الترا عراق - فريق التحرير
بعد سنوات من هيمنة التوافق السياسي على إدارة دفة الحكم في العراق، فضلًا عن نتائج الانتخابات المتقاربة، بدأت المرحلة الجديدة التي أعقبت انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر السابق ترسم ملامح جديدةً لشكل الخارطة السياسية.
فقدت القوى المقربة من إيران جميع الخطوات التي أقدمت عليها قضائيًا ولم يتبق لها سوى المعارضة أو مقاطعة العملية السياسية
وأفرز الصراع الانتخابي بعد إعلان النتائج تحولات جديدة على مستوى التغيير البرلماني بتراجع القوى السياسية المقربة من إيران والتي تمتلك أجنحة مسلحة، وصعود نسبة من المستقلين ليست بالقليلة، فضلًا عن تحقيق التيار الصدري ما كان يبتغيه من مقاعد لتحقيق الأغلبية وتشكيل الحكومة.
اقرأ/ي أيضًا: خيارات الإطار التنسيقي للصدر: السلاح أو المعارضة المُطمئِنة
فقدت القوى المقربة من إيران جميع الخطوات التي أقدمت عليها قضائيًا بعد ردّها من قبل القضاء، ولم يتبق لها سوى طريقان: المعارضة التي تدخل ضمن مفهوم "الثلث المعطل" في البرلمان، مقابل الثلثين الذين يجمعان الكتلة الصدرية وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة، وعدد من النواب المستقلين وحركتي امتداد والجيل الجديد، بنحو 220 مقعدًا، أو مقاطعة العملية السياسية.
وخرج مصطلح "الثلث المعطل" في وقت يتصاعد فيه صراع الحزبين الكرديين (الديمقراطي الكردستاني – الاتحاد الوطني الكردستاني)، حيث يميل الأخير لتشكيل جبهة مع قوى الإطار التنسيقي لدعم مرشحه برهم صالح رئيسًا للجمهورية لولاية ثانية من خلال تعطيل "الثلث الثالث" للبرلمان لعرقلة الجلسة المقبلة، وقطع الطريق أمام الطرف الأول ومرشحه هوشيار زيباري المدعوم من قبل التحالف الثلاثي.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا، الخميس 3 شباط/ فبراير 2022، قرارها حول استفسار قدمه صالح بشأن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد بتفسير المادة 70 أولًا من الدستور العراقي لعام 2005، وبيان الأغلبية الواجب توافرها للشرو بعملية التصويت، وهل يشترط حضور ثلثي أعضاء المجلس، إذ أن حضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس لا يحقق معنى "أغلبية ثلثي الأعضاء" ولو صوت جميع الحضور لذات المرشح.
وخلصت المحكمة إلى أن "مجلس النواب ينتخب رئيسًا للجمهورية من بين المرشحين بأغلبية ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي، ويتحقق النصاب بحضور ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي"، ما يعني ضرورة حضور 220 نائبًا في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
تحتاج قوى الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني إلى انضمام 10 نواب لفرض الثلث المعطّل لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية
وتمتلك قوى الإطار التنسيقي 80 نائبًا، برفقة الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يملك 19 نائبًا، وهما بحاجة إلى انضمام 11 نائبًا فقط ليفرضوا "واقع الثلث المعطل" بعدد 110 نائب.
تغيير كامل للخارطة
وحول هذا التطور في الدورة النيابية الخامسة، مقارنة بالسنوات الماضية، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إنه "لا توجد آلية أو مصطلح للثلث المعطل لا في الدستورية ولا حتى على مستوى العرف الذي سارت عليه العملية السياسية والانتخابية"، حيث كان الانتخاب "يقتصر على التوافق"، لكنّ الحال تغيّر في الدورة الجديدة.
ويشير الشمري في حديث لـ"ألترا عراق" إلى أن هناك "محاولة إعاقة ثلث البرلمان في جلسة انتخاب رئاسة الجمهورية"، لكنّ المحاولة "قد تفشل إذا لم تستطع قوى الإطار جمع العدد الكافي"، وبالتالي العودة للآليات السابقة، "وبعد قرار المحكمة الاتحادية فأن التوافق وارد".
ويضيف الشمري أنّ "الدستور يعطي في الكثير من المواد الصلاحية الواسعة للتحالفات التي تجمع أكثر من 165 مقعدًا عبر الأغلبية المطلقة أو البسيطة"، وبالتالي فأن "الثلث المعطل لن يكون ذا جدوى"، خصوصًا وأن "سحب الثقة عن الحكومة أو تعديل القوانين يتطلب النصف زائد واحد".
وإذ يعتبر الشمري أن الغرض من ملف الثلث المعطل "الحصول على المناصب الخادمة للأحزاب وهي حالة غير صحية" يقول في الوقت ذاته إن وجود "قوى الإعاقة" سيدفع التحالف الثلاثي (الصدريين والسيادة والكردستاني) إلى "مراجعة حساباته وهو ما قد يغير من خارطة المشهد بشكل كامل".
لن يكون الثلث المعطل ذا جدوى خصوصًا وأن سحب الثقة عن الحكومة أو تعديل القوانين يتطلب النصف زائد واحد
وسجيبر تفعيلُ الثلث المعطل الجميعَ على تعديل أفكاره كما يرى الشمري، وهو ما "قد يقود إلى تحول وإصلاحات كبيرة في قادم الأيام"، فيما "ستتبخر المشكلات بين ليلة وضحايا إذا ما حصلت مختلف الجهات على ما تريد من المناصب".
برلمان لتصفية الحسابات
قرار المحكمة الاتحادية بفرض نصاب الثلثين في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية سيكون فرصة جديدة للأطراف الخاسرة في الانتخابات متمثلةً بالإطار التنسيقي للممارسة المزيد من الضغوط على الأطراف الأخرى، حسب تقدير الباحث السياسي الكردي شاهو القرة داغي.
ويرى القرة داغي في حديث لـ"ألترا عراق" أن الإطار سيواصل ضغطه على زعيم الكتلة الصدرية والمتحالفين معه عن طريق التلويح باستخدام الثلث المعطل، والذي قد يكون سلاحًا فعالًا لدفع الآخرين للتفاوض والوصول إلى آلية تنهي الإخلال الحاصل في موازين القوى".
وفي حال إصرار زعيم التيار الصدري على مواقفه، فإنّ "البرلمان الجديد سيكون ساحة إضافية لتصفية الحسابات السياسية بتعطيل وعرقلة عمله" كما يتوقع القرة داغي، الذي يشدد على أن "الصراعات ستجعل البرلمان الجديد عاجزًا عن القيام بوظائفه في ظل هذا الاختلال الحاصل".
ويعتبرُ الفرقاء السياسيون الإخلالَ بمبدأ المحاصصة "تهديدًا لكيان ومستقبل النظام" بحسب الكاتب الكردي، وبالتالي "قد يتجه الخاسرون إلى استخدام أدوات غير مشروعة لتحقيق مطالبهم خلال المرحلة القادمة"، وذلك عبر إرسالهم "رسائل واضحة بإمكانية انهيار الحكومة في حال تشكلت بعيدًا عن القوى الخاسرة وهو يُظهر الخوف الكبير من المرحلة القادمة".
ويخلص القرة داغي القول إنّ "فكرة وجود المعارضة فكرة سليمة في حال أدركت المعارضة وظيفتها الحقيقية"، إذ أن المعارضة "حالة صحية تساهم في تطوير التجربة الديمقراطية، إلا أن النظام السياسي في العراق مبني على أساس المحاصصة وتوزيع الحصص".
اقرأ/ي أيضًا:
تحالف المعارضة يعلن المبادئ الأساسية: 40 نائبًا لمراقبة الحكومة