يترقب المواطنون منذ ترأس عادل عبد المهدي الحكومة الجديدة في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2018، تحسنًا في أحد أهم قطاعات حياتهم، وهو الصحة، القطاع الذي شهد خلال السنوات الماضية تراجعًا حادًا، بفعل الفساد الذي تسبب بهدر أرقام فلكية من الأموال، مقابل إزدهار القطاع الخاص من مستشفيات وصيدليات، وحتى بلدان، حيث باتت إيران والهند، أبرز الوجهات العلاجية للعراقيين لرداءة الخدمات الصحية داخل المستشفيات الحكومية.
بزيارة أحد المستشفيات الحكومية في العراق، سيظهر جليًا النقص في كل شيء، من الأدوية والمختبرات وأسرّة المرضى وحتى الأطباء
الصحة.. تكتم على خدمات الموت البطيء وانتشار الأوبئة
بمجرد زيارة أحد المستشفيات الحكومية، سواء في العاصمة بغداد أو المحافظات، سيظهر جليًا حجم النقص الحاصل بكل شيء، ابتداءً بالأدوية والمختبرات، وأسرة المرضى، وحتى الأطباء، لكنها على أي حال تكتظ بالمرضى منذ ساعات الصباح الأولى وحتى المساء.
اقرأ/ي أيضًا: أطفال العراق يموتون قبل تسميتهم
غالبية هؤلاء المرضى من الطبقات الفقيرة، وقليلًا من المتوسطة، حيث يكتفون بالاستشارة الطبية عادةً، ومن ثم الذهاب إلى الصيدليات المكتظة هي الأخرى، بشارع المستشفى ذاته، لخلو صيدليات المستشفى من الأدوية الضرورية. كما ليس غريبًا أن تحجب وزارة الصحة، رداءة الخدمات ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، والحد الأدنى للنظافة داخل المستشفيات العامة، وليس غريبًا أيضًا اعتقال فريق صحفي داخل مدينة الطب كان يرصد واقع المجمع الصحي الذي يشوبه النقص وتطال إدارته شبهات الفساد!
حيث كشفت قناة "دجلة"، في الخامس من شباط/فبراير الماضي، عن احتجاز فريقها الصحفي ومنعه من التصوير داخل مدينة الطب. واتهمت في خبر عاجل مدير المستشفى، حسن التميمي، باحتجاز فريق عملها ومنعه من التصوير، بعد رصده السلبيات داخل المستشفى.
أدوية لعدد كبير من الأمراض الحيوية باتت طيّ النسيان، واختفت تدريجيًا، حتى أصبح من السائد لدى المرضى والمراجعين، عدم الذهاب لصيدلية المستشفى الحكومي، لاحتوائه على مسكنات الآلام عادةً، وإن وُجدت أنواع أخرى من الأدوية، فهي محدودة جدًا، ولا تتعدى أحيانًا حتى 10 أنواع من العلاجات من النوعيات الرديئة، مخصصة لعلاج الزكام والالتهابات.
وسجلت الحكومة، ووزارة الصحة، فشلًا ذريعًا في حل هذه الأزمة، التي تعاني منها البلاد منذ 15 عامًا مضت، فيما ينتظر الماصبون بالأمراض المستعصية، موتهم البطيء لعدم توفر الأدوية الخاصة بهم.
ومع نقص الأدوية الحاد، وتزايد إصابات الأمراض وانتشارالأوبئة طولًا وعرضًا بمختلف أنحاء البلاد، وسط تراجع أداء المستشفيات العامة؛ يطال الإهمال حتى البيئة المحيطة بالمواطنين، ففي حين يعاني مركز الأورام السرطانية من انتشار النفايات أمام البواية ومداخل غرف العلاج؛ تسجل محافظة البصرة الغنية بالنفط والتلوث الإشعاعي، آلاف حالات التسمم بفعل تلوث المياه، ازدادت حدتها منذ الصيف الماضي، مع استفحال الأورام السرطانية، بمشاركة الأنبار المحررة من داعش، المليئة هي الأخرى بعد التحرير بمخلفات الحرب.
وكشف مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة، في بيان له، عن تسجيل "800 إصابة بالسرطان شهريًا في المحافظة". وبدورها أكدت مدير لجنة الصحة بمحافظة الأنبار، أسماء العاني، في تصريحات صحفية، تسجيل "حالة إصابة واحدة بالسرطان يوميًا، بفعل المخلفات الحربية".
فيما كان المتحدث باسم تجمع مرضى الثلاسيميا، طالب طاهر، قد أكد أن "عدد المرضى المصابين بالمرض تجاوز 29 ألف مصاب في العراق"، مشيرًا إلى نقص الأدوية والعلاجات للمرض. وأضاف في تصريحات صحفية، أن "4200 من المصابين يتواجدون في العاصمة بغداد، موزعين بين جانبي الرصافة والكرخ"، فيما أكد أن "الأدوية الخاصة بالثلاسيميا من الحقن والحبوب غير متوفرة في جميع مستشفيات البلاد، منذ عام ونصف".
"وزيرة الموت" الأكثر شهرة!
منذ تسلمها وزارة الصحة في أيلول/سبتمبر 2014، برز نجم عديلة حمود، كأحد أكثر وزراء الصحة المتهمين بالفساد منذ عام 2003.
حمود المنتمية إلى ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وطوال أربع سنوات، نجحت في الصمود أمام كل مطالبة جماهيرية أو سياسية بإقالتها وإصلاح قطاع الصحة من بعدها، بالتزامن مع هدر أموال تقدر بملايين الدولارات، وعشرات قضايا الفساد التي تخطتها جميعًا، انتهاءً بجسلة استجوابها في البرلمان، خلال شهر نيسان/أبريل 2017، حتى لقبت بـ"وزيرة الموت"، نظرًا لتراجع قطاع الصحة في البلاد بشكل مفجع في عهدها.
وخلال سنوات ترأسها للصحة، تحججت حمود كثيرًا بقلة التخصيصات المالية المقدمة للوزارة، لكن ملفات فساد أكثر أخذت بالظهور بين الحين والآخر، وكانت تثبت هدرها للمال العام، على حساب المرضى وتوفير الأدوية واللقاحات وبناء المستشفيات، وإكمال مشاريع صحية، توقف فيها العمل منذ سنوات.
يؤكد النائب في البرلمان، وعضو لجنة الصحة والبيئة، جواد الموسوي، في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "عدم وجود تخصيصات مالية لوزارة الصحة، مجرد حجج؛ فالتخصيصات موجودة، وتغطي على أقل تقدير الأدوية الضرورية والعلاجات المنقذة للحياة، إضافة إلى أدوية السرطان".
أضاف الموسوي، أن "سوء الإدارة والفساد في وزارة الصحة، هو السبب الرئيسي لنقص الأدوية وتراجع الخدمات الصحية، ومعها لن يشهد القطاع الصحي أي تحسن مهما خصصت له من أموال"، مبينًا أن "الاموال التي خصصت للوزيرة عديلة حمود تقدر بمئات الملايين من الدولارات، لكن سوء الخدمات وعدم توفر الأدوية مايزال حاضرًا".
وكانت وثائق صادرة عن مكتب المفتش العام في وزارة الصحة، كشفت تورط حمود ومكتبها بسرقة أكثر من ثماني مليارات دينار عراقي، عبر أسماء عناصر حمايات وهمية، وصرف مبلغ كبير لنادي الصحة الرياضي المغلق، وفق قرار وزارة الشباب والرياضة.
وتضمنت الوثائق التي تداولتها تقارير صحفية، ثلاثة محاور، أبرزها ملف وجود 250 اسمًا وهميًا، أدرجت عن طريق مكتب الوزيرة، وأحد أكبر المتورطين بملفات الفساد في الوزارة يدعى "زيد شاكر عباس"، حيث تم سرقة سبع مليارات دينار عبر تلك الأسماء على مدى سنوات.
وترد وزارة الصحة على أغلب تهم الفساد وسوء الإدارة، بأنها "أنباء غير صحيحة"، وعلى الوثائق المسربة بأنها "مزورة"، لرمي الكرة في ملعب دوائر أخرى، مثل أمانة بغداد التي اتهمتها بـ"رمي النفايات وعدم الالتزام بالشروط البيئية الخاصة في مواقع الطمر الصحي، في منطقة العماري بحي المعامل، شرقي العاصمة".
من جانبها نفت أمانة بغداد قيامها بـ"رمي النفيات في المنطقة"، متهمًة في بيان لها، وزارة الصحة بـ"تجاوز على المناطق المذكورة، من خلال رمي المخلفات الطبية، والأدوية الفاسدة المؤثرة بصورة مباشرة على الصحة العامة، في منطقة حي المعامل"، والتي تسكنها آلاف العوائل التي سحقتها الظروف المعيشية.
وتعاقب الإهمال الحكومي على هذه المنطقة منذ سنوات، وسط بيئة ملوثة تسببت مخلفات الطمر الصحي غير الصحية فيها، بانتشار أمراض بين الأطفال يعجز الأطباء حتى عن تشخصيها فضلًا عن علاجها.
وخلال وقائع جلسة استجواب وزيرة الصحة عديلة حمود، في الأول من نيسان/أبريل 2017، كشف النائب المستجوب، عواد العوادي، ملفات فساد كثيرة وهدر للمال العام، منها استيراد 26 ألفًا و140 مادة طبية "قبقاب" من البرتغال بسعر 900 مليون دينار عراقي، أي سعر القطعة الواحدة منها بما يساوي 27 دولارًا. هذا بالإضافة إلى ملفات عقود وهمية تسببت في هدر المال العام.
لكن البرلمان صوت على القناعة بأجوبة الوزيرة، لتستمر بالمنصب حتى نهايته، مع اقتراب تحول البلاد إلى "هيروشيما" بفعل الأمراض السرطانية، بينما يقترب نصف سكان البصرة من الإصابة بالسرطان في الجيل الحالي والأجيال المقبلة، بحسب تقرير أميركي، أشارت إليه صحف عراقية.
الهند أو إيران.. قِبلة المرضى
يجبر النقص الحاد في المستشفيات العراقية، ومستلزماتها من أدوية وأطباء وعانية كافية، إضافة إلى اكتظاظها بالمراجعين والمرضى؛ على خيار سفر المرضى العراقيين لتلقي العلاج "المضمون" في الهند، والأقرب منّا إيران، بالتزامن مع موت الحديث الرسمي عن مشاريع مستشفيات الـ400 سرير في بغداد وعدد من محافظات البلاد، التي أُعلن عنها سابقًا وبتخصيصات مالية كبيرة.
يقول مقدام الشمري، في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "والده وبعد إجراء الفحوصات في بغداد، اضطر أخيرًا إلى السفر للهند وتلقي العلاج لقلبه المرهق"، موضحًا أنه "صرف الكثير من الأموال خلال الرحلة العلاجية التي لو توفرت في البلاد مستلزماتها لما فكر في الذهاب".
وأضاف الشمري، أنه "ذهب شخصيًا العام الماضي إلى إيران لإجراء عملية لعينه بعد عملية فاشلة في العراق، كادت أن تتسبب في خسارة نظره إلى الأبد". وقد تفاجأ الشمري بأعداد العراقيين الذين يرومون إجراء عمليات العيون في ذات المستشفى بطهران.
يشار إلى أن وزارة الصحة الإيرانية أعلنت في تموز/يوليو 2017، أن 374 ألف عراقي يدخلون إلى البلاد سنويًا في إطار ما يعرف بالسياحة العلاجية.
لكن السفر للعلاج مكلف، وقد يدفع بالبعض إلى فض أعمالهم لتوفير تكلفة السفر، كما فعل علي جواد، صاحب برج إنترنت، والذي اضطر إلى بيع برجه ليتمكن من السفر للعلاج في الهند.
ويقول محمد ملال طلال، صاحب شركة سياحة، في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "سفر العراقيين للعلاج إلى إيران والهند، لايتوقف على مدار السنة"، موضحًا أن "العراقيين يؤمنون على حياتهم هناك، لتوفر المستشفيات والتقنيات الحديثة في علاج أمراض القلب والكسور والفقرات"، مضيفًا أن "تركيا ولبان تشهد إقبالًا كبيرًا أيضًا لعمليات زراعة الشعر والتجميل".
وتتضح أهمية السفر إلى الهند لتلقي العلاج والدراسة، عندما علقت السفارة الهندية في بغداد، منح تأشيرات دخول العراقيين بسبب "رفع التحصينات الأمنية عن مبنى السفارة"، وانتشرت صور تظهر عشرات المرضى والطلبة الراغبين بالذهاب إلى الهند، وهم يتجمعون أمام مبنى السفارة لاستحصال تاشيرات السفر، بعدما وجدوا باب السفارة مغلقًا يوم الثاني من آب/أغسطس 2018.
الوزير الجديد على درب عديلة حمود
وبينما يترقب المرضى العراقيون في عموم البلاد، حلًا جذريات لقطاع الصحة، خرج وزير الصحة والبيئة الجديد، علاء العلوان، بعد إقرار الموانة العامة الاتحادية لعام 2019، قائلًا، إن "المبالغ المرصودة للوزارة خلال الموازنة ضئيلة جدًا، ولاتصل للحد الأدنى من متطلبات التغيير المنشودة في الصحة".
أضاف العلوان، أن "البنى التحتية للقطاع الصحي تعرضت لضرر جسيم، فضلًا عن شحة توفر الأدوية، حيث لم تتجاوز نسبة التجهيز الكامل للمؤسسات الصحية في عام 2018 نسبة 12% من الأدوية الأساسية، المنقذة للحياة، مع أخطار التلوث البيئي بمختلف أنواعه الذي يتعرض له العراق"، الأمر الذي يكشف حجم الأموال التي يحتاجها القطاع الصحي في البلاد لكي يتعافى، على الرغم من إنفاق ملايين الدولارات، خلال 15 عامًا مضت في علاجه، دون جدوى.
بسبب تدهور قطاع الصحة في العراق، يُجبر كثير من العراقيين على السفر من أجل تلقي العلاج اللازم و المضمون في الهند أو إيران
ويرى النائب الموسوي، أنه "من المعيب على وزير الصحة الجديد، العمل بنفس الأدوات التي كانت تعمل بها الوزيرة السابقة عديلة حمود"، مؤكدًا أنه "مع أدوات حمود في إدارة الوزارة لن يتم تحقيق أي تقدم، ويكون التغيير قد حدث بشخص الوزير فقط، مع استمار وجود أدوات الفساد السابقة"، خاتمًا بالقول: "الوزارة الجديد لاتبشر بخير أبدًا".
وتابع، عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية، خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "أعداد مرضى السرطان بتزايد غير طبيعي، وأدوية السرطان مقطوعة منذ ثلاثة أشهر ولحد الآن"، لافتًا إلى أن "الوزارة الجديدة لم تعمل على توفيرها، والمرضى يتعرضون للقتل بفعل الفساد الموجود بزمن عديلة حمود ومايزال حتى اللحظة".
وحصل "ألترا عراق" على وثيقة وجهها الموسوي إلى وزير الصحة والبيئة، علاء العلوان، تضمنت مطالبة الوزير بتوفير علاج اللوكيما المنقطع منذ أشهر.
وأكد أنه "أمهل الوزير مدة 15 يومًا إضافية لتوفير العلاج، أو سيصطحب المرضى إلى داخل مقر الوزارة ويحتجون سوية على تردي أوضاعهم وإنعدام أدويتهم المنقذة للحياة".
اقرأ/ي أيضًا:
عائلة عراقية محتجزة في مستشفى هندي.. لعنة الابتزاز في الخارج