كردستان"، مبينًا أنّ "استيراد الغاز من الخارج يكلف العراق بحدود 3 مليار دولار سنويًا وهذا يعني أن السبب في خسارة هذا المبلغ هو الإقليم، فضلًا عن كون عائدات بيع هذا الغاز وتصديره ستذهب لجهة أو حزب معين، مايعني خسارة العراق أكثر من مليارين سنويًا بالتالي أن القرار يكلف العراق أكثر من خمسة إلى 6 مليار دولار سنويًا".